وسائل علمية لرصد مواقع مقابر تاريخية مجهولة

علماء الآثار يأملون في حل ألغاز مصرية

 المسح الراداري دحض نظرية وجود مقبرة نفرتيتي داخل ممرات في مقبرة توت عنخ آمون
المسح الراداري دحض نظرية وجود مقبرة نفرتيتي داخل ممرات في مقبرة توت عنخ آمون
TT

وسائل علمية لرصد مواقع مقابر تاريخية مجهولة

 المسح الراداري دحض نظرية وجود مقبرة نفرتيتي داخل ممرات في مقبرة توت عنخ آمون
المسح الراداري دحض نظرية وجود مقبرة نفرتيتي داخل ممرات في مقبرة توت عنخ آمون

تحول تابوت مغلق أسفل منزل تم هدمه في مدينة الإسكندرية المصرية، إلى حديث العالم خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، بعد أن توقعت تقارير أن يكون التابوت خاص بالإسكندر الأكبر. وبعد انتظار استمر طيلة أسبوعين، أعلنت وزارة الآثار أنه «عثر بالتابوت على ثلاث جماجم بشرية، وأن مياه الصرف الصحي تسللت للتابوت، فاختلطت بمواد الدفن، فتحولت إلى لون أحمر»، لتطفئ بذلك أملا طالما انتظره علماء الآثار.
- مقبرة الإسكندر الأكبر
والإسكندر الأكبر ليس وحده الذي لا تزال مقبرته مجهولة، لكن هناك الكثير من الحالات التي تمثل لغزا يعول الآثاريون آمالا عريضة على تقدم الوسائل العلمية لكي تقود للعثور على هذه المقابر، مثلما قادت إلى تحديد هوية مومياوات ملكية كانت توصف بأنها مجهولة الهوية.
ويتبنى عالم الآثار المصري، زاهي حواس نظرية أن مقبرة الإسكندر الأكبر توجد في مدينة الإسكندرية القديمة، وأن العثور عليها لن يأتي إلا عن طريق الصدفة، مثلما اكتشفت كل آثار الإسكندرية بالصدفة.
ورغم أن أغلب آثار الإسكندرية اكتشفت عن طريق الصدفة، مثلما ذهب حواس، فإن بسام الشماع، الكاتب في علم المصريات، يرفض الانتظار، معولا آمالا كبيرة على العلم، الذي حل كثيرا من ألغاز الحضارة المصرية، متسائلا: لماذا لا نعول عليه في هذه القضية أيضا؟
يقول الشماع لـ«الشرق الأوسط»: خرائط الإسكندرية القديمة تشير إلى منطقة تسمى «سوما»، وهي تلك التي ذهب مؤرخون قدامى إلى أن مقبرة الإسكندر توجد بها، وبالتالي فإن البحث عن المقبرة يبدأ من تحديد تلك المنطقة.
ويضيف: «إذا حددنا تلك المنطقة نستطيع باستخدام أجهزة الاستشعار ذات التقنيات العالية، الكشف أسفل المباني حتى عمق يصل إلى 20 مترا، فإذا ما وجدنا ما يوحي بأن هناك مقبرة نستطيع إزالة المبنى وتعويض صاحبه، لأن اكتشاف مقبرة الإسكندر الأكبر أمر يستحق التضحية، وسيصحبه اهتمام عالمي غير مسبوق».
ما يطرحه الشماع، وإن كان يستند فيه إلى دليل علمي من خريطة الإسكندرية القديمة، قد يصطدم بآراء معارضة تقول إن الحكومات المصرية السابقة سمحت لكثيرين ممن قدموا نظريات علمية عن مكان المقبرة بالتنقيب، لكن لم تثمر محاولاتهم عن أي نتيجة، ومنهم مدرس تاريخ يدعى صلاح محمد على حصل عام 1972 على تصريح بالبحث عن القبر بالقرب من زاوية «ذي القرنين» بمنطقة اللبان بالقرب من شارع الفراهدة، بعد أن قدم بحثا كبيرا سجله تحت عنوان «هنا قبر الإسكندر» لكنه لم يصل إلى شيء في النهاية. كما سمحت الحكومة في التسعينات لعالمة آثار يونانية تدعى «ليانا سوفالتزي» بالتنقيب في واحة سيوة عن المقبرة.
وكانت هذه العالمة قد تبنت رأيا مختلفا، وهو أن المقبرة لا توجد في الإسكندرية، وبدأت حفرياتها في سيوة، لكن مع الوقت وجدت عدم الاهتمام من المجتمع الأثري، بل وطالتها الاتهامات، منها نسبها لنفسها درجات علمية غير حقيقية، فغادرت مصر من دون أن تحقق أي نتيجة.
إلا أن الشماع يرى أن من حق كل صاحب نظرية أن يعطى الفرصة لإثبات صدقها، طالما أنها تستند إلى أساس علمي، مثلما منح عالم الآثار البريطاني نيكولاس ريفز الفرصة لإثبات نظريته حول وجود مقبرة نفرتيتي وراء جدران مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك بالأقصر.
- مقابر مجهولة
مقبرة نفرتيتي، إحدى أهم المقابر المجهولة في مصر القديمة، والتي اهتم العلماء على مر التاريخ بالعثور عليها دون جدوى إلى الآن، وكان عالم الآثار البريطاني والأستاذ بجامعة أريزونا، يقول إن لديه دليلا على أنها قد تكون قد دُفِنت خلف واحد من بين ممرين سريين داخل قبر الملك توت عنخ آمون.
واستند ريفز في نظريته التي تم إثبات فشلها، إلى صور لمقبرة توت عنخ آمون نشرتها مؤسسة «فاكتوم آرتي»، المعنية بربط التكنولوجيا الحديثة بالمهن اليدوية من أجل حفظ التراث الثقافي، ولها مقار في لندن ومدريد وميلانو، حيث زعم أن ترجمة المظهر الرقمي للصور إلى واقع، يظهر وجود ممرين سريين غير معروفين من قبل داخل قبر توت عنخ آمون، ربما يقودان إلى غرفة دفن الملكة نفرتيتي.
ولم تصمد هذه النظرية طويلا، فقد تم نسفها من خلال بعثة تنقيب من جامعة البوليتكنيك الإيطالية، والتي قامت بإجراء عملية مسح راداري، كشف عن عدم وجود ردهات سرية خلف جدران مقبرة توت عنخ آمون.
وإذا كانت نظرية ريفز قد تم دحضها سريعا، فإن بعثة أثرية من الدومينيكان منحت وقتا طويلا للعمل بمنطقة أبو صوير في الإسكندرية، لتبنيها نظرية أن مقبرة الملكة كليوباترا السابعة توجد هناك. والملكة كليوباترا الشهيرة مثلها مثل الإسكندر الأكبر ونفرتيتي من أصحاب المقابر المجهولة، ويرى العديد من الأثريين أن الحديث عن وجودها في منطقة أبو صوير غير واقعي، ومع ذلك منح الوقت لبعثة الدومينيكان، ولم تتوصل لشيء أيضا.
وفي مقابل هذه الحالات التي لم يعثر على مقابرها إلى الآن، فإن هناك حالة فريدة للملك الشهير أخناتون، والذي لم يعثر على مقبرته، ولكن تم العثور على جثمانه بمساعدة تحليل الحمض النووي.
يقول الدكتور تامر عبد المجيد، أستاذ الأنثربولوجيا بجامعة الزقازيق، إن مقارنة الحمض النووي DNA للمومياء المجهولة، التي عثر عليها في المقبرة kv55 بوادي الملوك بالأقصر، بالحمض النووي الخاص بالملك الشاب توت عنخ آمون، أثبتت أنها تخص، والد الملك الشاب، أخناتون، لينفرد أخناتون بأنه الملك، الذي قاد العلم إلى تحديد هويته. وبخلاف هذه الحالة توجد قائمة من ملوك مصر الفرعونية عثر على مومياواتهم بعيدا عن مقابرهم، إذ تم اكتشاف مقابرهم، ولم يعثر بداخلها على مومياوات، وبعضهم تم العثور عليه في أماكن أخرى، والبعض الآخر لا يزال جثمانه مجهولا.
ويوضح عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط»، أنه من الملوك الذين عثر على مقابرهم قبل أن يتم العثور على مومياواتهم في خبيئتين بالأقصر خارج مقابرهم، هم: رمسيس الثاني، الملك ستي الأول، أحمس قاهر الهكسوس، سقننرع تاعا الثاني، سيتي الثاني، أمنحتب الثالث، تحتمس الرابع، أمنحتب الثالث والد أخناتون، ميرمبتاح. ويضيف: من الملوك الذين عثر على مقابرهم، ولم يعثر إلى الآن على مومياواتهم: نفرتاري زوجة رمسيس الثاني، وبناه الأهرامات خوفو وخفرع ومنكاورع.


مقالات ذات صلة

من الرياض... مبادرة من 15 دولة لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت»

الخليج «منتدى حوكمة الإنترنت» التابع للأمم المتحدة تستضيفه السعودية بدءاً من اليوم الأحد وحتى 19 من الشهر الجاري (الشرق الأوسط)

من الرياض... مبادرة من 15 دولة لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت»

صادقت 15 دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الرقمي، على إطلاق مبادرة استراتيجية متعددة الأطراف لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت».

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)

جهاز مبتكر ينتِج من الهواء مكوناً أساسياً في الأسمدة

أعلن فريق بحثي مشترك من جامعتَي «ستانفورد» الأميركية، و«الملك فهد للبترول والمعادن» السعودية، عن ابتكار جهاز لإنتاج الأمونيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً