نار احتجاجات البصرة تحرق قنصلية إيران وأعلامها

غداة يوم طويل أحرق خلاله المحتجون في البصرة مقرات لأحزاب وفصائل مسلحة ومكاتب لفضائيات تلفزيونية تابعة لتلك الأحزاب والفصائل الموالية في غالبيتها لطهران، جاء أمس دور القنصلية الإيرانية في المدينة التي اقتحمها المحتجون وأحرقوها.
ويشكل اقتحام الممثلية الدبلوماسية للدولة الجارة وأحد اللاعبين الأساسيين في الساحة السياسية العراقية، منعطفا كبيرا في التحرك الذي خلف منذ الثلاثاء تسعة قتلى في صفوف المتظاهرين. وأفاد المكتب الإعلامي للقنصلية بأنه «تم إجلاء جميع الموظفين والدبلوماسيين من المبنى قبل الاقتحام». وسبق أن أضرم متظاهرون النيران في عدد من المباني الحكومية ومقار حزبية مساء أول من أمس. وأفاد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية بأن مسكن المحافظ ومقار أحزاب سياسية وجماعات مسلحة اشتعلت فيها النيران.
واستنكرت إيران الهجوم على قنصليتها وحمل المتحدث باسم خارجيتها، بهرام قاسمي، الحكومة العراقية مسؤولية حماية بعثاتها الدبلوماسية. كما أفادت تقارير بغلق إيران معبر الشلامجة الحدودي مع العراق.
وناهزت الحصيلة النهائية لمجموع المقرات ومكاتب الفضائيات التابعة للأحزاب والفصائل التي أقدم المتظاهرون في البصرة على حرقها الليلة قبل الماضية العشرين مقرا، في مقدمتها مقرات حزب «الدعوة الإسلامية» الذي ينتمي إليه العبادي وفصائل «الحشد الشعبي»، وعمد المحتجون إلى حرق مقر «منظمة بدر» التي يتزعمها رئيس تحالف الفتح هادي العامري «وعصائب أهل الحق» و«النجباء» و«كتائب حزب الله» في العراق وحركة «الأوفياء». إضافة إلى حرق مكاتب لقنوات «الغدير» التابعة لمنظمة بدر و«الفرات» التابعة لتيار الحكمة ومكتب قناة «العراقية» شبه الرسمية.
وبينما اتهمت جماعات تطلق على نفسها «المقاومة الإسلامية» الولايات المتحدة والمرتبطين بها بالوقوف وراء عمليات الحرق، تميل بعض الاتجاهات القريبة من تحالف مقتدى الصدر - العبادي، إلى اتهام جماعات «المقاومة الإسلامية» بالوقوف وراء الحوادث، للإيحاء بأنها مستهدفة من الولايات المتحدة وحلفائها في العراق والمنطقة.
وتعليقا على عمليات الحرق التي طالت مقرات حركته «عصائب الحق»، كتب قيس الخزعلي في تغريدة بـ«تويتر»: «في اليوم الذي كُنتُم تنظفون فيه نهر البدعة قام المتحزبون الذين يمتلكون الوزارات والمحافظين بحرق مقركم الذي يمتلك فقط الشهداء والمجاهدين». لكن ناشطين بصريون يتحدثون عن «عملية عفوية قام بها المحتجون للتعبير عن رفضهم لتلك الأحزاب والجماعات». ويقول الناشط أحمد البصري لـ«الشرق الأوسط»: «الأهالي يريدون البصرة منزوعة الأحزاب، نتيجة شعورهم الأكيد بأن تلك الأحزاب تقف وراء الخراب الذي أصاب المحافظة». ويضيف: «الشيء غير المعلن هو أن عمليات الحرق استهدفت ضمنا النفوذ الإيراني في البصرة، لذلك نرى أنها طالت مكاتب جماعات قريبة من إيران، لكنها لم تقترب من مقرات التيار الصدري، فالمزاج العام في البصرة يعرف مواقف هذا التيار المعترض على النفوذ الإيراني في العراق».
وتجددت المظاهرات بالبصرة وفي أوقات مختلفة أمس، واشترك الآلاف في تشييع جنازة الشاب سلام فتحي الكرناوي الذي لقي مصرعه خلال احتجاجات الليلة قبل الماضية. كما خرجت مظاهرة نسوية حملت فيها لافتات ضد الفساد وسوء الخدمات. وشهدت بغداد ومحافظات في الوسط والجنوب مظاهرات تضامنا مع متظاهري البصرة.
إلى ذلك، قال مسؤولون محليون ومصادر أمنية إن ميناء أم قصر ظل مغلقا أمس. وحسب وكالة رويترز.
كانت مختلف عمليات ميناء أم قصر قد عُلقت منذ أول من أمس الخميس بعد أن أغلق المحتجون مدخله خلال الليل. ويستقبل الميناء الذي يقع على مسافة 60 كيلومترا جنوبي البصرة شحنات الحبوب والزيوت النباتية والسكر إلى البلد الذي يعتمد بشكل كبير على الأغذية المستوردة.
من جهتها، أصدرت القنصلية الأميركية العامة في محافظة البصرة بيانا أمس، عبرت فيه عن «قلقها الشديد إزاء العنف في بعض المظاهرات الأخيرة»، وقال البيان: «نأسف بشدة على الأرواح والخسائر التي لحقت بالمتظاهرين وقوات الأمن أثناء المظاهرات في هذا الصيف، ونعبر عن تضامننا مع مواطني العراق، مجتمعنا، خلال هذا الوقت العصيب».
ويتهم المدافعون عن حقوق الإنسان الشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين، في حين تشير السلطات إلى «مخربين» تسللوا بين المحتجين، مؤكدة أنها أمرت الجنود بعدم إطلاق النار. ونددت منظمة العفو الدولية في بيان أمس بـ«الاستخدام المفرط للقوة من قبل القوات الأمنية، بما يشمل استخدام الرصاص الحي»، مؤكدة أن ذلك حدث أيضا في يوليو (تموز) .
وفي مسعى لتطويق الأزمة المتصاعدة في البصرة منذ أسابيع، وفي رد على ما يبدو على الاتهامات التي توجهها البصرة إلى الحكومة الاتحادية بعدم إطلاق التخصيصات المالية اللازمة للمحافظة لمعالجة مشكلة المياه والخدمات المتفاقمة، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، أمس، عن أن الأموال المخصصة لمحافظة البصرة ستصرف بعيدا عن الروتين والبيروقراطية، وإعطاء محافظ البصرة أسعد العيداني كافة الصلاحيات اللازمة لتقديم الخدمات لسكان المحافظة.
وترأس رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي اجتماعا للمجلس الوزاري للأمن الوطني أمس ناقش الوضع الخدمي والأمني في البصرة والتأكيد، حسب بيان صدر عن المجلس، «على حق التظاهر السلمي للمواطنين، وعدم السماح بالاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة». ودعا المجلس أهالي البصرة إلى إبعاد من سماهم «المندسين الذين يريدون الإساءة للمحافظة».