تونس: الشاهد يجهز قائمة وزراء جدد لتعويض استقالة «النداء»

بعد تهديد الحزب بسحب ممثليه في الحكومة

TT

تونس: الشاهد يجهز قائمة وزراء جدد لتعويض استقالة «النداء»

تغاضى حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحزب النداء التونسي، عن الشرط الذي طالبت به حركة النهضة، والقاضي بإلزام رئيس الحكومة يوسف الشاهد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وتمسك في المقابل بضرورة إحداث تغيير شامل للحكومة، اعتبارا للنتائج «المحدودة» التي حققتها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما يمثل خطرا على مستقبل البلاد، على حد تعبيره. وقال إن «حزب النداء لا يهمه إن كان رئيس الحكومة الحالي سيلتزم بعدم الترشح للاستحقاقات الانتخابية المقبلة من عدمه».
وحسب عدد من المراقبين، فإن هذا الموقف يترجم اختلافا بين حركة النهضة وحزب النداء حول مصير حكومة الشاهد. ففي حين اشترطت حركة النهضة عدم ترشح الشاهد لانتخابات 2019 لبقائه في الحكم، طالب حزب النداء بضرورة تغيير الحكومة برمتها، بصرف النظر عن شرط عدم الترشح، وهدد بسحب الوزراء الذين يمثلونه في الحكومة، وهو ما أدى إلى تسريب سيناريوهات قد يلجأ لها رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، في حال إقدام وزراء حزب النداء على الاستقالة الجماعية.
وفي هذا الشأن، قال رياض عزيز، وهو قيادي سابق في حزب النداء، إن رئيس الحكومة «استعد جيدا لفخ استقالة وزراء (النداء) من الحكومة، حيث سعى خلال الآونة الأخيرة إلى تجميع عدد من السير الذاتية لتعويض أي ممثل عن حزب النداء في الحكومة». مؤكدا في هذا السياق وجود ثلاثة أسماء مطروحة لتعويض أي وزير من «النداء»، وأن الشاهد مطالب بأن يختار الشخصية المناسبة في غضون 72 ساعة على أقصى تقدير لو تم هذا السيناريو.
وفي الجانب المقابل، أكد خالد شوكات، وهو أيضا قيادي بارز في حزب النداء، أن هناك عدة أسماء مطروحة لتعويض يوسف الشاهد في حال تقديم استقالته. وكشف عن وجود خمسة أسماء، على الأقل، مطروحة لتولي منصب رئاسة الحكومة المقبلة، وهي كلها من القيادات المنتمية لحزب النداء، الذي لن يجد مشكلات على مستوى تعويض الشاهد، حسب تعبيره. وكان الشاهد قد اتخذ قرار إعفاء خالد قدور، وزير الطاقة والمناجم، ونجل أحد القيادات النقابية التاريخية في اتحاد الشغل، وهاشم الحميدي، وزير الدولة المكلف المناجم (ينتمي إلى حزب النداء)، بالإضافة إلى عدد آخر من كبار المسؤولين في قطاع المحروقات، بعد اتهامهم بالفساد إثر الكشف عن استمرار استغلال حقل نفطي بترخيص تنتهي صلاحيته سنة 2009؛ لكن هذه القرارات أغضبت القيادات النقابية التي قررت تنفيذ إضراب عام في القطاع العام، كما أغضبت حزب النداء، الذي رأى أن شعبيته قد تتأثر نتيجة هذه الاتهامات. وهذان الطرفان يعدان من بين الأطراف السياسية والاجتماعية المشاركة في «وثيقة قرطاج 2»، التي تمسكت طوال مدة المفاوضات السياسية بضرورة إجراء تغيير شامل للحكومة، بما في ذلك رئيسها يوسف الشاهد.
على صعيد متصل، كشف عامر العريض، القيادي في حركة النهضة، عن سعي راشد الغنوشي، رئيس الحركة، لطرح مبادرة سياسية جديدة هدفها «جمع الأفرقاء حول اتفاق سياسي ببنود مختلفة»، وذلك في إشارة إلى مشاورات «وثيقة قرطاج 2»، التي أمر رئيس الجمهورية بتعليق اجتماعاتها في 28 من مايو (أيار) الماضي، بعد بروز خلافات سياسية حادة حول مصير يوسف الشاهد وحكومته.
وأوضح العريض أن الغاية من هذه المبادرة «ضمان استقرار الحكومة، واستمرار عملها مع تعديل جزئي على تركيبتها، اعتمادا على سياسة التوافق السياسي، الذي اعتمدها كل من حزب النداء وحركة النهضة، لحل الخلافات وتجاوز الأزمات السياسية».
ووفق مصادر مقربة من حركة النهضة، فإن الحزب الإسلامي يعمل بالأساس على ضمان التزام جماعي بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المحدد في السنة المقبلة، ويرفض دعوات التأجيل الصادرة عن بعض الأحزاب السياسية المعارضة، أو تلك التي لها حسابات سياسية ضيقة. وكان الرئيس الباجي قائد السبسي قد اجتمع يوم الاثنين الماضي بالقصر الرئاسي في قرطاج مع راشد الغنوشي، وصرح عقب اللقاء بأن تونس «لا تزال في حاجة إلى التوافق السياسي. وقد عملت على أن آخذ فرصة أخرى لتجديد العمل بالتوافق، ولتفعيل هذه المنهجيّة في حلّ مشكلات البلاد».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.