مسار قضائي وخلاف سياسي حول مشاكل مطار بيروت

TT

مسار قضائي وخلاف سياسي حول مشاكل مطار بيروت

كلف أمس السبت النائب العام لدى محكمة التمييز القاضي سمير حمود شعبة المعلومات التابعة لقوى الأمن الداخلي بإجراء التحقيقات بشأن الأعطال التي حصلت في مطار رفيق الحريري الدولي مساء الخميس الماضي، وسببت بلبلة في المطار وتأخيراً وإلغاء الكثير من الرحلات، وذلك تمهيداً لتحديد المسؤوليات.
وأوضح مصدر قضائي أن التحقيقات ستركز على المعلومات التي تحدثت عن إمكانية أن تكون هذه الأعطال مفتعلة لأسباب شخصية، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه حتى الساعة تبقى هذه المعلومات في إطار التكهنات، باعتبار أن التحقيق لا يزال في بداياته كما أن القضاء لم يتسلم بعد تقريره ليبني على الشيء مقتضاه ويحدد المسؤوليات.
وتُعتبر التحقيقات التي بدأها فرع المعلومات منفصلة عن التحقيق الذي يقوم به التفتيش المركزي الذي استدعى يوم الجمعة الماضي رئيس المطار فادي الحسن، والمدير العام للطيران المدني محمد شهاب الدين، للتحقيق معهما في أسباب العطل الطارئ في شبكة الاتصالات المشغلة لنظام الحقائب والركاب المغادرين في المطار، والتي أدت لتوقف الرحلات لنحو 5 ساعات يومي الخميس والجمعة. وأوضح المصدر القضائي أن التفتيش المركزي يحقق فيما إذا كان هناك تقصير إداري معين، أما محكمة التمييز فتحقق بجرم جزائي نتج عنه ضرر بالمصلحة العامة وإساءة لمطار بيروت ووجهة لبنان السياحية، إضافة للضرر المعنوي والمادي الذي لحق بالمسافرين.
وانتقد مقربون من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تخصيص مبالغ كبيرة لتوسعة المطار والنهوض به قبل انتهاء التحقيقات، بعد معلومات عن توجيهات أعطاها رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بصرف الأموال من دون العودة لمجلس الوزراء لحل أزمات المطار. وشدد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي على أنه «لا يمكن لمن يساءل إداريا وقضائيا عن مسؤولية تقصيرية أو جزائية فيما حصل في مطار رفيق الحريري الدولي أن يوكل إليه، قبل انتهاء التحقيق الإداري والقضائي، أن يصرف 88 مليون دولار أميركي في المطار لتمييع المسؤوليات واستباق التحقيق مهما علا شأن هذا المسؤول»، وأكد أن «التحقيق بشقيه الإداري والقضائي إلى نهاياته حتما».
وكان وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس أشار بعد اجتماع عقده رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري لمعالجة الأزمة في المطار، إلى أن حكومة تصريف الأعمال أقرت مبلغ 18 مليون دولار وهو مبلغ صُرف منذ 17 يوليو (تموز)، وسيبدأ العمل به بعد انخفاض عدد الركاب. وأعلن فنيانوس أن الحريري لم ينتظر حتى تأليف حكومة جديدة والاستحصال على موافقة مجلس الوزراء الجديد لصرف الأموال «فأخذ الأمر على مسؤوليته وأعطى توجيهاته إلى مجلس الإنماء والإعمار والمعنيين لوضع الدراسات اللازمة، وقال إنه سيجد طريقة لتأمين المبالغ المتوجبة لمطار رفيق الحريري الدولي، وهنا نتحدث عن مبلغ 88 مليون دولار تضاف إليها الضريبة على القيمة المضافة».
واستغرب عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب فيصل الصايغ «الإصرار على تظهير مشاكل متكررة في المطار، علما بأننا نشكو من أوضاع دفعت السياح العرب والأجانب والمغتربين اللبنانيين إلى الإحجام عن القدوم إلى لبنان، ما يفترض عدم وجود ضغط في التشغيل، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل بهذا الحجم». وقال: «نحن مع توسعة المطار، وجعله من بين أفضل المطارات في العالم، لكن نخشى أن تكون ثمة قطبة مخفية تدفع البعض إلى افتعال مثل هذه المشاكل وتكرارها، لدفع اللبنانيين إلى الاقتناع بضرورة المباشرة بأعمال التوسعة، باعتبارها أولوية وبالتالي تبرير إجراء التلزيم من دون مناقصة شفافة بحجة ضرورة الإسراع بالتنفيذ»، وأضاف: «تاريخ الوزير لا يوحي بأنه سيسايرهم».
من جهته، لفت عضو تكتل «لبنان القوي» النائب إدغار طرابلسي إلى أن «هناك تلزيمات بالمطار دون المرور بمجلس الوزراء ولجنة المناقصات»، وتساءل: «أين جوقة الزجل التي قوّصت زوراً على وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل الذي حفظ كل الأعراف والقوانين بمشروع الكهرباء؟».
واعتبر عضو التكتل نفسه زياد أسود أن «تمرير تلزيم بمليار دولار بحجة انتفاضة ضميرية على بهدلة وطنية جامعة لكل بشر لبنان تثبت نوايا وآليات عمل موروثة أهدرت ثروة لبنان وأفلست دولته». وشدد أسود على أن «مطار بيروت لا يحتاج إلى توسعة بل إلى صيانة وتنظيم وفك أسره من شركات وشبيحة وإهمال متماد ومقصود»، لافتا إلى أنه «يحتاج إلى إجراءات أمنية غير تقليدية وإلى موظفين أكفاء وأصحاب خبرة، وليس إلى عقول عثمانية ورشاوى وإلى حكومة عقلها مركز على تطوير مرافق الدولة وليس على استغلالها وسرقتها».



«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام، أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حزمة من الإجراءات المنسقة لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز المركز القانوني للدولة، وذلك بعد تلقي المجلس تقارير من الأجهزة الرقابية والقضائية حول قضايا فساد كبرى وقعت في الأعوام الأخيرة.

وأفاد الإعلام الرسمي بأنه، بناءً على توصيات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، صدرت توجيهات مستعجلة لاستكمال إجراءات التحقيق في القضايا قيد النظر، مع متابعة الجهات المتخلفة عن التعاون مع الأجهزة الرقابية.

وشدد مجلس الحكم اليمني على إحالة القضايا المتعلقة بالفساد إلى السلطة القضائية، مع توجيهات صريحة بملاحقة المتهمين داخل البلاد وخارجها عبر «الإنتربول» الدولي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي (سبأ)

وأمر العليمي -حسب المصادر الرسمية- بتشكيل فريق لتقييم أداء هيئة أراضي الدولة وعقاراتها، التي تواجه اتهامات بتسهيل الاستيلاء على أراضيها من قِبل شخصيات نافذة. كما شدد على إلغاء جميع التصرفات المخالفة للقانون وملاحقة المتورطين.

وبينما تشير هذه الخطوات الجادة من مجلس القيادة الرئاسي إلى التزام الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد، وتحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز الشفافية، يتطلّع الشارع اليمني إلى رؤية تأثير ملموس لهذه الإجراءات في بناء دولة القانون، وحماية موارد البلاد من العبث والاستغلال.

النيابة تحرّك 20 قضية

ووفقاً لتقرير النائب العام اليمني، تم تحريك الدعوى الجزائية في أكثر من 20 قضية تشمل جرائم الفساد المالي، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي. ومن بين القضايا التي أُحيلت إلى محاكم الأموال العامة، هناك قضايا تتعلّق بعدم التزام بنوك وشركات صرافة بالقوانين المالية؛ مما أدى إلى إدانات قضائية وغرامات بملايين الريالات.

كما تناولت النيابة العامة ملفات فساد في عقود تنفيذ مشروعات حيوية، وعقود إيجار لتوليد الطاقة، والتعدي على أراضي الدولة، وقضايا تتعلق بمحاولة الاستيلاء على مشتقات نفطية بطرق غير مشروعة.

مبنى المجمع القضائي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (سبأ)

ومع ذلك، اشتكت النيابة من عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع طلبات توفير الأدلة والوثائق، مما أدى إلى تعثر التصرف في قضايا مهمة.

وأوردت النيابة العامة مثالاً على ذلك بقضية الإضرار بمصلحة الدولة والتهرب الجمركي من قبل محافظ سابق قالت إنه لا يزال يرفض المثول أمام القضاء حتى اليوم، بعد أن تمّ تجميد نحو 27 مليار ريال يمني من أرصدته مع استمرار ملاحقته لتوريد عشرات المليارات المختلسة من الأموال العامة. (الدولار يساوي نحو 2000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية).

وعلى صعيد التعاون الدولي، أوضحت النيابة العامة أنها تلقت طلبات لتجميد أرصدة أشخاص وكيانات متورطين في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبينما أصدرت النيابة قرارات تجميد لبعض الحسابات المرتبطة بميليشيات الحوثي، طلبت أدلة إضافية من وزارة الخزانة الأميركية لتعزيز قراراتها.

تجاوزات مالية وإدارية

وكشف الجهاز المركزي اليمني للرقابة والمحاسبة، في تقريره المقدم إلى مجلس القيادة الرئاسي، عن خروقات جسيمة في أداء البنك المركزي منذ نقله إلى عدن في 2016 وحتى نهاية 2021. وتضمنت التجاوزات التلاعب في الموارد المالية، والتحصيل غير القانوني للرسوم القنصلية، وتوريد إيرادات غير مكتملة في القنصلية العامة بجدة وسفارتي اليمن في مصر والأردن.

وأفاد الجهاز الرقابي بأن التجاوزات في القنصلية اليمنية في جدة بلغت 156 مليون ريال سعودي، تم توريد 12 مليون ريال فقط منها إيرادات عامة، في حين استولت جهات أخرى على الفارق. أما في مصر فتم الكشف عن استيلاء موظفين في السفارة على 268 ألف دولار من إيرادات الدخل القنصلي باستخدام وثائق مزورة.

وفي قطاع الكهرباء، كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن مخالفات جسيمة في عقود توفير المشتقات النفطية، تضمّنت تضخيم تكلفة التعاقدات وإهدار المال العام بقيمة تزيد على 285 مليون دولار. كما أشار التقرير إلى اختلالات في عقود السفينة العائمة لتوليد الطاقة التي تضمنت بنوداً مجحفة وإعفاءات ضريبية وجمركية للشركة المتعاقد معها.

وتحدّث الجهاز الرقابي اليمني عن اعتداءات ممنهجة على أراضي الدولة، تشمل مساحة تزيد على 476 مليون متر مربع، وقال إن هذه الاعتداءات نُفّذت بواسطة مجاميع مسلحة وشخصيات نافذة استغلّت ظروف الحرب لنهب ممتلكات الدولة. كما تم تسليم أراضٍ لمستثمرين غير جادين تحت ذرائع قانونية؛ مما تسبّب في إهدار أصول حكومية ضخمة.

وحسب التقارير الرقابية، تواجه شركة «بترومسيلة» التي أُنشئت لتشغيل قطاع 14 النفطي في حضرموت (شرق اليمن)، اتهامات بتجاوز نطاق عملها الأساسي نحو مشروعات أخرى دون شفافية، إلى جانب اتهامها بتحويل أكثر من مليار دولار إلى حساباتها الخارجية، مع غياب الرقابة من وزارة النفط والجهاز المركزي.