تصاعدت حدة الاحتجاجات في مدينة البصرة، (جنوب)، ما سبب إرباكا كبيرا للطبقة السياسية. وبعد أن أقدم المحتجون الغاضبون على إحراق مبنى المحافظة، ومكتبي المحافظ ونائبه، أول من أمس، أقدموا أمس على إضرام النيران في مبنى مجلس المحافظة. واضطرت السلطات المحلية في البصرة أمس، إلى إغلاق ميناء أم أقصر، بعد تعرضه في الليلة السابقة إلى هجوم من المحتجين، تمكنوا خلاله من إغلاق مداخله، ومنعوا الشاحنات والموظفين من الدخول أو الخروج.
كما اقدم المحتجون على احراق عدد من مقرات الأحزاب والفصائل، من بينها مقر حزب الدعوة الحاكم، والمجلس الأعلى الإسلامي، ومنظمة بدر، بزعامة هادي العامري، وهي أكبر جماعة مسلحة شيعية تدعمها إيران في البلاد، ومقر كتائب الإمام علي، وعصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، وحركة إرادة بزعامة النائبة السابقة حنان الفتلاوي. كما هاجم المحتجون مكاتب تابعة لتلفزيون «العراقية» الذي تديره الدولة، ومكتب قناة «الفرات» التابعة لتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، في رابع ليلة على التوالي من الاضطرابات العنيفة في المنطقة.
وكان متحدث باسم وزارة الداخلية العراقية أعلن في مؤتمر صحافي أمس، أن السلطات العراقية أعلنت حظر التجول في البصرة اعتبارا من الساعة الثالثة عصرا بالتوقيت المحلي (12:00 بتوقيت غرينتش) للتصدي للاحتجاجات في المدينة، ولكن وقبيل دقائق من دخول القرار حيز التنفيذ، تراجعت السلطات عن الخطوة، لتنطلق الاحتجاجات مجددا.
وتجمع الآلاف أمس، أمام مبنى المحافظة، ومقر مجلس المحافظة المجاور، حيث أضرموا النيران. وانتشرت الشرطة بكثافة حول المتظاهرين، وقاوم رجال المطافئ طوال اليوم النيران الناجمة عن قنابل الزجاجات الحارقة، والمفرقعات التي ألقيت على المبنى، مقر السلطات الإقليمية.
وكان المئات من المواطنين تظاهروا في الشارع الرئيسي بحي الزهراء باتجاه ساحة الطيران وسط البصرة، تنديداً بعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة من قبل الحكومة المحلية والاتحادية.
ولجأ المتظاهرون إلى قطع الطريق الرئيسية بين منطقتي تنومة والعشار في المحافظة، فيما تجمع المئات من أبناء البصرة أمام قائم مقامية قضاء شط العرب. وقامت حكومة قضاء الزبير المحلية، من جانبها، بتعليق أعمالها، وشددت إجراءاتها الأمنية تحسبا من وقوع أي طارئ.
كما أشارت وسائل إعلام محلية، إلى أن متظاهرين غاضبين قاموا، بقطع الطريق الرئيسية مع مدينة العمارة من منطقة كرمة علي شمالي البصرة.
وقال موظفون بميناء أم قصر إن جميع العمليات توقفت صباح أمس بالميناء، وهو الشريان الرئيسي لواردات البلاد من الحبوب وغيرها من الواردات المهمة، بعد أن أغلق محتجون المدخل. ولا تستطيع الشاحنات والموظفون دخول مجمع الميناء أو الخروج منه.
ويقول سكان في البصرة، التي يعيش فيها أكثر من مليوني نسمة، إن إمدادات المياه تلوثت بالملح، الأمر الذي يعرضهم للخطر خلال شهور الصيف القائظ. ونقل مئات الأشخاص للمستشفى بعد شرب هذه المياه. وقال متحدث باسم وزارة الصحة في مؤتمر صحافي في بغداد إن 6280 شخصا دخلوا المستشفيات في الآونة الأخيرة وهم يعانون من الإسهال بسبب ملوحة المياه. في الوقت نفسه أعلنت مفوضية حقوق الإنسان تسمم نحو 20 ألف مواطن بصري، من جراء ذلك، مستندة لإحصاءات مستشفيات المحافظة.
وزاد الغضب في وقت يواجه فيه الساسة صعوبة في تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات برلمانية غير حاسمة في مايو (أيار). ويشكو سكان الجنوب من عقود من الإهمال في المنطقة التي تنتج معظم ثروة العراق النفطية. وتحاول شخصيات سياسية بارزة، تشارك في مفاوضات تشكيل الحكومة في بغداد، التصدي للأزمة المتفاقمة وأدانوا منافسين لهم على تراخيهم.
وقال علي سعد (25 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الناس يحتجون والحكومة لا تهتم، فهي تعاملهم كمخربين. ليس هناك أي مخرب، الناس سئموا، لذا فإنهم يرمون الحجارة ويحرقون الإطارات لأنه لا أحد يرد عليهم». أما أحمد كاظم (42 عاما)، فقال: «على الدولة الاستجابة لمطالب المحتجين حتى لا تتدهور الأوضاع». وأضاف: «ما نحتاج إليه هو خدمات عامة، مياه وكهرباء ووظائف»، في أغنى مناطق العراق بالموارد النفطية.
وقتل ما لا يقل عن 22 شخصاً منذ بداية المظاهرات في البصرة قبل أن تمتد إلى مدن جنوب العراق في الثامن من يوليو (تموز) 2018.
ويقول القاضي وائل عبد اللطيف الوزير والنائب السابق عن محافظة البصرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المشاكل في البصرة لا تحل ما دام لم يلتفت أحد لحقيقة المعاناة في البصرة والمتمثلة بإشكالية العلاقة بين المركز والأطراف، وهو ما دعا أهالي البصرة إلى المطالبة بإعلانها إقليما مستقلا»، مبينا أن «هناك طلبا تم تقديمه من قبل أعضاء مجلس المحافظة بهذا الخصوص من منطلق ما يقره الدستور من حق لكل محافظة أو أكثر بأن تكون إقليما فيدراليا».
وأشار عبد اللطيف إلى أن «المشكلة هي في العقلية المركزية التي تريد الهيمنة على كل شيء وبالتالي لا تستطيع معرفة المشاكل الحقيقية هنا وهناك فتلجأ إلى نوع من الحلول الترقيعية».
وأضاف: «إننا في محافظة البصرة قدمنا طلبات للتحول إلى إقليم منذ عام 2004 وإلى اليوم، لكن دائما يأتي الجواب من الجهات الحكومية في بغداد أن الوقت غير مناسب بينما لم يتمكن المركز من حل المشاكل التي تعاني منها المدينة التي تعطي للعراق أكثر من 80 في المائة من موازنته والتي تتمثل في الماء الصالح للشرب والكهرباء بالإضافة إلى قلة فرص العمل».
وكان مصدر في وزارة الصحة أفاد بسقوط 68 جريحاً، بينهم 27 عسكرياً، إضافة إلى مقتل 7 متظاهرين.
محتجو البصرة يضرمون النار في مجلسها وفي مقرات حزبية
إغلاق ميناء أم قصر الشريان الرئيسي لواردات البلاد من الحبوب
محتجو البصرة يضرمون النار في مجلسها وفي مقرات حزبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة