هدنة الأمم المتحدة تخوض اختبارها الأول بعد معارك طرابلس

ترحيب أميركي وغربي بالاتفاق... والسراج يدعو المواطنين للعودة إلى أعمالهم

وزراء حكومة الوفاق في مؤتمر صحافي في طرابلس أمس (الوفاق الوطني)
وزراء حكومة الوفاق في مؤتمر صحافي في طرابلس أمس (الوفاق الوطني)
TT

هدنة الأمم المتحدة تخوض اختبارها الأول بعد معارك طرابلس

وزراء حكومة الوفاق في مؤتمر صحافي في طرابلس أمس (الوفاق الوطني)
وزراء حكومة الوفاق في مؤتمر صحافي في طرابلس أمس (الوفاق الوطني)

بدأت مظاهر الاقتتال المسلح تختفي تدريجياً في العاصمة الليبية طرابلس، أمس، وساد الهدوء في المناطق التي شهدت اشتباكات عنيفة بين الميليشيات المتناحرة، بينما دعا فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، المواطنين للعودة إلى إعمالهم، خلال أول اجتماع تعقده حكومته منذ اندلاع المواجهات الأخيرة، وسط ترحيب أميركي وغربي بالهدنة التي تم التوصل إليها أول من أمس، برعاية الأمم المتحدة.
وطبقاً لآخر إحصائية قدمتها السلطات الليبية، فقد لقي 62 شخصاً مصرعهم، وأصيب 169 آخرون، بينما لا يزال 12 في عداد المفقودين، حسب بيان حكومي، نقلاً عن طارق الهمشري، مسؤول إدارة شؤون الجرحى في العاصمة طرابلس.
ورغم وقف الاقتتال فقد استمر، أمس، إغلاق مطار معيتيقة الدولي أمام حركة الطيران، لكن ميلاد معتوق، وزير المواصلات بحكومة السراج، أعلن أن استئناف حركة الملاحة الجوية بالمطار سيتم خلال يوم أو يومين على الأكثر. فيما اكتفت إدارة المطار ببيان مقتضب أكدت فيه «أنه حتى مساء أمس لا يوجد موعد محدد لعودة الرحلات، من وإلى مطار معيتيقة الدولي».
ولم ترِد أي تقارير، أمس، عن تجدد القتال، حيث تراجع إطلاق النار منذ مساء أول من أمس، لكن لم يتضح إن كانت جميع الفصائل المتحاربة قد التزمت باتفاق وقف إطلاق النار، أو كيف سيجري تنفيذ الاتفاق، خصوصاً مع تجاهل بعض المسلحين دعوات لإلقاء أسلحتهم، سبق أن وجّهتها إليهم الحكومة التي تساندها الأمم المتحدة. لكن سعد الهمالي، المتحدث باسم اللواء السابع، وهو فصيل مسلح من بلدة ترهونة (جنوبي طرابلس) هاجم العاصمة مع فصائل أخرى، أعلن أنه قَبِل وقف إطلاق النار، بينما أعلنت قوة الردع الخاصة على لسان الناطق الرسمي باسمها التزامها أيضاً بالهدنة، ما دام الطرف الآخر لم يخترقها.
ومع ذلك، فقد اشتكت شركة «البريقة» لتسويق النفط، التابعة لحكومة السراج، من تعرضها أمس لما وصفته بـ«تدخل خطير من قبل ميليشيا مسلحة في أعمالها»، مشيرة إلى أن المسؤولين والعاملين بمستودع الهاني، فوجئوا بتدخل مجموعة مسلحة تُعرف باسم «كتيبة باب تاجوراء»، واستولت عنوة على ما يقدر بنحو 840 أسطوانة غاز على الأقل، مما أجبر الشركة على إغلاق المستودع.
من جهتها، ناقشت حكومة السراج خلال اجتماع عقدته بمقرها في طرابلس، أمس، آخر تطورات الأحداث في ضواحي طرابلس، والإجراءات المتخذة لحفظ الأمن وسلامة المواطنين، وتقديم المساعدة اللازمة للنازحين من مواقع الاشتباكات، وما تم اتخاذه من تدابير لإعادة الاستقرار في هذه المناطق.
وقال بيان للحكومة، نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك»، إنه في مستهلّ الاجتماع وقف الحاضرون دقيقة صمت ترحماً على أرواح الضحايا، الذين سقطوا في الأحداث الأخيرة بجنوب طرابلس، وأوضحت أن مجلسها الرئاسي أُحيط بالقرارات التي اتخذها السراج، بصفته القائد الأعلى للجيش، بشأن الأعمال القتالية التي جرت الأيام الماضية، مشيراً إلى أن المجلس اتخذ قرارات تتعلق بإجراءات الأمن وحماية المواطنين بمناطق الأحداث.
بدوره، رأى عبد السلام عاشور، وزير الداخلية في حكومة السراج، أن الأوضاع الأمنية داخل العاصمة في تحسّن مستمر، وذلك بعد تفعيل البوابات والتمركزات الأمنية التابعة لمديريات الأمن والأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية. وأكد لدى اجتماعه مع رئيس الغرفة الأمنية المشتركة لتأمين طرابلس الكبرى، بحضور رؤساء الأجهزة الأمنية والهيئات والإدارات ومديري الأمن بالمناطق التابعين لوزارة الداخلية، على الدعم الكبير لمديرية أمن طرابلس، ومدها بالأعضاء والآليات للزيادة من رفع كفاءتها، ودفع جهودها لزيادة بسط الأمن داخل المدينة، وتفعيل الخطة الأمنية التي وضعتها الوزارة لنشر التمركزات والبوابات الأمنية.
كما أكد عاشور ابتعاد الشرطة عن التجاذبات السياسية، والقيام فقط بدورها الأصيل في حماية المواطن، والحفاظ على سلامته وسلامة الممتلكات العامة منها والخاصة.
من جانبه، اعتبر المتحدث الرسمي للاتحاد الأوروبي، أن اتفاق وقف إطلاق النار بين عدة مجموعات، تحت رعاية غسان سلامة رئيس البعثة الأممية، يعد «خطوة مرحباً بها، ومن شأنها أن تؤدي إلى إطفاء أعمال العنف، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى التهدئة في طرابلس وما حولها». داعياً في بيان له أمس، وزّعته البعثة الأوروبية، جميع الأطراف المعنية إلى الاحترام الكامل للاتفاق، وتنفيذ جميع شروطه بروح التوافق لمصلحة الشعب الليبي، مشدداً على أن الليبيين يستحقون العيش في سلام واستقرار.
وكانت حكومات فرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة قد رحبت بنتيجة الوساطة، التي توصلت إليها بعثة الأمم المتحدة في طرابلس بهدف خفض التصعيد في طرابلس والمناطق المحيطة بها، وضمان حماية المدنيين.
وسبق أن أعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة في طرابلس، يستهدف إنهاء جميع الأعمال العدائية وحماية المدنيين، وصون الممتلكات العامة والخاصة، بالإضافة إلى إعادة فتح مطار معيتيقة في طرابلس.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.