أبو علي لاجئ سوري يكافح الفقر والرطوبة بمستودع بات منزله في لبنان

أبو علي لاجئ سوري يكافح الفقر والرطوبة بمستودع بات منزله في لبنان
TT

أبو علي لاجئ سوري يكافح الفقر والرطوبة بمستودع بات منزله في لبنان

أبو علي لاجئ سوري يكافح الفقر والرطوبة بمستودع بات منزله في لبنان

في شارع مونو البيروتي الراقي، الذي يغص بمقاهيه ومطاعمه وجامعاته، عجوز خمسيني يضع آلة الأكسجين على وجهه ويخاطب نفسه بكلمات غير مفهومة. يجلس أبو علي، اللاجئ السوري من منطقة حماه إلى بيروت، على كرسي بلاستيكي إلى جانب بوابة تشكل مدخلا لمستودع صغير تحت الأرض تأكله العفونة ونسبة الرطوبة المرتفعة.
في المستودع، حيث مأواه «البيروتي»، يعيش أبو علي مع زوجته وأولاده الخمسة. يعاني من التهاب رئوي حاد، يجعله عاجزا عن العمل أو الحركة. سريره عبارة عن قطعة خشب مسطحة مهترئة ومتسخة، موضوعة على مدخل الرواق المؤدي إلى المخزن بسبب الرطوبة المرتفعة في داخله. تحاصره علب الأدوية والإبر التي لا يقوى على العيش من دونها. تكفي جولة سريعة داخل المستودع للتأكد من أنه لا يصلح مكانا للسكن أو حتى العمل. لا مسارب ولا قنوات تهوية. جدرانه الإسمنتية تأكلها الرطوبة والعفونة، وتبقى طوال العام بمنأى عن الهواء أو ضوء الشمس. أنهك المرض أبو علي بعد قدومه إلى لبنان منذ عام تقريبا، إثر فقدانه أحد أبنائه خلال الاشتباكات في منطقة حماه قبل أكثر من عام. عبر مع أفراد أسرته الحدود اللبنانية متجها إلى العاصمة بيروت، وتحديدا إلى شارع مونو، حيث يعمل ابنه منذ 10 سنوات ناطورا في أحد الأبنية السكنية التراثية. ولم يقوَ الابن على تأمين مكان يسكنه أهله وإخوته إلا هذا المستودع المجاور لمكان عمله.
يروي أبو علي رحلة تهجيره القسرية من حماه ويسرد الظروف التي قادته للسكن في طابق تحت الأرض: «هاجرت رغما عني من منزلي، فالطائرات الحربية لم ترحم منازلنا وحولتها إلى ركام». وتقاطعه زوجته أم علي قائلة: «سرقوا أيضا حياة ابني العريس الذي لم يستطع رؤية ابنه الصغير ولا حتى الاستمتاع بكلمة (بابا)».
تلقب أم علي ابنها الذي قتل بصاروخ مفاجئ سقط على منزله بـ«شيخ الحارة». تسترجع تفاصيل الحادث كأنه حصل أمس، وتروي بكلمات حزينة لـ«الشرق الأوسط» كيف شتتت الحرب السورية أفراد عائلتها. تقول: «بعد وفاة ابني هربت زوجته إلى الأردن لتلد ابنها إلى جانب عائلتها فلم أتمكن من رؤية حفيدي ولم أعرف حتى اسمه. انقطعت الاتصالات وشردنا جميعنا في بلاد الغربة. وبعد أن كنا نملك منزلا محترما وحياة لائقة، أصبحنا اليوم نعيش في مستودع تحت الأرض، لا شمس تمتع بصرنا ولا هواء ينعش قلوبنا، ونصارع الموت والفقر لنبقى على قيد الحياة». صمت حزين تخترقه دموع الابنة حسنا البالغة من العمر 18 سنة لتصف الوضع المأساوي الذي فرضته عليهم حرب قاسية: «منذ مجيئنا إلى لبنان ونحن نعيش على فتات الخبز المتبقي في النفايات، فقرنا استجلب لنا الرحمة والرأفة من بعض الجيران في المنطقة، نمضي ليالي طويلة بلا أكل، والبرد القارس يكاد ينهش عظامنا».
وتشير بانفعال إلى باب المستودع الحديدي والكبير وتصرخ قائلة: «هذا الباب رغم ضخامته وسماكته لكننا لا نستطيع إقفاله، فوالدي يعاني من التهاب بالرئة ولا خيار أمامنا سوى تحمل قسوة هذا الطقس». تلتفت حسنا إثر سماعها لصوت شقيقها الصغير بلال يناديها: «أختي، أتيت، لقد بعت جيدا، وانظري ماذا أهداني الجار ميشال»، مشيرا إلى شجرة ميلاد يمسكها بيديه فرحا.
ترك بلال مدرسته وهو في الصف الثالث الابتدائي بسبب الأحداث في سوريا وخوف والدته من استهدافه برصاص قنص أو صاروخ متفجر أجلسه في المنزل، جاء إلى لبنان مع أهله وتعلم صنعة جديدة، وهي بيع الورود في الشوارع المجاورة لسكن العائلة. «إذا تجاوزت يوميتي الـ3000 ليرة لبنانية (دولاران) من بيع الزهور في النهار الواحد فيعني أن اليوم هو يوم عز وسعادة»، يقول الطفل الصغير كما لو أن رجلا يتكلم. ويضيف: «أستيقظ في الساعة السادسة صباحا وأذهب لأبيع الورود للمارة عند تقاطع الطريق القريب من بيتنا، ولا أعود إلى المنزل إلا للنوم أو للاطمئنان على أمي وأبي. اشتقت إلى ملعب مدرستي وإلى صراخ معلمتي في الصف». ويتابع بعبارات بريئة: «كنت مشاغبا ويسميني أصدقائي (كراكوز) الصف بسبب قدرتي على إضحاك كل من حولي».
يحيط بالمستودع مقهى راقٍ ومكتبة عامة صغيرة تضم فسحة مخصصة للأطفال، يتوجه إليها يوميا، بهدف قراءة قصص الأطفال وسد فراغ واشتياق كبير للدراسة، وترافقه شقيقته الوسطى علياء الحامل بشهرها الخامس. ينهي كلامه قبل دخوله للقراءة والرسم قائلا: «باب المكتبة هذا يشبه باب مدرستي فاللون الاخضر مشترك بينهما، وأتمنى لو أن الحرب لم تضرب سوريا، إذن لكنت اليوم في الصف الرابع الابتدائي».
وتبدي علياء، التي تنتظر مولودها الأول بعد أربعة أشهر، استياءها من شطب اسمها وزوجها الذي يقيم مع العائلة من بين لائحة الأسماء المسجلة لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أجل الحصول على مساعدات «بحجة أننا عائلة صغيرة». وتسأل المعنيين: «هل المطلوب أن ننجب أولادا كثيرين للحصول على مائة دولار كل فترة؟ ولماذا لا يحق لي الحصول على مساعدات إنسانية؟».
وفي هذا السياق، توضح الناطقة باسم مفوضية اللاجئين دانا سليمان لـ«الشرق الأوسط» أن المفوضية «تسجل جميع أسماء اللاجئين، ولكن بعد تقرير أجريناه بالتعاون مع اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية وجدنا أن 70 في المائة من النازحين هم بحاجة إلى مساعدات فورية، لذلك استثنينا 30 في المائة من هذه التقديمات»، مؤكدة في الوقت ذاته أن «استثناءهم من هذه التقديمات لا ينفي حصولهم على مساعدات أخرى كالإيواء والعلاج المجاني في المستوصفات والتعليم المجاني أيضا».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.