كما كان منتظراً، جاءت الخطوة السياسية التنظيمية التالية لانتخاب عمران خان رئيساً لحكومة باكستان، تعيين رئيس جديد للجمهورية. ومع أن منصباً رئيس الجمهورية في الكثير من الدول التي تعتمد النظام البرلماني يعد منصب بروتوكولياً يحمل من الرمزية الوطنية أكثر من النفوذ العملي، فإن هذه الرمزية تعني الكثير سواءً على صعيد تأكيد التوافق الشعبي العريض وضمان الوحدة الوطنية الضرورية في بلدان كبيرة الحجم ومتعددة الأعراق والمذاهب. ومما لا شك فيه، أن باكستان، التي تعد من كبريات دول العالم من حيث عدد السكان، والتي عاشت فترات عصيبة من الحروب والتقسيم والانقلابات العسكرية والأحكام منذ ولادتها عام 1947، في أمس الحاجة اليوم إلى فترة طويلة من الاستقرار المطلوب للجم الأزمات الاقتصادية، ومكافحة آفة الفساد، والمشاركة في التصدي لموجات الإرهاب والتطرف والتطرف المضاد.
قد لا يتمتع عارف علوي، رئيس جمهورية باكستان الجديد، بنفوذ أو ثقل سياسي كبير، لكنه مع ذلك معروف جيداً في المجتمع الباكستاني. لماذا؟ لأنه يظهر كثيراً في البرامج الحوارية السياسية التي تُبث في مواعيد عرض تحظى بنسبة مشاهدة عالية على مختلف المحطات التلفزيونية الإخبارية الباكستانية البالغ عددها أربعين محطة. ولقد خلّف دفاع علوي الحماسي القوي عن سياسة رئيس الوزراء الجديد عمران خان، واتهاماته بالفساد لرئيس الوزراء السابق نواز شريف، انطباعاً راسخاً في الرأي العام الباكستاني.
الدكتور عارف علوي يستطيع الحديث لساعات ضد شريف وتأييداً لـ«قائده» عمران خان. بل، وكان من المستحيل لسنوات بالنسبة للشعب الباكستاني ألا يشاهدوا علوي نجماً على إحدى المحطات التلفزيونية في وقت يحظى بنسبة مشاهدة عالية إذا ما صادف وفتح شخص ما جهاز تلفازه. ولأن الرجل بطبيعته شخصٌ مثقّف ومتحضّر ومتعلّم ينتمي إلى الطبقة الوسطى، فإنه غدا بفضل حججه الجدلية وآرائه الناضجة الذكية، محبوباً من الشعب الباكستاني الذي سأم من قادة الأحزاب السياسية الذين يظهرون في البرامج التلفزيونية الحوارية السياسية.
- عضو «حركة الإنصاف»
عارف علوي، في الواقع، عضو مؤسس لحزب «حركة الإنصاف الباكستانية»، الذي أسسه وينتمي إليه عمران خان، لاعب الكريكيت الدولي الشهير الذي تحوّل نحو السياسة، وأصبح رئيس وزراء باكستان بأغلبية ضئيلة في البرلمان.
لماذا وقع اختيار رئيس الوزراء الجديد على الدكتور علوي من بين كل ساسة حزبه ليكون مرشح الحزب للرئاسة؟ يذكر المحللون السياسيون ثلاثة أسباب لاختيار الحزب طبيب الأسنان المسيّس الناجح ليكون مرشحه للرئاسة، وهي:
السبب الأول، مستواه التعليمي الجيد سياسياً وأكاديمياً؛ فهو طبيب جراح للأسنان، ولديه تاريخ طويل من النشاط السياسي في المجتمع الباكستاني.
السبب الثاني، فصاحته، فمن يشاهده ويسمعه وهو يتكلم على شاشات التلفزيون يشهد أنه واحد من أكثر القادة السياسيين فصاحة وبلاغة في باكستان.
السبب الثالث، ولعله الأهم، هو الولاء والإخلاص؛ إذ إنه أمضى فترة غير قصيرة في «التيه السياسي» برفقة عمران خان، وكان دوماً مقرباً منه، بينما كانت الدوائر السياسية الباكستانية تتعامل مع خان كشخص دخيل على السياسة ولا ينتمي إلى كيان.
لقد انضم علوي إلى عمران خان عام 1997 عندما انخرط الأخير في مجال السياسة، وظل مخلصاً وفياً له طوال الفترة التالية. وتقول مصادر مطلعة داخل الحزب عنه، إنه أثبت لخان أنه الأكثر جدارة بالثقة، والأكثر إخلاصاً له بين جميع القيادات في تنظيمه ومحيطه.
كذلك جاء في ملف شخصي رسمي لعارف علوي نُشر على الموقع الإلكتروني لـ«حركة الإنصاف» أن علوي «خاض نقاشات مع عمران قبل تأسيس حركة الإنصاف، وأصبح عضواً مؤسساً للحزب عام 1996، وهو يعمل في المجلس التنفيذي المركزي منذ عام 1996 بلا كلل أو راحة. وبعدها عُيّن رئيساً لمجلس إقليم السند في الحزب عام 1997. وفي العام 2001. رُقي لمنصب نائب رئيس الحزب. ثم عام 2006 أصبح علوي الأمين العام لحزب «حركة الإنصاف» وظل في المنصب حتى عام 2013.
- الرئيس الـ13 لباكستان
انتخب عارف علوي يوم الثلاثاء الموافق 4 سبتمبر (أيلول) 2018 ليكون الرئيس الثالث عشر لباكستان. وصوّت أعضاء البرلمان الاتحادي (بمجلسيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، وكذلك مجالس الأقاليم الأربعة خلال العملية الانتخابية لمرشحهم المفضل. وحصل علوي على 353 صوتاً انتخابياً، في حين حصل منافسه مولانا فضل الرحمن، مرشح جماعة «علماء الإسلام» على 185 صوتاً، وحصل اعتزاز أحسن، مرشح حزب الشعب الباكستاني، على 124 صوتاً. والجدير بالذكر، أن منصب الرئيس الباكستاني منصب شرفي، ليس لدى شاغله سوى بعض الصلاحيات التنفيذية المحدودة. وهو يوقّع (الرئيس) على مشاريع القوانين، التي يقرّها البرلمان، لتغدو قوانين، وهو أمر شكلي للغاية. ثم إنه يعد (الرئيس) القائد الأعلى للقوات المسلحة طبقاً للدستور، لكنه منصب شرفي أيضاً لا يتضمن أي صلاحيات. ولقد نشر عمران خان، بعد فوز علوي بالاقتراع الرئاسي، صورة فوتوغرافية قديمة تجمعه به يظهر فيها الاثنان وهما في سن أصغر كثيراً من عمريهما حالياً مع تعليق قال فيه «عندما كان عالمنا أصغر».
كان رئيس الجمهورية الجديد نشطاً جداً إبان فترة عمله في البرلمان، وساهم بقوة في جهود سنّ القوانين في البرلمان الاتحادي طوال فترة عضويته التي امتدت منذ عام 2013 حتى 2018. وتجدر الإشارة إلى أنه انتخب نائباً في البرلمان عن مدينة كراتشي التي رزحت تحت وطأة أعمال العنف العرقي والطائفي على مدى السنوات الماضية. واللافت في الأمر أنه تغلب في المعركة الانتخابية بكراتشي على مرشح حزب «الحركة القومية المتحدة»، وهي جماعة عرقية منخرطة في العنف سيطرت على المشهد السياسي في المدينة التي تعد كبرى مدن باكستان خلال العقود الثلاثة الماضية. ووفق المحلل السياسي فصيح الرحمن «نُظر إلى عارف علوي إبان انتخابات 2013 في كراتشي كانتصار لحزب وطني محب للسلام في مواجهة حزب عرقي كان يميل إلى العنف والجريمة». ومن ناحية أخرى، كان علوي منتقداً قوياً لنواز شريف، رئيس الوزراء السابق، لفساده المالي المزعوم. وظل نشطاً في مواجهته في البرلمان وخارجه أيضاً، وشارك حتى العام الماضي بقوة في مظاهرتين احتجاجيتين نظمهما عمران خان ضد حكومة شريف.
ولئن كانت كل هذه الحقائق غير كافية لبروز علوي في الدوائر السياسية، فلقد جعله ارتباطه الوثيق بالأحزاب الدينية في بداية مسيرته أكثر شهرة في وسائل الإعلام المحلية والعالمية. إذ كان مرتبطاً بجناح الطلبة من «الجماعة الإسلامية» عندما كان طالباً، بل وخاض المنافسة في انتخابات أحد البرلمانات الإقليمية على قائمة «الجماعة الإسلامية» في عقد السبعينات من القرن الماضي. ومن ثم، تصل فترة نشاط علوي السياسي إلى خمسة عقود بدأت بانخراطه في المشهد السياسي الطلابي رئيساً لاتحاد الطلبة بكلية دي مونتمورينسي لطب الأسنان في مدينة لاهور. كذلك، كان له دور مميز في الحركة الطلابية عام 1969 أثناء حكم النظام العسكري للجنرال أيوب خان. وحسب ناشطي حزبه، كان من بين الذين ناضلوا من أجل الديمقراطية في البلاد، وأصيب أثناء مظاهرات في أحد المراكز التجارية في لاهور، وهو لا يزال يحمل «بفخر واعتزاز» رصاصة في ذراعه اليمنى رمزاً لنضاله من أجل تحقيق الديمقراطية في باكستان.
- مع حزبه الحالي
يعود الفضل لطبيب الأسنان في المشاركة في تأسيس «حركة الإنصاف» مع حفنة من الناشطين الآخرين، ويعد واحداً من مؤلفي لوائح الحزب الانتخابية ومن أعضاء الحزب البارزين. ثم إنه نافس على أحد مقاعد برلمان إقليم السند (حيث مدينة كراتشي) في الانتخابات العامة عامي 1997 و2002، لكنه لم ينجح. بعدها – كما سبقت الإشارة – صار واحداً من أعضاء المجلس التنفيذي المركزي بالحزب عام 1996، وظل كذلك لمدة سنة، حتى تعيينه رئيساً للحزب في إقليم السند عام 1997. بعد ذلك عام 2001 رُقي ليتولى منصب نائب رئيس الحزب، ثم أميناً عاماً للحزب عام 2006، وظل في ذلك المنصب حتى عام 2013. ثم فاز بعضوية البرلمان الاتحادي عن الدائرة «إن آيه 250» في كراتشي خلال انتخابات عام 2013.
بعد ذلك خلال الانتخابات العامة الأخيرة، التي أجريت في 25 يوليو (تموز) 2018، فاز بالمقعد البرلماني عن الدائرة «إن آيه 247» في كراتشي بعد حصوله على 91.020 صوتاً، في حين حصل منافسه سيد زمان علي جعفري، مرشح حركة طالبان باكستان، على 24.680 صوتاً فقط.
- خلفية عائلية
ينتمي عارف علوي إلى أسرة متعلمة ومرموقة، وكان والده طبيب أسنان أيضاً. ولقد نشرت صحيفة هندية يوم الأربعاء موضوعاً مثيراً للاهتمام عن رئيس الجمهورية الجديد، ذكرت فيه أنه كان طبيب الأسنان الشخصي للزعيم الاستقلالي الهندي الكبير جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند. وجاء في ملفه الشخصي «لقد كان واحداً من أطباء الأسنان البارزين في كراتشي، وهاجر والده دكتور حبيب الرحمن علوي، الذي مارس طب الأسنان في الهند، إلى باكستان عام 1947، وافتتح عيادة لطب الأسنان في بلدة صدر بكراتشي... ولدى الأسرة خطابات مرسلة من نهرو إلى الدكتور علوي».
عودة إلى الرئيس الجديد، المولود يوم 29 يوليو 1949 في كراتشي، فإنه بعد تخرجه في كلية دي مونتمورينسي لطب الأسنان في لاهور، تابع دراسته في الولايات المتحدة الأميركية حاز الماجستير في أحد تخصصات طب الأسنان من جامعة ميشيغان، وماجستير أخرى في تخصص ثانٍ من جامعة الباسيفيك في ولاية كاليفورنيا.
الرئيس الجديد متزوج من سامينا علوي وأنجبا أربعة أبناء تزوّجوا جميعهم، وكوّنوا أسراً. وهو يستمتع بتمضية الوقت مع أحفاده، ويعتبرهم من أجمل المتع وأسباب البهجة في حياته. ثم إنه اعتاد لعب الاسكواش، والكريكيت، والهوكي حين كان شاباً، وهو يستمتع حالياً ببعض اللعب الخفيف، ومشاهدة المباريات.
وما يستحق الذكر، أنه قبل دخوله عالم السياسية كان ناجحاً جداً في عمله طبيب أسنان في كراتشي، وتشهد المؤسسات الطبية الباكستانية والعالمية بكفاءته المهنية. بل وحصل في عام 1997 على شهادة المجلس الأميركي لطب الأسنان.
كذلك كان المؤلف الرئيسي للائحة «الاتحاد الباكستاني لطب الأسنان»، وجرى انتخابه رئيساً لذلك الاتحاد. كذلك أسندت إليه رئاسة «المؤتمر الباكستاني الدولي الأول لطب الأسنان» عام 1981. وعام 1987 أصبح رئيس «المؤتمر الباكستاني الدولي الثالث لطب الأسنان» الذي افتتحه رئيس الوزراء الأسبق محمد خان جونیجو. واختاره الرئيس الباكستاني ليكون راعي «المؤتمر الباكستاني الدولي الخامس لطب الأسنان».
كذلك شغل منصب رئيس «المؤتمر الآسيوي الهادي لطب الأسنان» في دورته الثامنة والعشرين، وحصل على أكثر من زمالة من الكلية الدولية لأطباء الأسنان. وكان أيضاً زميل الكلية الأميركية لأطباء الأسنان، وأكاديمية «بيير فوشار» تقديراً لإنجازاته الأكاديمية والعملية والمهنية الكبرى.