السعودية والقطيعة مع الأصولية الانقلابية

محاكمات تاريخية لخلايا مرتبطة بجماعات إرهابية

جانب من محاكمات المتهمين في قضايا الانتماء إلى الإخوان في مصر («الشرق الأوسط»)
جانب من محاكمات المتهمين في قضايا الانتماء إلى الإخوان في مصر («الشرق الأوسط»)
TT

السعودية والقطيعة مع الأصولية الانقلابية

جانب من محاكمات المتهمين في قضايا الانتماء إلى الإخوان في مصر («الشرق الأوسط»)
جانب من محاكمات المتهمين في قضايا الانتماء إلى الإخوان في مصر («الشرق الأوسط»)

«لا يكرهه إلا من يكره الدين» بهذه العبارة ذات النفس التكفيري علق علي القرة داغي الأمين العام لما يسمى «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» المنظمة الإخوانية التي ترعاها قطر ويرأسها القرضاوي ؛ على محاكمة داعية سعودي يعمل في المنظمة نفسها التي اعتادت على مهاجمة كل الحكومات العربية والإسلامية وعلى رأسها السعودية قبلة المسلمين، لمواقف سياسية ومنها «مقاطعة قطر» التي اعتبرها أحد فقهاء المنظمة، أحمد الريسوني، شبيها بحصار كفار قريش للرسول الكريم، واللافت أن الانتماء لهذه المنظمة التحريضية والانقلابية ضد استقرار الدول وسيادتها كانت واحدة من التهم الكثيرة التي ساقتها النيابة العامة للمحاكمة تجاه الداعية السعودي، التي عقدت يوم الأربعاء ضمن دعاوى كثيرة تندرج تحت لافتة عريضة وهي تقويض استقرار الدول وتهديد أمنها والانتماء إلى تنظيمات إرهابية كالإخوان المسلمين ودعم مشروعات انقلابية للشباب الخليجي تحت اسم «التغيير».

أنشطة أخرى تصاعدت بعد لحظة الربيع العربي التي استثمرها الإسلام السياسي والأصولية المتطرفة برعاية دول في المنطقة للانقضاض على سلم الأوطان في لحظة تاريخية مفارقة، لكن السؤال كيف بدأت القصة؟ وهو سؤال جوهري في محاكمة التاريخ الممتد لهذه الظاهرة، بينما يجب على العقلاء انتظار المحاكمة التي ما زالت جلساتها قائمة، وهو الموقف الذي يعد جزءا من ثقافة احترام القانون الذي أهمله المناصرون للداعية من قنوات إعلامية كالجزيرة القطرية وتوابعها وبعض القنوات الأجنبية بنسختها العربية وصولاً إلى بعض أفراد أسرة الداعية حيث أصبح ابنه يطلق تصريحات تحريضية كان من أشنعها تشبيه المحاكمة بأنها جزء من إدارة «التوحش الداعشي».
تضرب الحكاية بجذورها إلى ما قبل ثلاثة عقود تقريباً حين قرر الحركيون ودعاة الإسلام السياسي من المنضوين تحت الإخوان المسلمين أو التيار السروري، النسخة الثورية منه، الانفصال عن الفاعلين الدينيين في السعودية والخليج ومنهم كبار العلماء في السعودية لإعلان أكبر حركة انشقاق شهدتها الصحوة الدينية لتكشف عن وجه انقلابي آخر ومشروعات مبطنة لأهدافها السياسية من عودة الخلافة وإنشاء دولة دينية ثيوقراطية تحاكي تجربة ملالي طهران الحاضرة في ذهنية الإسلام السياسي السني منذ سقوط الخلافة، وكانت بوادر هذا الانقلاب الحركي معارضة الاستعانة بقوات أجنبية في حرب صدام على الكويت واعتبار ذلك مناقضاً للإسلام في جوهره إضافة إلى رسم تصورات تغذيها نظرية المؤامرة المهيمنة بأنها حرب صليبية تقودها الولايات المتحدة للاستقرار في المنطقة واحتلالها، والمفارقة أن القوات استقرت أخيراً في قطر الحضن الوادع للإسلام السياسي الثوري دون اعتراض يذكر ولو تلميحاً من تلك الأصوات التي ساهمت في تثوير الفضاء الديني العام وتجنيد الشباب نحو الصدامية تحت شعارات دينية ساهمت بدورها في تنشيط مفاعيل التنظيمات المسلحة كـ«القاعدة» ثم «داعش» لاحقاً.
وحين وضعت الحرب في الخليج أوزارها وعادت الكويت إلى الخليج بفضل وقفة تاريخية من السعودية وقرار ما زال الخليجيون ينعمون بوارف حكمته حتى اليوم، خاضت هذه التيارات المسيسة معركة الداخل عبر استغلال أجواء التحريض المستمرة التي كانوا يغذونها كل مرة بمواقف سياسية كتقديم وثائق علنية للتغيير السياسي ومناكفة الدولة، وصولاً إلى الحدث الذي قاده الداعية الذي يخضع للمحاكمة اليوم إلى ما عرف آنذاك بثورة «بريدة»، حيث قام مجموعة كبيرة من الشبان بتطويق مبنى الإمارة وتوثيق وتسجيل ذلك بالفيديو مشفوعاً بأناشيد ثورية صاخبة وحين قبض على الداعية مع آخرين ممن يخضعون اليوم للإيقاف مجدداً والمحاكمة، كان توصيف كبار العلماء في السعودية للحدث بأنه خروج على الدولة وأمنها وإفساد في الأرض من قبيل الحرابة، لكنهم قضوا سنوات في السجن قبل أن يخرجوا مجدداً ويعود بعضهم إلى الصدارة واستغلال المنصات الإعلامية الفضائية بلغة بدت معتدلة دينياً على مستوى الخيارات الفقهية مما ساهم في تعاطف كثيرين، لكن بمضامين سياسية مبطنة سرعان ما انفجرت مع لحظة الثورة الثانية «الربيع العربي» الذي داعب مخيلة الإسلاميين في المنطقة، خصوصاً بعد وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في البلد الأم مصر، ورغبة رموز هذا التيار في الخليج في تكرار التجربة.
استمر التحريض الإخواني في الخليج منذ لحظة الربيع العربي وإلى أن قررت القيادة السعودية الجديدة إعلان القطيعة مع هذا التيار الذي كشف عن أنياب الانقلاب وتهديد المجتمعات وتم تصنيفه جماعة إخوانية عقب انكشاف مشروع أكبر تقوده قطر ومعها إيران وتركيا في المنطقة لاستعادة لحظة الربيع العربي وضخت الدوحة أموالها في إنشاء منصات إعلامية ومشروعات شبابية بلافتات تطويرية وتدريبية للشباب وببرامج ومضامين سياسية ثورية يشرف عليها للمفارقة، عزمي بشارة، عضو الكنيست السابق الذي كان يبشر بالعلمانية بينما أصبح حاضن قيادات الإخوان في الخليج ومصر في البرامج السياسية، بينما شكل القرضاوي مرجعية دينية إخوانية ورئيساً لمنظمة «علماء المسلمين» التي كانت مشروعاً بديلاً للمؤسسات الدينية الرسمية في المنطقة التي أدرك الإخوان أنها عصية على الاختراق بفضل هيئة كبار العلماء السعودية والأزهر في مصر، وهو ما أدركه الفقيه الكبير الشيخ عبد الله بن بيه الذي انسحب من المنظمة ليتم تعيين داعية سعودي نائباً للقرضاوي ومستمراً في عضويتها حتى بعد المقاطعة تجاه قطر التي بدورها قامت بتصعيد مواقفها بمنصاتها الإعلامية تجاه السعودية ومصر والإمارات واستثمار أي مناسبة لتثوير الرأي العام، كان آخرها الدعوة الآثمة تجاه شعيرة الحج والمطالبة بالتدويل.
تم من قبل أمن الدولة السعودي السيطرة على خيوط المشروع الإخواني القطري ليتم القبض لاحقاً على الشخصيات المنضوية تحته بعد ثبوت وثائق وتحويلات مالية وتسجيلات، فضلا عن المواقف المعلنة عبر منصات التواصل للموقوفين، بينما اتهم داعية متخصص في الشأن الشبابي من الموقوفين بالسفر إلى كتائب القسام والنشاط في المخيمات السورية وحيازته سلاحا رشاشا من نوع كلاشنيكوف، وعددا من الطلقات الحية وهي قضايا يجرمها ويعاقب عليها القضاء في المملكة.
انتفض الأتباع والمناصرون مطالبين بالمحاكمة ومناهضين للاعتقال ووصفه بالتعسفي وتأليب منظمات حقوق الإنسان، ونجد اليوم أن المطالبين بالأمس يرفضون اليوم المحاكمة ويخوضون غمار الحديث عنها منذ لحظة البداية على الرغم من إجراءاتها القانونية بحضور ممثلين من وسائل الإعلام وهيئة حقوق الإنسان، ورصد الصحف المحلية لوقائع الجلسة التي اشتملت على لائحة الاتهامات المكونة من 30 تهمة منها إثارة الفتنة وزعزعة الأمن ومناهضة الدولة والخروج على ولاة الأمر وتغيير الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية والعمل على تحقيق تلك الأهداف داخل المملكة وخارجها، من خلال استقطاب فئة الشباب وتدريبهم تحت غطاء الأنشطة الشبابية، إضافة إلى إنشاء قنوات فضائية ومشروعات على الأرض منها مقاه للشباب للتجمع، وهي تهم توزعت بين موقوفين من دعاة وناشطين في هذا التيار الذي يجب اليوم وغداً محاكمة تاريخه وليس شخوصه فحسب، إذ إن الذين لا يقرأون التاريخ محكومون بتكراره.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».