مصر تدشن أول فرقاطة لتعزيز قدرة السلاح البحري على حماية الحدود

مدعومة بمنظومات رصد إلكترونية وقتالية عالية للتتبع والاشتباك

تدشين الفرقاطة الجديدة أمس (من صفحة المتحدث العسكري المصري)
تدشين الفرقاطة الجديدة أمس (من صفحة المتحدث العسكري المصري)
TT

مصر تدشن أول فرقاطة لتعزيز قدرة السلاح البحري على حماية الحدود

تدشين الفرقاطة الجديدة أمس (من صفحة المتحدث العسكري المصري)
تدشين الفرقاطة الجديدة أمس (من صفحة المتحدث العسكري المصري)

احتفلت القوات البحرية المصرية، أمس، بتدشين أول فرقاطة مصرية من طراز «جو ويند» التي تم بناؤها بشركة ترسانة الإسكندرية، إيذاناً بتجهيزها استعداداً لدخولها الخدمة بالقوات البحرية المصرية، التي تشهد خلال الآونة الأخيرة طفرة تكنولوجية هائلة في منظومات التسليح والكفاءة القتالية، وفقاً لأحدث النظم العالمية، وذلك استمراراً لجهود القوات المسلحة المصرية في دعم القدرات القتالية والفنية لعناصرها.
ونقل الفريق أحمد خالد، قائد القوات البحرية، في كلمة له خلال احتفالية أقيمت أمس، تحية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلحة، والفريق أول محمد زكي، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، لرجال شركة ترسانة الإسكندرية، على إنجاز أول فرقاطة بأيد مصرية في وقت قياسي، وبدقة وكفاءة تواكب أحدث التكنولوجيات العالمية في مجال تصنيع السفن.
وأضاف الفريق خالد، أن «القيادة العامة للقوات المسلحة حريصة على تنفيذ استراتيجية شاملة لتطوير وتحديث الأسطول البحري المصري، لتعزيز الأمن والاستقرار في مناطق عمل القوات البحرية، ودعم قدرته على مواجهة التحديات والمخاطر الحالية التي تشهدها المنطقة»، موضحاً أن الوحدة الجديدة تعد الأكثر تطوراً في السلاح البحري المصري، لتعزيز قدرته على تحقيق الأمن البحري، وحماية الحدود والمصالح الاقتصادية في البحرين الأحمر والمتوسط، وتوفير حرية الملاحة البحرية الآمنة، ودعم أمن قناة السويس كشريان مهم للتجارة البحرية الدولية، في ظل التهديدات والتحديات التي تشهدها المنطقة.
من جانبه، أعرب رئيس مجلس إدارة شركة «نافال غروب» الفرنسية، عن سعادته بالمستوى الاحترافي الذي لمسه في رجال شركة ترسانة الإسكندرية، وسعيهم للإلمام بأحدث التقنيات والخبرات، بما مكنهم من تنفيذ الفرقاطة الجديدة في توقيت قياسي، وفقاً للبرنامج الزمني المتفق عليه للتصنيع، مشيراً إلى الإمكانات التقنية الكبيرة التي زودت بها الوحدة الجديدة من منظومات رصد إلكترونية وقتالية متعددة عالية القدرة، تمكنها من تنفيذ الرصد والتتبع والاشتباك مع الأهداف الجوية والسطحية وتحت السطح، مؤكداً على أنها ثمرة اتفاقيات طويلة الأمد تم توقيعها بين القوات البحرية المصرية والفرنسية.
وتضمن الاحتفال عرض فيلم تسجيلي من إنتاج إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة، استعرض التحديات التي واجهت عملية بناء الفرقاطة، وقدرة مهندسي وعمال شركة ترسانة الإسكندرية على إنجاز العمل في وقت قياسي، وبأعلى معدلات الجودة والكفاءة.
كما أعطى قائد القوات البحرية ورئيس مجلس إدارة شركة «نافال غروب» إشارة البدء في تصنيع الفرقاطة الثانية بالترسانة؛ حيث تعاقدت مصر على أربع فرقاطات من طراز «جو ويند»، عام 2014، تسلمت منها الفرقاطة «الفاتح» خلال العام الماضي من فرنسا، والتي قامت بتصنيعها شركة «نافال غروب»، وباقي الوحدات الثلاث يتم بناؤها بشركة ترسانة الإسكندرية بالسواعد والعقول المصرية، بالتعاون مع الجانب الفرنسي لنقل خبرات التصنيع إلى مصر، بما يعكس جهود القيادة السياسية ودعمها القوي لدفع علاقات الشراكة، والتعاون بين البلدين في كثير من المجالات.
حضر مراسم التدشين عدد من قادة القوات المسلحة وقيادات وعمال ومهندسي شركة ترسانة الإسكندرية للصناعات البحرية، ووفد فرنسي رفيع المستوى.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.