واشنطن ونيودلهي تعلنان عن مناورات عسكرية واسعة

صفقة «إس - 400» والنفط الإيراني أبرز القضايا الخلافية بين البلدين

TT

واشنطن ونيودلهي تعلنان عن مناورات عسكرية واسعة

ناقش وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ووزير الدفاع جيم ماتيس مع نظيرتيهما الهنديتين، أمس، سبل تعزيز العلاقات وتقوية التعاون بين جيشي البلدين.
وبذلت الولايات المتحدة جهوداً كبيرة لتعزيز العلاقات مع الهند في سعيها لتكوين شراكات لمواجهة تصاعد قوة الصين الاقتصادية والعسكرية في المنطقة. ومثالاً على ذلك، أعلنت وزيرة الدفاع الهندية نيرمالا سيثارامان عن خطط لإجراء تدريبات عسكرية كبيرة بين جيشي الولايات المتحدة والهند العام المقبل، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وستكون هذه التدريبات الأولى من نوعها؛ إذ إن جيشي البلدين لم يجريا سابقاً تدريبات متزامنة في الجو والبحر والبر. وقالت سيثارامان «قررنا القيام للمرة الأولى بتدريبات لثلاثة أفرع من القوات المسلحة مع الولايات المتحدة قبالة السواحل الشرقية للهند في 2019».
وشارك في المحادثات، إضافة إلى سيثارامان وبومبيو وماتيس، وزيرة الخارجية سوشما سواراج. وعقب القمة، قال بومبيو، إنها كانت قمة «خاصة جداً وتاريخية، وعلى مستوى من العلاقات لم يشهده البلدان من قبل». وبالإضافة إلى الاتفاق على إجراء تدريبات مشتركة، وقّع البلدان على «اتفاق اتصالات ومطابقة وأمن». وسيسمح هذا الاتفاق للبلدين بتبادل المعلومات العسكرية الحساسة بسرعة وأمان.
ورغم اللهجة الودية للقمة، فإن هناك الكثير من القضايا لم ينجح البلدان في الاتفاق عليها. ففي 2016، اعتبرت واشنطن الهند «شريكاً دفاعياً كبيراً»؛ وهو ما جعل من الأسهل على البلدين إبرام صفقات أسلحة. إلا أن الهند في طور وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق مع موسكو لشراء أنظمة جديدة تشتمل على صواريخ إس - 400 طويلة المدى، وصواريخ أرض جو. ولم يذكر أي من المسؤولين الأربعة مسألة صواريخ إس - 400 في حديثهم مع الصحافيين عقب القمة. ولم يرد المسؤولون على أسئلة الصحافيين.
وبموجب القوانين الأميركية الحالية، فإن دول الطرف الثالث يمكن أن تواجه عقوبات في حال تعاملت مع قطاعات الدفاع أو الاستخبارات الروسية. وفي حال إتمام صفقة صواريخ إس – 400، ألمحت الهند إلى أنها ستطلب من واشنطن إعفاءً خاصاً من العقوبات، رغم أن مسؤولاً أميركياً قال الأسبوع الماضي، إنه لا ضمانة لحصول الهند على ذلك.
وترغب الولايات المتحدة في أن تتوقف الهند عن شراء الأنظمة الروسية واقتناء الأميركية بدلاً منها. واشترت الهند بالفعل مروحيات «أباتشي» الأميركية وغيرها من المعدات العسكرية، وتتفاوض على شراء طائرات من دون طيار.
وفي إشارة واضحة إلى الصين ومبادرتها «الحزام والطريق» التي تغرق الدول النامية بالقروض لتمويل مشروعات البنى التحتية، التي تعجز هذه الدول أحياناً عن سدادها، قال بومبيو، إن الولايات المتحدة والهند ترغبان في تحقيق «الحقوق والحريات الأساسية ومنع الإكراه الاقتصادي الخارجي». وكان من المقرر سابقاً أن تجري المحادثات في أبريل (نيسان)، وبعد ذلك في يونيو (حزيران)، إلا أنه تم تأجيلها؛ ما أثار تكهنات بحدوث شرخ في العلاقات. وفي مايو (أيار)، انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي مع إيران الموقع في 2015، وقال إن على دول أخرى مثل الهند التوقف عن شراء النفط الإيراني قبل الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) أو مواجهة عقوبات أميركية. إلا أن الهند تعتمد بشكل كبير على واردات النفط الإيراني.
ويبلغ فائض التجارة الهندية مع الولايات المتحدة 25 مليار دولار، ولخفض ذلك تردد أن إدارة ترمب تضغط على الهند لاستيراد المزيد من السلع الأميركية. وطرحت واشنطن مشروع اتفاق الشهر الماضي يلزم الهند بقبول المزيد من السلع الأميركية في مجالات الطيران المدني والغاز الطبيعي، وهو ما فاجأ المسؤولين الهنود، بحسب صحيفة «هندو ديلي» أمس. وقال بومبيو «سنفكّر في إعفاءات إذا كانت ملائمة... لكن نتوقع أن يصل شراء النفط الإيراني إلى الصفر من كل البلاد، وإلا فإنه سيتم فرض عقوبات».
ومن المقرر أن يلتقي ماتيس وبومبيو رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي خلال زيارتهما. وتعهدت الهند والولايات المتحدة بتوثيق التعاون بينهما في عمليات مكافحة الإرهاب.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟