اليمين الألماني المتطرف خطر متصاعد

تعززه حماسة أميركية للتشدد

مظاهرات اليمين المتطرف في كيمنتس الألمانية («الشرق الأوسط»)
مظاهرات اليمين المتطرف في كيمنتس الألمانية («الشرق الأوسط»)
TT

اليمين الألماني المتطرف خطر متصاعد

مظاهرات اليمين المتطرف في كيمنتس الألمانية («الشرق الأوسط»)
مظاهرات اليمين المتطرف في كيمنتس الألمانية («الشرق الأوسط»)

ما نشهده في الداخل الألماني من نماذج الأصولية النازية الألمانية، إن جاز لنا أن نطلق هذا التوصيف، خطر ومهدد كبير على بقية الدول الأوروبية... وثمة من يرى أن الأصوات الأميركية المتطرفة لدعم هذا التيار الألماني - الأوروبي، سيعيد سيرة التطرف النازي في النصف الأول من القرن العشرين، زمن الفوهرر أدولف هتلر ورفاقه.
الكثير من التساؤلات الجدية والجذرية باتت مطروحة على ساحة ومائدة النقاش، ولا سيما بعد ما جرى الأيام القليلة الفائتة في مدينة كيمنتس الألمانية، حيث نزل إلى الشوارع آلاف عدة من مواطنيها، ملوحين بالأعلام الألمانية ومؤدين التحية النازية، وهي خطوة يعاقب عليها القانون الألماني بالحبس، ومطاردين للمارة من أصحاب البشرة الداكنة، ورغم ذلك وقف رجال الشرطة عاجزين عن التدخل في المشهد لقلة عددهم، وخوفاً من الاشتباك معهم.
لعل الكارثة في مشهد «التطرف الألماني» الجديد، هو أن المتطرفين من «النازيين الجدد»، يوشكون أن يغيروا من شكل الخريطة السياسية للبلاد، بمطالبتهم بإسقاط النظام الألماني الحالي، الذي يصفونه بأنه «فاشل»، ويزعمون أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قد فقدت السيطرة على الموقف، وإن جُلّ ما تحاول القيام به هو السيطرة على ردود الفعل المناهضة للمهاجرين، التي لم تكن معلنة من قبل.
في ضوء هذا، ثمة من يتخوف من عودة ألمانيا التي عرفت جيداً أكلاف التطرف النازي من قبل في الطريق ثانية إلى إعادة سيرتها الأولى.
بحسب عدد من المحللين السياسيين، تمثل مواجهة هذا اليمين المتطرف اختباراً لسلطة الدولة، التي باتت الديمقراطية فيها في محنة هي الأولى من نوعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى أيامنا؛ ولهذا كان من الطبيعي أن تصرح عمدة المدينة، والمنتسبة إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي الاشتراكي، بربارا لودفيغ «بأنهم يهاجمون دولتنا الديمقراطية بأسلوب لم يفعلوه من قبل... لا بد أن نجتاز هذا الاختبار».
ويحتاج المشهد الألماني إلى علماء النفس الاجتماعي قبل المحللين السياسيين لشرحه وتحليله؛ ذلك أن التذرع بأن المهاجرين قد اختصموا من الأوضاع الاقتصادية للبلاد غير حقيقي، ولا سيما أن الاقتصاد الألماني صاعد إلى أعلى عليين في السماء، بل إن الأيدي العاملة من المهاجرين، قد أضافت بالإيجاب للناتج القومي الإجمالي الألماني، وهذا ما يعمّق الأزمة ويضعها في إطار صحوة الأصوليات الأوروبية الضارة.
يمكن القطع بأن «حزب البديل من أجل ألمانيا» شكّل النواة التي تستقطب إليها بقية الأصوات التي لديها ميول قومية وشوفينية ساكنة تحت الجلد الألماني، ولا تزال تؤمن بشعارات هتلر عن الجنس الآري، وألمانيا فوق الجميع.
والمعروف أن «حزب البديل من أجل ألمانيا» قد حصل على 27 في المائة في ولاية ساكسونيا الشرقية، حيث توجد مدينة كيمنتس، وذلك خلال الانتخابات الوطنية في العام الماضي، وبمقتضى ذلك النجاح تمكن نشطاء اليمين المتطرف من توجيه مخاوف وغضب الناخبين باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وكذا تعبئة الحشود.
يلفت النظر هنا أمر ما، ذلك أن حزب البديل هذا يحاول جاهداً أن يرسم لنفسه إطاراً خارج حدود التطرف النازي، ويؤكد أن لا صلة له بتلك المجموعات، غير أن أحداث كيمنتس الأخيرة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك علاقة تكافلية ما بين النازيين الجدد وبين حزب البديل من أجل ألمانيا.
ولم يكن الأمر ليفوت على السياسيين الألمان المحنكين؛ ولهذا دعا نائب رئيس البرلمان الألماني - هيئة حماية الدستور - للبحث في العلاقة بين النازيين الجدد وحزب البديل الشعبوى.
وفى تصريحاته له يؤكد توماس أوبرمان، على أن قضية اللاجئين تحدث انقساماً في المجتمع الألماني، بينما حزب البديل يلعب وبتطرف مطرد على هذه الموجة؛ ما يعني نقله للأزمة إلى الشارع، موضحاً أن «دولة القانون لا يمكن أن تتسامح مع هذا العنف في الشوارع، وبخاصة في ظل مسحته العنصرية تلك، ويجب أن ترد على ذلك بكل صرامة».
الذين تعي ذاكرتهم مشاهد ما حدث في ألمانيا قبل نحو ثلاثة عقود يتذكرون جيداً أن تلك المظاهرات والمسيرات نظمت من أجل القانون والنظام والديمقراطية وحرية التعبير، ورفضاً للشيوعية، التي كانت جاثمة على صدر ألمانيا الشرقية بنوع خاص، ناهيك عن بقية دول أوروبا الشرقية، الواقعة تحت نفوذ الستار الحديدي للاتحاد السوفياتي، لكن الذي يتطلع إليه «النازيون الجدد»، هو شيء مغاير تماماً إنهم يسعون، والحديث لعمدة مدينة كيمنتس، إلى تقويض مؤسسات الدولة، وإثارة ديماجوجية خطيرة بين صفوف الألمان بسبب جريمة قتل شاب ألماني.
في هذا السياق، يتأمل المرء شعارات مسيرات اليمين القومي تهتف بصوت مرتفع «ميركل ارحلي» و«نحن الشعب»، وكأنها رجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر للماضي الذي كان.
ألمانيا كانت ولا تزال قاطرة أوروبا، وهي القوة الضاغطة اليوم اقتصادياً، وتكاد تضحى آيديولوجيا أيضاً، ولهذا فإن أي تغيير سياسي يشملها لا بد أن يرتد على بقية الدول الأوروبية، إما برداً أو سلاماً، أو صيفاً قائظاً تتلظى شعوب أوروبا من سعيره إذا كان متطرفاً.
فى هذا الإطار، فإن دولاً عدة في القارة الأوروبية، والتي تعاني من زلزال قوى يكاد يذهب بفكرة الاتحاد الأوروبي بعيداً، تنظر لتطورات المشهد اليميني الأصولي المتطرف في الداخل الألماني، وتحاول استقراء الأمر بالنسبة لها، وفرنسا، وهولندا وإيطاليا في المقدمة، بل باتت الدول الإسكندنافية، التي كانت تاريخياً بعيدة عن أفكار التشدد الأصولي الأوروبي، مثل السويد في قلب دائرة الخطر.
تخوف الأوروبيين من النمو غير المحمود للتطرف الألماني، طرح علامة استفهام مثيرة بدورها حول انتخابات البرلمان الأوروبي في شهر مايو (أيار) من العام المقبل (2019). وهل سيسيطر نواب اليمين على هذا البرلمان، وما التبعات والاستحقاقات لمثل هذا التطور؟
علامة الاستفهام شاغلت وشاغبت فكر بيير هاسكي، رئيس منظمة «مراسلون بلا حدود»، الذي كتب عبر مجلة «نوفال أوبسرفاتور» يقول «إن الانتخابات القادمة لأعضاء البرلمان الأوروبي ستكون في قلب الخطابات ونشاطات الشعبويين والقوميين؛ بهدف توجيه ضربة انتخابات قوية ولإخضاع هذه المؤسسة الديمقراطية في القارة لتوجهاتهم واعتبارها رهينة في أيديهم».
حديث هاسكي، في واقع الأمر، يضعنا أمام حقائق عدة للمد اليميني الأوروبي المتأثر، ولا شك بالمقدمة الألمانية الطاغية؛ ففي المجر ترى فيكتور أوروبان، رئيس وزرائها، الرجل المعروف بعدائه للتوجهات الأوروبية الليبرالية، وعلى ساحل البحر الأبيض المتوسط يمكنك أن تلاحظ وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، رمزاً من رموز اليمين المتطرف، وكان كلاهما قد أعلن على طريقته الخاصة، انطلاق حملة الترشيح للانتخابات البرلمانية الأوروبية، التي ستكون ساخنة ومرتكزة على المخاوف التي تقلق القارة الأوروبية.
واضح أنه لا وجود لوحدة بين قوى اليمين المتطرف؛ فكل جماعة لديها توجهاتها السياسية، لكن تجمعها حاضنة واحدة تتمثل في كراهية المهاجرين الجدد، واعتبار مسألة «أسلمة أوروبا» مسألة حياة أو موت، ومن هنا تأتي إشكالية رفض إدماج الإسلام والمسلمين، بنداً من بنود اليمين الأوروبي والنازي بنوع خاص، وهناك على الأرض ومن أسف شديد من الأوروبيين، والأكثر سوءاً من الأميركيين، من يسكب الزيت على النار.
وبالتالي، يبدو أننا أمام رافدين كلاهما أسوأ من صاحبه: الأول أوروبي ويتمثل في طبقة الكتاب والمفكرين المثيرين للجدل والمعروفين بآرائهم الشديدة التطرف والعنصرية، والآخر أميركي يغني فيه الحال عن السؤال.
من عينة الجماعة الأولى نجد الكاتب الألماني تيلو زاراتسين، الذي أصدر الأيام الفائتة كتابه الجديد «استيلاء عدواني»، والذي يتضمن آراء مثيرة للجدل عن المسلمين ووجودهم في ألمانيا.
ويعمّق زاراتسين الشرخ مع الأجيال الألمانية عندما يشير إلى أن الأجيال القادمة من المسلمين ستكون أقل تعليماً في المتوسط، ولن تحقق الكثير من النجاح الاقتصادي، وستزداد بينها نسبة الجريمة بشكل مفرط، إضافة إلى أنها لن تكون متفتحة كثيراً على الديمقراطية والمساواة بين الجنسين.
ويخلص المؤلف إلى أن اختلاف المسلمين المصبوغ بصبغة دينية وثقافية وتزايد أعداد المواليد عوامل تهدد المجتمع المفتوح والديمقراطية والرخاء، ويطالب بضبط هجرة المسلمين إلى ألمانيا بشكل صارم.
أما الرافد الأميركي الذي أشرنا إليه، فيتصل بشخص مثل ستيف بانون، الذي عمل سابقاً كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترمب. بانون ترك الولايات المتحدة الأشهر الماضية، وتوجه إلى أوروبا، أما هدفه فهو إنشاء مؤسسة في أوروبا تهدف إلى إطلاق «ثورة» شعبوية يمينية في القارة، والعهدة هنا على موقع «دايلي بيست» الأميركي.
بانون، وبحسب تصريحاته، ينوي أن تكون الانتخابات الأوروبية المقررة في 2019 أولى الاستحقاقات لمؤسسته التي سيتخذ من بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، مقراً رئيسياً لها، وسوف يطلق عليها اسم «الحركة». أما ما ستقوم به «الحركة»، فهو تزويد شخصيات سياسية يمينية لا تحظى بالضرورة بدعم منظمات فاعلة باستطلاعات واستشارات وأفكار ومقترحات.
وبحسب مجلة «بوليتيكو» الأميركية، فإن بانون التقى في مقر إقامته بالسياسي الفرنسي اليميني لويس آليوت، شريك ورفيق مارين لوبن زعيمة اليمين في فرنسا، ونايجل فاراج، مهندس حركة الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والزعيم السابق لـ«حزب استقلال بريطانيا»، ويحتاج الحديث عن دور بانون في أوروبا لإذكاء صحوة اليمين الأصولي المتطرف إلى قراءة قائمة بذاتها.
مقابل ما يحصل، هناك بالفعل حالة من الرفض الجاد لمثل هذا التوجه غير الخلاق؛ فقد أطلقت زعيمة الحزب اليساري الألماني ساره فاغنكنشت حركة «انهضوا» رسمياً في برلين رداً على نجاحات اليمين الشعبوي، وفي تصريحات لها حذرت من التطورات الحالية قائلة «لدينا في ألمانيا أزمة ديمقراطية، والجميع يشعر بأنه لم يعد ممثلاً، ولا نريد أن نبقى متفرجين بعد الآن، نريد تغيير شيء ما».
خطوة فاغنكنشت لاقت قبولاً من الكثير من رموز الحياة السياسية الألمانية، وكان أفضل المواقف التي رصدناها من الداخل الألماني كانت من نصيب وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، خلال مقابلة معه أجرتها صحيفة «بيلد إم سونتاغ» الألمانية، حيث ذهب إلى حد تقريع مواطني ألمانيا باتهامهم بـ«الكسل في الكفاح من أجل تثبيت الديمقراطية ومحاربة العنصرية»، معتبراً أنه «من المهم النهوض عن الأريكة وفتح الفم بوجه ما يجري».
الخلاصة، لن تكون المعركة مع اليمين الأوروبي ولا النازيين الجدد الألمان يسيرة، لكن الفوز فيها معقود بناصية الجماهير الأوروبية، وعليها أن تختار، العودة إلى الماضي بإرثه السيئ، أم تجاوز حزازات الصدور إلى فرح اللقاء مع الآخر.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».