هل أصبحت تونس «بر أمان» الصحافيين الليبيين؟

هل أصبحت تونس «بر أمان» الصحافيين الليبيين؟
TT

هل أصبحت تونس «بر أمان» الصحافيين الليبيين؟

هل أصبحت تونس «بر أمان» الصحافيين الليبيين؟

يستعد مكتب شبكة «مراسلون بلا حدود» في تونس، لتنظيم دورة تدريبية للصحافيين الليبيين حول «تقنيات الأمن والسلامة النفسية والجسدية»، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها هذه الشبكة عن دورات تدريبية لفائدة إعلاميين وصحافيين ليبيين منذ الإطاحة سنة 2011 بنظام القذافي.
من المنتظر أن تمتد الدورة ثلاثة أيام من 15 إلى 17 سبتمبر (أيلول) الحالي، وهي مفتوحة أمام الصحافيين الليبيين الشبان واشترطت تغطية الاحتجاجات والاشتباكات المسلحة للمشاركة. وستمكّن الصحافيين الليبيين من التدرب على تقييم مخاطر تغطية الأحداث الإرهابية ومناطق النزاع وعلى كيفية التحضير للذهاب في مهمة في منطقة نزاع والحفاظ على سلامتهم في أثناء المهمة، إضافة إلى التدرب على أساسيات السلامة الرقمية.
وفي شهر يوليو (تموز) من سنة 2017، انطلق في تونس حوار لتعزيز التضامن المهني بين الصحافيين في ليبيا برعاية الاتحاد الدولي للصحافيين واتحاد الصحافيين العرب ومنظمة اليونسيف. وحضر عدد مهم من الصحافيين والإعلاميين الليبيين بمشاركة ناجي الشريف مستشار الشؤون النقابية بالاتحاد العام لنقابات عمال ليبيا، ونصر المهدوي رئيس النقابة العامة للإعلاميين الرياضيين، وناجي هلال منسق النقابة العامة في منطقة أجدابيا - الواحات - الكفرة.
وتحدث العديد من المشاركين في ذلك الاجتماع حول معاناة الصحافيين والمشكلات والعراقيل التي تعيق تأدية عملهم ووضع الضوابط لمعالجة الخروقات والتجاوزات في ما يتعلق بأداء المهام والواجبات وتمكينهم من أداء رسالتهم الإعلامية.
وبشأن أهمية هذه الدورة التدريبية التي تنتظم لفائدة صحافيين ليبيين في تونس، قال محمود الذوادي رئيس مركز حرية الصحافة في تونس (مركز مستقل لمراقبة وضع حرية الصحافة)، لـ«الشرق الأوسط»، إن علاقات وطيدة تربط بين الصحافيين التونسيين والليبيين، خصوصاً إثر نجاح ثورتي 2011 في كلا البلدين. واعتبر أن الاستقرار السياسي النسبي في تونس، ونجاح تجربة التداول السلمي على السلطة، وتنظيم محطتين انتخابيتين، وتجاوز العراقيل التقليدية في إنجاز العمل الصحافي، تفتح أمام تونس إمكانية تقديم تجربتها في هذا المجال، وهي تجربة غير ملزمة التطبيق بحذافيرها، ولكن من الضروري تكييفها مع الواقع الليبي.
وتوقع أن تعرف هذه الدورة التدريبية النجاح، لاعتمادها على جانب مهم من تجارب أجهزة الإعلام التونسية والدولية في تغطية الأحداث في مناطق النزاع وبؤر التوتر، وهي خلاصة تجارب طويلة في التعامل مع أسباب التضييق على حرية الإعلام والصحافة.
وفي تقييمها للوضع في ليبيا، اعتبرت اللجنة الليبية لحقوق الإنسان أن وضع سلامة الصحافيين في ليبيا لا يزال دراماتيكياً بسبب الهجمات المتتالية التي تطالهم، وقالت إن أكثر من 266 انتهاكاً واعتداءً طالت العشرات من الصحافيين ووسائل الإعلام بمختلف المدن الليبية وعلى رأسها بنغازي وطرابلس وسبها وسرت وذلك خلال الفترة المتراوحة بين 2012 و2015، وأكدت مقتل 20 صحافياً خلال السنوات الأربع الماضية، وتعرُّض 22 صحافياً لمحاولات الشروع في القتل، و40 حالة اختطاف وتعذيب واعتقال تعسفي وإخفاء قسري تعرض لها الصحافيون، و84 حالة تهديد ومنع من مزاولة العمل تعرض لها الصحافيون أغلبها خلال العامين الماضيين، و100 حالة اعتداء جسيم على وسائل إعلامية بعموم ليبيا.
وفي السياق ذاته، رصدت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، المنظمة الحقوقية الدولية، خلال تقرير لها وجود 91 حالة انتهاك على الأقل في ليبيا توزعت بين التهديدات والاعتداءات ضد الصحافيين، وبلغ بعضها حد القتل، وذلك خلال الفترة الممتدة من منتصف 2012 حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2014.
ووثق تقرير نشرته المنظمة نفسها تنفيذ 26 هجمة مسلحة ضد مكاتب محطات تلفزيون وإذاعة في ليبيا، وبيّن أن «الجماعات المسلحة في ليبيا عملت على معاقبة الصحافيين ووسائل الإعلام على خلفية إعداد تقارير أو الالتزام برأي يخالف أجندات هذه الجماعات».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.