مصير إدلب يحسم في طهران اليوم وتوقع «عملية محدودة»

مصادر روسية: تركيا لن تسمح بعملية قد تنهي نفوذها في المنطقة

طفلان نازحان في مخيم كفر لوسين قرب باب الهوا على الحدود مع تركيا أمس (أ.ف.ب)
طفلان نازحان في مخيم كفر لوسين قرب باب الهوا على الحدود مع تركيا أمس (أ.ف.ب)
TT

مصير إدلب يحسم في طهران اليوم وتوقع «عملية محدودة»

طفلان نازحان في مخيم كفر لوسين قرب باب الهوا على الحدود مع تركيا أمس (أ.ف.ب)
طفلان نازحان في مخيم كفر لوسين قرب باب الهوا على الحدود مع تركيا أمس (أ.ف.ب)

يسعى رؤساء روسيا وتركيا وإيران إلى وضع ملامح التحركات المشتركة اللاحقة في سوريا، في القمة التي تجمعهم اليوم في طهران، وهي الثالثة منذ إطلاق «مسار آستانة». وكان لقاءان مماثلان عقدا في سوتشي ثم في أنقرة على التوالي، وأرسى الرؤساء الثلاثة فيهما تقسيم مناطق النفوذ في سوريا في إطار اتفاقات مناطق خفض التصعيد التي شهدت حدودها تبدلات واسعة خلال الشهور الأخيرة، مع استكمال بسط سيطرة النظام السوري بمساعدة روسية وإيرانية على غوطة دمشق والمنطقة الجنوبية في البلاد.
وستكون منطقة خفض التصعيد الأخيرة في إدلب «عقدة» النقاشات الأساسية خلال هذه القمة، وسط تباين واسع في المواقف بين الأطراف الثلاثة، وفي حين تصر موسكو وطهران على ضرورة «حسم ملف الوجود الإرهابي» في المحافظة، لفتت مصادر روسية إلى أن أنقرة «لن تسمح بعملية عسكرية واسعة النطاق قد تنهي نفوذها في هذه المنطقة». وقالت المصادر إن تركيا تسعى إلى إقناع إيران وروسيا بأن الحسم النهائي في منطقة إدلب ليس ممكناً قبل إطلاق عملية تسوية نهائية في البلاد.
ورجحت مصادر روسية قريبة من الخارجية، أن يسعى الرؤساء الثلاثة إلى التوصل لحل وسط يقضي بتنفيذ عملية عسكرية محدودة تحرم تنظيم «جبهة النصرة» من إمكانية شن هجمات قوية على المناطق المجاورة أو على المنشآت الروسية، وبينها قاعدة «حميميم»، مع التفاهم على عدم توسيع نطاق العمليات وعدم دخول قوات النظام إلى مدينة إدلب.
تأتي هذه الترتيبات في الوقت الذي قال فيه «المرصد السوري لحقوق الإنسان والدفاع المدني»، أمس الخميس، إن ضربات جوية استهدفت أجزاء في منطقة إدلب بشمال غربي البلاد التي تعد آخر معقل رئيسي للمعارضة.
وقال «المرصد» إن طائرات حربية يعتقد أنها روسية قصفت الريف الجنوبي لإدلب وقرية في محافظة حماة القريبة. بينما قال الدفاع المدني الذي يقدم خدماته في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، إن الضربات الجوية ألحقت أضراراً بمقره في بلدة التمانعة في إدلب.
واستبق الكرملين لقاء اليوم بتأكيد أن زعماء البلدان الثلاثة سوف «يولون اهتماماً خاصاً للوضع في إدلب وموضوع القلق من وقوع استفزازات كيماوية جديدة يمكن استخدامها ذريعة لشن عملية عسكرية غربية».
وأكد مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف، أن الزعماء «سيولون اهتماماً كبيراً للوضع في منطقة خفض التصعيد بإدلب، حيث ترتكز فلول إرهابيي تنظيمي داعش وجبهة النصرة».
وزاد أن رؤساء الدول الضامنة سيبحثون «مسألة إعداد تمثيليات عديدة من شأنها اتهام دمشق باستخدام السلاح الكيماوي»، فضلاً عن بحث الجهود الهادفة إلى تطبيق مقررات مؤتمر الحوار الوطني السوري المنعقد في يناير (كانون الثاني) الماضي بمدينة سوتشي، وفي المقام الأول إطلاق عمل اللجنة الدستورية في جنيف.
وأوضح أوشاكوف أن المناقشات ستتخذ نطاقاً أوسع، بعد الاتفاق على التحرك المطلوب في إدلب، مشيراً إلى أن «جدول أعمال القمة يتضمن بحثاً شاملاً للتطورات في سوريا وإجراءات التسوية الطويلة الأمد وخطوات محددة لمكافحة الإرهاب ومسائل متعلقة بإعادة الحياة إلى مسارها الطبيعي».
ولفت المسؤول الروسي إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين سيعقد على هامش القمة لقاءات ثنائية مع كل من نظيره الإيراني حسن روحاني والمرشد الأعلى في إيران علي خامئني، فضلاً عن محادثات ثنائية يجريها مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
علماً بأن رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني الذي يزور موسكو حالياً، قال أمس، بعد لقاءات أجراها في مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، إنه يأمل في «أن يتوصل رؤساء روسيا وتركيا وإيران لاتفاق نهائي بشأن منطقة إدلب»، في إشارة إلى الموقف الإيراني الذي يسعى لإنهاء هذا الملف في إطار تفاهمات القمة الثلاثية.
إلى ذلك، لفت أوشاكوف إلى مساعٍ يقوم بها الكرملين لتقريب مواقف موسكو وطهران وأنقرة في الملفات التي برزت تباينات فيها، على المستويين الميداني القصير والسياسي بعيد الأمد في سوريا.
وجاء هذا التلميح في إطار تعليق المسؤول في الكرملين عن السياسة الخارجية على تصريحات سبق أن أطلقها وزير الخارجية سيرغي لافروف، عندما أشار إلى أن الأهداف النهائية لكل من موسكو وطهران وأنقرة «ليست متطابقة بشكل كامل». وعلق أوشاكوف أن البلدان الثلاثة «تجمعها رؤية مشتركة إزاء العديد من المسائل، مما يتيح لها التعاون الفعال، في إطار آستانة، لكن بالطبع نختلف في تفاصيل ستكون مطروحة للنقاش خلال هذا الاجتماع».
ولفتت وسائل إعلام روسية إلى أن التعليقات التي صدرت عن وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين خلال الأسبوع الأخير، دلت بوضوح على أن قرار شن العملية العسكرية في إدلب قد اتخذ، وأن الأطراف تنتظر من القمة الاتفاق على حدودها وتفاصيلها وموعدها.
ونقلت صحيفة «كوميرسانت» عن مصدر دبلوماسي - عسكري بارز، أنه «يجب الاتفاق على تفاصيل العملية العسكرية، من قبل رؤساء روسيا وتركيا وإيران، في اجتماع طهران. ولا ينبغي أن تجري عمليات عسكرية مباشرة قبل ذلك».
بينما قال الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف، إن مخاوف تركيا تشكل العقدة الأساسية أمام الرؤساء الثلاث لتبني موقف مشترك، موضحاً أن «تركيا بحاجة إلى ضمانات بأن أي عملية في إدلب لن توفر مجالات للنظام للتوجه نحو شن عمليات جديدة في شمال حلب، حيث بسطت أنقرة سيطرتها خلال عمليتي (درع الفرات) و(غصن الزيتون)». وأضاف: «إذا توصلت تركيا وروسيا وإيران إلى حل وسط، فإن التركيز في العملية سيكون على (جبهة النصرة)، ومن موقف موحد».
على صعيد آخر، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن سوريا ستستضيف مؤتمراً دولياً وصفته بأنه سيكون «تاريخياً» حول قضية اللاجئين السوريين، موضحة أن الدعوات ستوجه للمشاركة إلى الأمم المتحدة وعدد من البلدان المعنية.
وأوضح المسؤول في وزارة الدفاع عن مركز إعادة اللاجئين ميخائيل ميزينتسيف، أن عقد هذا المؤتمر سيمكن من جمع سفراء حسن النية من الدول التي استقبلت اللاجئين السوريين حول طاولة واحدة، وأعرب عن أمل «في أن تشارك كل الدول والمؤسسات الدولية، خصوصاً هيئات الأمم المتحدة، بصورة مباشرة في هذه الفعالية التاريخية حقاً بالنسبة إلى سوريا». من دون أن يحدد موعد للمؤتمر المقترح أو مكان انعقاده.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».