تستعد الولايات المتحدة لإحياء الذكرى السابعة عشرة لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وذلك بتكرار مراسم قديمة، وبإضافة مراسم جديدة. لأول مرة، سيفتتح معرض متنقل يحاكي أحداث وأصوات الهجمات في نيويورك. وستكون أولى نقاط المعرض المتحرك ولاية إنديانا، حيث يتوقع أن يفتتحه نائب الرئيس مايك بنس، الذي كان حاكما للولاية. وسوف يحيي الرئيس دونالد ترمب ذكرى الهجمات اليوم الثلاثاء في ولاية بنسلفانيا، في مكان سقوط الطائرة الرابعة التي يعتقد أنها كانت متجهة نجو الكونغرس، أو البيت الأبيض. وستشهد نيويورك إشعال 3 آلاف شمعة تقريبا، تمثل أرواح الضحايا، وتستمر تشتعل لمدة 24 ساعة. أعيد افتتاح محطة مترو (قطار تحت الأرض) أول من أمس، كانت تحطمت مع انهيار برجي مركز التجارة العالمي حيث كانت تقع أسفل البرجين». وبعد 17 عاما على اعتداءات سبتمبر 2001، لا تزال هويات أكثر من 1100 شخص من ضحايا الهجمات التي دمّرت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك مجهولة».
وفي ذكرى الهجمات على الولايات المتحدة، يكرر الأميركيون مراسم تخليد: سيزور آلاف الناس النصب التذكاري لبرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك. وستصمت كل أميركا لدقيقة، مع توقيت أول هجمة على البرجين. وسيلقي الرئيس دونالد ترمب خطابا. وسيزور، مع زوجته، ميلانيا، مكان سقوط الطائرة الرابعة في ولاية بنسلفانيا. (في العام الماضي، زارا مبنى البنتاغون، الذي كانت ضربته الطائرة الثالثة. وربما سيزور في العام القادم مكان مبنى التجارة العالمي الذي ضربته الطائرتان الأولى والثانية). كعادته، غرد ترمب عن الذكرى حتى قبل يومها. وقال بأن الاحتفال سيكون «أكبر مما كان في أي وقت مضى». وكعادته، تحدث عن إنجازاته في الحرب ضد الإرهاب. وقارنها بإنجازات الرئيسين قبله: جورج بوش الابن، وباراك أوباما. وقال: «لم يحارب رئيس الإرهاب مثلما أحاربه. قضيت عليهم كلهم أينما كانوا».
استمرار البحث عن الضحايا
مع استمرار احتفالات ذكرى الهجمات، واستمرار استغلال سياسيين وعقائديين لها، ومع استمرار المحاكمات في سجن غوانتانامو، يستمر البحث عن بقية ضحايا الهجوم في نيويورك، وتستمر محاولات التعرف على جميع القتلى.
ويستخدم خبراء في مركز الطب الجنائي في نيويورك تكنولوجيا جديدة في تحليل الحمض النووي تساعد في التعرف على مزيد من ضحايا الهجمات.
لكن في مختبر معهد الطب الشرعي في الولاية الواقعة على الساحل الشرقي الأميركي، لا يزال فريق علمي يعمل للتعرّف على هويات أصحاب مئات العظام والبقايا البشرية في ظل تطور تكنولوجي مستمر». في البداية، يختبرون بقايا العظام التي عثر عليها في ركام البرجين. وبعد تكسيرها وطحنها إلى رماد، يتم خلط البقايا البشرية بمادتين كيميائيتين لاستخراج الحمض النووي. ثم يجب أن تتطابق مع الحمض النووي المخزّن لدى المختبر».
وقال مارك ديزاير الذي يقود المعمل الجنائي، إن التكنولوجيا الجديدة، التي تسمى «بروتوكول مركز التجارة العالمي»، استخدمت لتحديد ضحايا حوادث قطارات وطائرات وهجمات إرهابية في الأرجنتين، وكندا، وجنوب أفريقيا، وأماكن أخرى.
لكن نجاح كل ذلك ليس مضمونا بالنهاية، وأشار ديزاير إلى أن «العظام هي أصعب مادة بيولوجية يمكن العمل عليها». وتابع «وفوق كل ذلك، حين تتعرض العظام مثل التي كانت موجودة في غراوند زيرو للنيران والعفن والبكتيريا وأشعة الشمس ووقود الطائرات والديزل، كل ذلك يدمّر الحمض النووي. لذا، في النهاية يمكن أن يكون بحوزتك عينة تتضمن قدرا صغيرا جدا جدا من الحمض النووي». وأجرى المعهد اختبارات على نحو 22 ألف قطعة من البقايا البشرية التي عثر عليها في موقع الاعتداءات، بعضها خضعت للاختبار 10 أو 15 مرة».
وحتى الآن، تم التعرف رسميا على 1.642 شخص فقط من أصل 2.753 من ضحايا الاعتداءات في نيويورك. ولا يزال 1.111 شخص مجهولين». وأحيانا تمر عدة أعوام دون أن يضيف المختبر اسما جديدا». وقال ديزاير «هذه نفس البروتوكولات الذي كانت لدينا عام 2001، لكننا تمكنا من تحسين العملية في كل خطوة بدافع الضرورة». ورفض ديزاير تأكيد موازنة هذا البرنامج، إلا أن المختبر يعد الأفضل تجهيزا وتطورا في أميركا الشمالية». وفي يوليو (تموز) الماضي، وبعد نحو عام من التعرف على آخر شخص، تم التعرف على سكوت مايكل جونسون البالغ 26 عاما الذي كان يعمل محللا ماليا في مصرف الأعمال «كيف بروييت اند وودز» في الطابق 89 للبرج الجنوبي عند وقوع الهجوم. وقالت فيرونيكا كانو من فريق الأدلة الجنائية «شعرت بالارتياح إزاء ذلك».
وتابعت «لقد تدربنا على ألا نتأثر، لكنه أمر يؤثر على الجميع بطريقة ما. أحاول أن أكون محترفة وأن ننهي المسائل لهذه الأسر». ويخصص المختبر جزءا من عمله فقط لتحديد هوية ضحايا 11 سبتمبر، فيما يتعامل مع حالات وفاة واختفاء أخرى». وتجرى أعمال الفريق في مكاتب منفصلة تقع على بعد نحو كيلومترين، مما كان يعرف في السابق باسم «غراوند زيرو». وتتوقف عائلات الضحايا في بعض الأحيان عند المختبر». وقالت كانو «من الصعب ألا تكون عاطفيا بسبب العناق وكلمات الشكر»، وتابعت «إنه أمر جيد بالنسبة لي أن أفعل شيئا لشخص ما». ويلعب الأقارب دورا بالغ الأهمية لأن المقارنة بين الحمض النووي للبقايا مع عينات مقدمة من أفراد الأسر يمكن أن تسمح بتحديد هوية البقايا البشرية المجهولة». ولدى المختبر نحو 17 ألف عينة، لكن لا توجد عينات لنحو 100 ضحية، ما يعقّد من مساعي تحديد هوية تلك البقايا». ويسمح إجراء دقيق للغاية للأقارب بتحديد ما إذا كان سيتم إبلاغهم بهوية الشخص الذي فقدوه وكيف سيتم إبلاغهم به». وقالت ماري فتشيت، التي فقدت ابنها براد البالغ من العمر، 24 عاما، عندما يتم إبلاغك، يعود بك الزمن إلى ذلك اليوم، والطريقة المروعة لقتلهم». وتابعت الأم الثكلى «لكنه أيضا يمنحك بعض العزاء بأنك قادر على دفن ابنك بطريقة مناسبة». وشارك فتشيت في تأسيس «أصوات 11 سبتمبر أيلول»، وهي مجموعة تساعد على تلبية الاحتياجات طويلة الأجل للمتأثرين بهذه الفاجعة وغيرها من المآسي».
في عام 2001، أدرك رئيس مكتب الطب الشرعي تشارلز هيرش أن الوقت سيكون حليفا في جهود التعرف على البقايا البشرية، وأمر بحفظها». ومن جميع أنحاء العالم، من الأرجنتين إلى جنوب أفريقيا، تأتي فرق الطب الشرعي الآن إلى نيويورك للتعلم من الفريق».
وفي اللقاءات مع أسر الضحايا، قال ديزاير إن الفريق يتحدث عن «المستقبل، عما نعمل عليه الآن ويساعد في التوصل إلى مزيد من التعرف» على هويات الضحايا.
وقال والابتسامة تعلو وجهه إن خبراء معهد الطب الشرعي الآن «ربما كانوا في المدرسة الابتدائية أو الابتدائية وقت الاعتداءات» وأضاف «لكنهم يرون أهمية ما يقومون به».
{فهرنهايت سبتمبر 11}
قبل أسبوع من ذكرى الهجمات، أصدر المخرج السينمائي الأميركي مايكل مور فيلما وثائقيا آخر: «فهرنهايت سبتمبر 11»، وهو الثاني في سلسلة بدأها عام 2004. عندما أصدر الفيلم الوثائقي «فهرنهايت 11 سبتمبر». في الأول، انتقد الرئيس السابق بوش، وانتقد ما سماها بوش «الحرب العالمية ضد الإرهاب»، وغزو أفغانستان، وغزو العراق. وفي الفيلم الثاني، ينتقد الرئيس ترمب. ويتحدث عن: «هذه الأيام الغريبة والعجيبة التي نعيشها، ولا نعرف نهايتها». يتابع الفيلم ترمب منذ أن أعلن حملته الانتخابية في نهاية عام 2015. ويقدم نصائح (بعضها سخري، بعضها فكاهي) عن طريقة «الاستيقاظ من هذا الكابوس». يشير جزء من الفيلم إلى تصريحات ترمب عن الهجمات، وعن مظاهرات ابتهاج نظمها مسلمون. وأعاد الفيلم الثاني لقطات من الفيلم الأول عن نفس الموضوع. وكان الفيلم الأول قال ما قاله تلفزيون «إيه بي سي» في الأسبوع الماضي، وهو أن مظاهرات ابتهاج المسلمين ليست إلا إشاعة.
التعويضات تستمر
مع استمرار أشياء كثيرة لها صلات بالهجمات، تستمر دعاوى مزيد من التعويضات لعائلات الذين قتلوا، أو الذين أصيبوا. وتتعدد هذه الدعاوى بتعدد أصحابها: قال بعضهم بأنهم أصيبوا بمرض السرطان لأنهم شموا رائحة غبار الهجمات، وقال آخرون بأنهم أصيبوا بأمراض نفسية، ليس فقط لأنهم كانوا قريبين من مكان الهجمات وشاهدوها، ولكن، أيضا، لأنهم شاهدوا مناظر الهجمات في التلفزيون.
في الأسبوع الماضي، أكدت وكالة فدرالية في نيويورك بعض هذه الدعاوى. وقالت وكالة أسوشييتد برس الأميركية أن آلاف الأميركيين أصيبوا بمرض السرطان بسبب الهجمات. وأن 9795 شخصا أصيبوا بالسرطان بسبب الغبار السام الناجم عن وقود الطائرات التي ارتطمت بالمبنيين، وغبار الإسمنت، وشظايا الزجاج المتطاير.
وقال مايكل كرين، رئيس البرنامج الفيدرالي في مستشفى ماونت سيناي في نيويورك، إن هناك زيادة ملحوظة في أعداد المصابين بمرض السرطان، منذ أن بدأ البرنامج عمله قبل 5 سنوات، لمتابعة الحالات المصابة بأمراض مرتبطة بهجمات 11 سبتمبر.