ترمب يشكر كيم ويجدد ثقته بنجاح المحادثات

بومبيو تحدث عن «قدر هائل من العمل» أمام بيونغ يانغ

TT

ترمب يشكر كيم ويجدد ثقته بنجاح المحادثات

أثنى الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وشكره على «ثقته الثابتة»، فيما رحب وزير الخارجية الأميركي بالالتزام الكوري محذّرا من الطريق الطويلة التي ينبغي على بيونغ يانغ سلكها.
وبرز اختلاف النبرة بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية قبل أيام من قمة مرتقبة بين كيم والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، وعقب تعثّر مسار المحادثات بين واشنطن وبيونغ يانغ.
وبعد ثلاثة أشهر تقريبا على قمته مع الزعيم الكوري الشمالي في سنغافورة والحصول على التزام بنزع السلاح النووي، شكر ترمب كيم على ثقته به في تغريدة مختصرة على «تويتر». وكتب أن كيم جونغ أون «يعلن ثقته التي لا تتزعزع بالرئيس ترمب. شكراً للرئيس كيم. سنحقق الهدف معاً!».
وفي وقت سابق أمس، جدد كيم التأكيد على التزامه بإزالة الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية، كما نقلت عنه وكالة رويترز. وكان مستشار الأمن القومي الكوري الجنوبي شونغ أوي - يونغ سلم رسالة من رئيس كوريا الجنوبية مون جاي - ان إلى زعيم كوريا الشمالية في بيونغ يانغ. ونقل المبعوث الكوري الجنوبي عن الزعيم الكوري الشمالي تأكيده أنّ «ثقته بترمب لم تتغيّر» وأنه يريد نزع السلاح النووي وإنهاء العداء مع الولايات المتحدة بحلول مطلع 2021، وأضاف تشونغ: «أكد بشكل محدد أنه لم يقل أبدا أي شيء سلبي عن الرئيس ترمب».
وصرّح شونغ، وفق وكالة الصحافة الفرنسية، إن كيم «قال إن هناك صعوبات في المفاوضات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، ولكن ثقته بترمب لم تتغيّر». وأضاف شونغ أن كيم أعرب عن عزمه العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لنزع الأسلحة النووية «في الفترة الرئاسية الرسمية الأولى للرئيس ترمب».
في المقابل، عبّر بومبيو عن موقف أكثر حذرا خلال تصريحات صحافية في الهند، مرحّبا بقرار بيونغ يانغ عدم إجراء أي تجارب نووية أو صاروخية منذ يونيو (حزيران)، ولافتا في الوقت نفسه إلى أن أمام كيم الكثير من العمل ينبغي القيام به.
وقال بومبيو للصحافيين في نيودلهي إن كوريا الشمالية «هي الدولة الوحيدة التي لديها التزامات بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي». وأضاف: «سنواصل العمل معهم لتحقيق ذلك... طبقا لقرارات مجلس الأمن الدولي، ولكي يفي الرئيس كيم بالالتزام الذي قطعه للرئيس ترمب في سنغافورة في 12 يونيو». وأوضح: «هناك قدر هائل من العمل الذي يتعين القيام به. لم تحصل تجارب نووية... لم تحصل تجارب صاروخية... وهو ما نعتبره أمرا عظيما». وتدارك: «لكن مساعي إقناع الرئيس كيم القيام بالتحول الاستراتيجي الذي تحدثنا عنه، من أجل مستقبل أكثر إشراقا لشعب كوريا الشمالية، مستمرة».
تتزامن هذه التصريحات مع إعلان كوريا الجنوبية أن الرئيس مون جاي - إن سيعقد قمته الثالثة هذا العام مع الزعيم الكوري الشمالي من 18 إلى 20 سبتمبر (أيلول) في بيونغ يانغ. وخلال القمة التاريخية بين ترمب وكيم في 12 يونيو بسنغافورة، تعهد الزعيمان نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية بدون الاتفاق على التفاصيل.
واختلفت واشنطن وبيونغ يانغ منذ ذلك الحين على معنى الاتفاق وكيفية تنفيذه وجدوله الزمني. وألغى ترمب الشهر الماضي زيارة لبومبيو إلى بيونغ يانغ بعد تقارير عن إرسال كوريا الشمالية رسالة اعتبرت «عدائية» بالنسبة للرئيس الأميركي.
والشهر الماضي قال ستيفن بيغون، الموفد الأميركي الجديد إلى كوريا الشمالية، إن كيم وعد في قمة سنغافورة بـ«نزع نهائي وتام يمكن التحقق منه للسلاح النووي». لكن بيونغ يانغ نددت بأساليب «العصابات» التي اعتمدها الأميركيون في مطالبتهم بنزع كامل للأسلحة قابل للتحقق، ولا رجوع عنه. وتصر كوريا الشمالية على ضرورة رفع العقوبات المفروضة عليها أولا، قبل بدئها في نزع السلاح النووي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟