شباب لبناني ينثر أحلامه جداريات ملوّنة في حي لندني

رئيسة «أحلى فوضى» لـ«الشرق الأوسط»: مشروعنا يستهدف تحويل طرابلس من منطقة حرب إلى منطقة فن

غالب هويلة يخطّ جملة للشّاعر الرّاحل محمود درويش («الشرق الأوسط»)
غالب هويلة يخطّ جملة للشّاعر الرّاحل محمود درويش («الشرق الأوسط»)
TT

شباب لبناني ينثر أحلامه جداريات ملوّنة في حي لندني

غالب هويلة يخطّ جملة للشّاعر الرّاحل محمود درويش («الشرق الأوسط»)
غالب هويلة يخطّ جملة للشّاعر الرّاحل محمود درويش («الشرق الأوسط»)

يجمّلون ما هدّمته ماكينة الحرب، وما شوّهته سنوات الزّمن، وبريشة ملونة يرسمون جداريات أبنية أكل الدّهر عليها ناسياً بعد رحيله آثار بؤسه. أنامل شباب موهوب، تترك بفرح مسحة جمال ونظرة تريح عيون المارة في شوارع مرّت موهبتهم بها.
انتشر في لبنان قبل سنوات، فن «الغرافيتي» (الرّسم في الشّارع)، لتتزيّن بعض مباني العاصمة بيروت برسوم عملاقة على جدرانها. وفي شارع الحمراء، ترتفع جدارية لأسطورة لبنان الشحرورة صباح، مبتسمةً للمارة. العمل من تنفيذ الفنان يزن حلواني، وكان من ضمن مشروع تنظّمه جمعية «أحلى فوضى». اسم حلواني بات اليوم من الأسماء المعروفة عالمياً في هذا المجال من الفن.
- الغرافيتي بين لبنان وبريطانيا
منذ الخامس من سبتمبر (أيلول) حتى الـ15 منه، ستمثّل «أحلى فوضى» لبنان تحت رعاية وزارة الثقافة اللبنانية، في المهرجان الدّولي للفنون الذي تنظمه جمعية rise gallery في مدينة كرويدون البريطانية. وقد جرى اختيار 8 فنانين لبنانيين مقيمين في بيروت للمشاركة من بين 100 فنان عالمي آخر، لرسم لوحات جدارية في كرويدون، بمهرجان فنّي لنشر رسالة الفنّ والثقافة.
«أحلى فوضى» منظمة غير ربحية مقرها لبنان، يديرها متطوعون يعملون من أجل تنمية المجتمع. مهمتهم حسب تعريفهم، جلب الفرحة إلى المجتمعات المحلية وتحسين بيئتها بطريقة ثقافية وفنية، مع الحفاظ على روح «خضراء» شاملة، كما تُقدم المنظّمة المساعدة الإنسانية للمجتمعات المنكوبة والفقيرة في لبنان بمختلف مذاهبها وطوائفها.
وللاطّلاع على ما يحدث بين منطقتين مختلفتين ثقافةً ولغةً، كان لـ«الشرق الأوسط»، حديث مع رئيسة الجمعية إيمان عسّاف التي أخبرتنا أولاً، كيف وُلد اسم المنظّمة، قائلة: «حيثما تسير في لبنان تسمع المواطنين يتأفّفون ويردّدون يومياً (شو هالفوضى)». وتضيف: «من قلب الشّارع المتأفف وواقعه الفوضوي، انبثق اسمها». وتوضح: «قد يعتقد كثيرون أنّنا فعلاً نشكّل حالة من الفوضى، بيد أنّها خلّاقة ومبدعة». من ثمّ أشارت إلى الأعلى إلى حيث ترتفع حاملة، عليها يقف شابّ: «إنه غالب هويلة»، وبابتسامة استطردت: «شاب لبناني من مدينة صور، شارك في معارض عدّة بلندن، وجمع بينه وبين تشيبا رسام الغرافيتي البريطاني المعروف عالمياً، عمل جدارية في مدينة بريستول، تعاونا معاً في رسمها».
يعمل هويلة على رسم جدارية بأحرف خُطّت بطلاء ذهبي، وكان لا يزال يُحدّد إطار الكلمات بالخط الأسود، في مبنى يقبع بغرب مدينة كرويدون، حين قرأ لـ«الشرق الأوسط»، ما يرسمه: «إنها جملة للشاعر الفلسطيني الرّاحل محمود درويش، (سنكون يوماً ما نريد... لا الرّحلة ابتدأت ولا الدّرب انتهى». ويضيف، «سأترجمها إلى الإنجليزية ليتمكن كل من مرّ من هنا فهم معناها».
لم تنته الجدارية بعد، لكنّه أخبرنا بأنّه سيملأ كل الفراغات المحيطة بها بكتابات باللون الأسود، لا معنى ولا أهمّية لها. والسّبب يوضح: «أريد لجملة درويش أن تتألق وحدها فقط، من بين كل السّواد، وأن تجذب النّاظر ليقرأها ويتمعّن بكلماتها المليئة بالأمل». يقول هويلة ونبرات صوته تتراقص فرحاً، وهو يعبّر بكلّ فخر عن سعادته بما يقدّمه لكل مارّ بهذا الشّارع البريطاني.
ليس من السّهل رسم لوحات جدارية كبيرة، فتصميم أي رسم على ورقة صغيرة يكون بسيطاً، بيد أنّ الوضع يختلف عندما تعلو بك الرّافعة إلى أماكن شاهقة، لتبدأ بتنفيذ العمل الحقيقي بكل جدّية. «ستواجه تحدّيات كثيرة» يقول هويلة، ويوضح: «مع ارتجاج الرّافعة المستمر يبدأ ألم الرأس والشّعور باللاتوازن يرافقك لحد الغثيان. رفع يدك لفترات طويلة وأنت ممسك بريشة ترسم بكل دقّة، يُشعرك كأنّ الدّماء تجمّدت فيها». ويختم كلامه بابتسامة: «أنسى كل المشكلات وما يرافقها من آلام عندما أُنهي الجدارية وأرى أنّني فعلاً قد قدّمت فنّاً جميلاً يسعد النّاظر إليه».
- رسامو الغرافيتي في لبنان إلى العالمية
تعد العاصمة البريطانية واحدة من أهم مدن العالم شهرةً بالفنون، خصوصاً فن الغرافيتي، وعلى الرّغم من الانتشار الكبير للمتاحف وصالات العرض في هذه المدينة، يبقى فن الشّارع من أهم الفنون الذي يجعلها تتمركز في كثير من الأحيان كأحد أفضل المدن لفناني الشوارع. وهل أفضل من عاصمة الضّباب لترك لمسة شباب لبناني على جدران ترتفع وسطها؟
تتابع عسّاف حديثها: «ستكون لندن المحطّة الأولى لفنّاني الغرافيتي اللبنانيين، سيُثبتون هنا وجودهم لتنطلق أسماء الكفوئين منهم إلى العالمية. إنّهم حقاً مبدعون».
تقول عسّاف: «كان للفنانين البريطانيين والأجانب المتعاملين مع rise gallery، زيارة سابقة للبنان، تحديداً منطقة عاليه، وقد ساهم رئيس بلديتها مجدي مراد بمساعدة المنظّمة، وباستقبال الفنانين الذين جاءوا لمشاركة فنانينا الشّباب برسم جسور وجدران أبنية في عروس المصايف اللبنانية عاليه». تؤمن إيمان بأنّ هذه المنظّمة الدّاعمة للشباب والعاشقة لتجميل أماكن في لبنان، تكتشف كفاءات الشّباب، وتؤكّد أنّ كفاءاتهم وحدها توصلهم إلى العالمية.
بعد الحمراء وعاليه، تتحدّث المنظّمة اليوم عن مدينة طرابلس، عن الأماكن المشوّهة بها وهي التي ارتبط اسمها بالحرب. «نحاول اليوم البدء بمشروع لتحويلها من منطقة حرب إلى منطقة فن»، تتابع عسّاف التي ترى أنّ حلمها لا حدود له، فقد بدأ صغيراً وها هو يكبُر في كل يوم. «أنا هنا اليوم تحت رعاية وزارة الثقافة اللبنانية، كما كان الأمر في مدينة عاليه. هذا المشروع الذي كان لإعادة إحياء عروس المصايف التي نامت طويلاً. واليوم لا بدّ لها أن تصحو وتنتعش من جديد. ففي عاليه سيمبوزيوم يضمّ أكثر من 200 قطعة فنّية من حول العالم، ومدرسة عارف الرّيس للرسم التي فتحت جميع أبوابها في المنطقة. بعد وفاته ترك الرّيس بصمته الخاصة في منطقة جبل لبنان، لذا بدأنا العمل في عروس المصايف، ورئيس بلديتها وجدي مراد قدّم لنا كلّ الدّعم وسهّل الأمور أمامنا. وبالفعل نجحنا، فقد استقطب المهرجان نحو 33 ألف شخص، وربما يكون بداية لإعادة الحياة من جديد إلى المنطقة، وفي العام الحالي نظّم أهلها مهرجانهم الخاص».
تعود عسّاف لتختم حديثها عن طرابلس مؤكّدة أنّ الخطوة التالية هي هذه المدينة، موضحةً: «أعتذر من جميع الذين يعتقدون أنّ طرابلس تحتوي لوناً واحداً، ولا بدّ لهم من زيارة الميناء للتمتع بكل ما يحويه من جمال وسحر، ومن طرابلس القديمة التي تحفل بتنوّع لا يختلف عن ذلك الذي تعيشه مدينة الحمراء أو عاليه، أو أي منطقة من لبنان، لا بدّ أن يقتنع المواطن بأنّ التنوّع في هذا البلد الصغير هو الجّمال الحقيقي، والترويج له يكون من خلال الألوان».
جدير ذكره، أنّ خمسة فنانين فقط استطاعوا الحصول على تأشيرة لدخول الأراضي البريطانية، وهم إيلات كنيزة وجاد خوري وإلياس زعرور ورومي مطر وغالب هويلة، وقد سنحت لهم الفرصة ليتركوا بصماتهم في مدينة الضّباب، فيما رُفضت طلبات كل من علي رافعي وديانا حلبي وكريم تامرجي وميراي مرهج.



«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

بالتضامن مع القضية الفلسطينية والاحتفاء بتكريم عدد من السينمائيين، انطلقت فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان «القاهرة للسينما الفرانكفونية»، الخميس، وتستمر فعالياته حتى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بعرض 75 فيلماً من 30 دولة فرانكفونية.

وشهد حفل الافتتاح تقديم فيلم قصير منفذ بالذكاء الاصطناعي، للتأكيد على أهمية تطويع التكنولوجيا والاستفادة منها في إطار تحكم العقل البشري بها، بجانب عرض راقص يمزج بين ألحان الموسيقار الفرنسي شارل أزنافور احتفالاً بمئويته، وموسيقى فريد الأطرش في ذكرى مرور 50 عاماً على رحيله.

وكرّم المهرجان المخرج المصري أحمد نادر جلال، والإعلامية المصرية سلمى الشماع، إلى جانب الممثلة إلهام شاهين التي تطرقت في كلمتها للتطور الذي يشهده المهرجان عاماً بعد الآخر، مشيدة بالأفلام التي يعرضها المهرجان كل عام من الدول الفرانكفونية.

وأكد رئيس المهرجان ياسر محب «دعم المهرجان للشعب الفلسطيني في الدورة الجديدة»، مشيراً إلى أن السينما ليست بمعزل عما يحدث في العالم من أحداث مختلفة.

وأوضح أنهم حرصوا على تقديم أفلام تعبر عن التغيرات الموجودة في الواقع الذي نعيشه على كافة المستويات، لافتاً إلى أن من بين الأفلام المعروضة أفلاماً تناقش الواقع السياسي.

جانب من الحضور في حفل الافتتاح (حساب إلهام شاهين على «فيسبوك»)

وشهد حفل الافتتاح كلمة للمستشار الثقافي للسفارة الفلسطينية بالقاهرة ناجي الناجي، أكد فيها على دور الفن في دعم القضية الفلسطينية، مشيداً بدور الأعمال الفنية المتنوعة في التعبير عن القضية الفلسطينية وعرض 14 فيلماً عنها ضمن فعاليات الدورة الجديدة للمهرجان.

وتضمن حفل الافتتاح رسالة دعم ومساندة للشعب اللبناني من خلال عرض الفيلم التسجيلي «ثالث الرحبانية» عن حياة وإبداعات الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، وحظي بتفاعل كبير من الحضور.

وقال المنتج الفلسطيني حسين القلا الذي يترأس مسابقة الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة لـ«الشرق الأوسط» إن «السينما ليست مجرد مشاهدة للأفلام فحسب، ولكن ربط بين الثقافات والحضارات المختلفة»، مشيراً إلى طغيان ما يحدث في غزة على كافة الفعاليات السينمائية.

ويترأس القلا لجنة التحكيم التي تضم في عضويتها الفنانة التونسية عائشة عطية، والفنان المصري تامر فرج الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المهرجان ليس منصة فقط لعرض الأفلام السينمائية للدول الفرانكفونية، ولكنه مساحة للتعبير عن المبادئ التي تجمع هذه الدول، والقائمة على المساواة والأخوة والسعي لتحقيق العدل، الأمر الذي ينعكس على اختيارات الأفلام».

وعدّ الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين، المهرجان «من الفعاليات السينمائية المهمة التي تهدف لتعزيز التبادل الثقافي مع 88 دولة حول العالم تنتمي للدول الفرانكفونية، الأمر الذي يعكس تنوعاً ثقافياً وسينمائياً كبيراً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المهرجان يركز على استقطاب وعروض أفلام متنوعة وليس (الشو الدعائي) الذي تلجأ إليه بعض المهرجانات الأخرى».

وعبر عن تفاؤله بالدورة الجديدة من المهرجان مع أسماء الأفلام المتميزة، والحرص على عرضها ومناقشتها ضمن الفعاليات التي تستهدف جانباً ثقافياً بشكل بارز ضمن الفعاليات المختلفة.