مخاوف في البصرة من عودة الاحتجاجات... وملاحقات للناشطين

رغم الهدوء النسبي الذي يخيّم على محافظة البصرة بعد موجة المظاهرات العاصفة التي اجتاحتها، وأدَّت إلى حرق كثير من مقرات الفصائل والأحزاب وبعض الأبنية الحكومية والقنصلية الإيرانية قبل ثلاثة أيام، فإن المخاوف ما زالت قائمة، لجهة إمكانية تجدد الاحتجاجات بمستويات أكثر حدة من قبل في حال لن تتمكن الحكومة من الإيفاء بالوعود التي قطعها، المتعلقة بتحسين أوضاع الخدمات وتوفير فرص عمل للعاطلين، أو لجهة الخشية من عمليات اعتقال ومطاردة للمتظاهرين، خصوصاً النشطاء البارزين منهم.
فعلى مستوى المخاوف من تجدد المظاهرات وعودة حالة الاضطراب في المحافظة، نشرت السفارة الأميركية في بغداد، أمس، تحذيراً أمنياً جديداً، دعت فيه موظفي قنصليتها في البصرة إلى تجنب التحرك هناك.
وقالت السفارة في بيان نشر على موقعها الرسمي إن «بعض الاحتجاجات في البصرة تحولت إلى العنف، مما أدى إلى مقتل وإصابة المتظاهرين وقوات الأمن، وإن موظفي حكومة الولايات المتحدة في البصرة عموماً يتجنبون التحرك في أي منطقة يمكن أن تحدث فيها مظاهرات، بما في ذلك منطقة الأعمال المركزية بالمحافظة».
أما على مستوى الخشية من ملاحقات قد يتعرض لها المتظاهرون، فيقول الناشط كاظم السهلاني: «نعم هناك خشية، ونتوقع حملة اعتقالات كبيرة تطال النشطاء البارزين». لكنه يرى في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «الأوضاع في البصرة لا تتحمل مضايقة الناشطين، كنا قد حذّرنا السلطات في وقت سابق، ونحذر اليوم السلطات والأحزاب والميليشيات من القيام بإجراءات كهذه، وندعوهم إلى الكف عن كيل الاتهامات الباطلة ضد المتظاهرين وتشويه سمعتهم».
ويؤكد السهلاني أن «الأوضاع في البصرة كانت هادئة في اليومين الأخيرين، وقررنا التوقف لفترة محدودة كي يتبين الخيط الأبيض من الأسود، خصوصاً بعد دخول أطراف حزبية على خط الاحتجاجات واستثمارها لتصفية حساباتها الخاصة فيما بينها، وسنعاود نشاطنا أن بقيت الأمور على حالها».
وكان رئيس ائتلاف «دولة القانون» نوري المالكي لَمّح، أمس، خلال لقائه مع سفير جمهورية روسيا الاتحادية لدى العراق، ماكسيم ماكسيموف، إلى إمكانية ملاحقة المتظاهرين، حين قال في بيان صادر عن مكتبه، إن «أحداث البصرة كانت مؤسفة، ولا يكفي أن توقف أعمال التخريب والحرق، بل يجب فتح تحقيق رسمي وشعبي لمعرفة من منح العصابات حرية الحركة والتخريب ولماذا، وما هي الأهداف الشريرة التي تقف خلفها».
بدوره، حذّر مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان مهدي التميمي في البصرة من إمكانية عودة الاحتجاجات بطريقة أكبر في حال لم تفِ الحكومة الاتحادية بتعهداتها، مستبعداً في الوقت ذاته تعرَّض النشاط إلى حملات مطاردة من قبل السلطات.
وقال التميمي لـ«الشرق الأوسط»: «الأمور هادئة في البصرة وهناك انتشار أمني كثيف وتم رفع حظر التجوال، التنسيقيات استجابت لمطالب إيقاف المظاهرات بهدف إعطاء فرصة للحكومتين المحلية والاتحادية لإصلاح الخلل ومعالجة المشكلات». ولم يستبعد التميمي تجدد التظاهرات، ويرى أن الأمر «مرتبط برئاسة الحكومة ومدى جديتها في الإيفاء بتعهداتها، وخلافاً لذلك ستعود الاحتجاجات بوتيرة أكبر ربما، الحكومة وعدَّت في تنفيذ مطالب البصرة بداية يوليو (تموز) الماضي، ثم عادت ووعدت أيضاً في أغسطس (آب) واليوم تقدم وعوداً جديدة في سبتمبر (أيلول) الحالي، لكن لم يصل أي شيء إلى البصرة حتى الآن، وإن لم تلتزم الحكومة بتعهداتها فسيدفع ذلك باتجاه الكارثة ربما».
وعن الحصيلة النهائية للقتلى والمصابين في المظاهرات التي جرت خلال شهر سبتمبر الحالي، أكَّد مهدي التميمي «سقوط 15 قتيلاً ونحو 250 جريحاً 62 منهم من العسكريين».
وفي موضوع ذي صلة بموضوع المياه الملوثة في البصرة وشحَّتها، أعلن المهندس الاستشاري ضياء مجيد وعضو وفد الخبراء الذين رافقوا وكيل المرجعية الدينية في النجف، أمس، عن المباشرة بالخطوات الأولى لإعادة تغذية البصرة بالمياه العذبة عبر قناة البدعة من نهر الغراف.
ونقل عنه في بيان صادر قوله إنه «وبعد التوجه إلى محطة (العباس) التي تزود المحافظة بالمياه، وجدنا أن المحطة تعاني من الإهمال الشديد، وتعمل بأقل من طاقتها الإنتاجية المقررة لها بما يتراوح بين 30 و50 في المائة، في أقصى حالاتها، فبعض المحطات كانت متوقفة لأسباب بسيطة جدّاً مثلاً عدم استبدال المرشحات»، مبيناً أن المشكلات التي تعرقل الحل السريع تكمن في 3 محاور هي «محطة العباس الناقلة للماء من مشروع البدعة تحتوي 32 مضخة عملاقة، عدد المضخات العاطلة التي لا يمكن إصلاحها 18 مضخة ويتطلب استبدالها، والباقي إما عاطل يمكن إصلاحه أو يعمل بأقل من طاقته، إلى جانب قلة الإطلاقات المائية الواصلة إلى قناة البدعة والتكسرات في شبكة الأنابيب الناقلة للمياه داخل المدينة». ووعد مجيد بحل مشكلة المياه في البصرة خلال فترة قياسية.
من جهة أخرى، دعا شيوخ ووجهاء شمال محافظة البصرة، أمس، المتظاهرين والقوات الأمنية إلى ضبط النفس والتزام الهدوء بما ينسجم مع التعاليم الإسلامية والقانونية، مستنكرين الاعتداء على المؤسسات الحكومية والمدارس ومقرات الحشد والهيئات الدبلوماسية. وطالب 12 شيخا ووجيها في وثيقة موقعة الشباب المتظاهرين بـ«الالتزام بالهدوء بما ينسجم مع التعاليم الإسلامية والقانونية». وأضافوا أن «المظاهرة في بداية الأمر كانت سلمية ونظيفة للمطالبة بحقوقهم الشرعية والواجبة على الدولة العراقية، لكن في الآونة الأخيرة حرقت مؤسسات الدولة والمدارس الأهلية ومقار الحشد الشعبي والهيئات الدبلوماسية وهذا خلاف الشرع والقانون».
وخرج سكّان البصرة أمس إلى شوارعها واستعادت نشاطها مجدّدا. وقال فائق عبد الكريم (44 عاماً)، وهو صاحب استوديو لتصوير الأعراس على جانب طريق تمرّ في وسط مدينة البصرة، لوكالة الصحافة الفرنسية «بعد أسبوع مليء بالنار والغضب، عادت الأمور إلى ما كانت عليه، الحمد لله».
وعلى مقربة منه، وفي السوق التي يبيع فيها البيض يومياً على بسطته، عاد فالح مانع (50 عاماً) ليلاقي زبائنه. يؤكّد هذا الرجل بجلابيّته البيضاء بلون شعره أن «اليوم الحياة طبيعيّة جداً، اليوم عادت السوق إلى نشاطها، حتى حركة السيارات عادت هي أيضاً». أمّا محمّد شاكر (30 عاماً) فيقول إنه دأب مع آخرين منذ بداية يوليو على تنظيم مظاهرات ضد الفساد الذي أوصل المحافظة الغنية بالنفط إلى أزمة اجتماعية وصحّية غير مسبوقة، لكنّه قرّر أول من أمس، مع المنسّقين الآخرين للمظاهرات، تعليق هذه التظاهرات نأياً بالنفس عن أعمال العنف التي رافقتها. لكن الناشط الشّاب يؤكد أن تعليق التظاهرات لا يعني انتهاء الحراك. ويوضح أنّ «المتظاهرين حقّقوا الكثير. تمكّنوا من خلق وعي جماهيري، وبثّ النَفَس الشجاع في مجابهة الفساد وجهاً لوجه».