تمسك سلام بمبدأ «التوافق» يشل حكومته بعد 52 يوما على شغور الرئاسة اللبنانية

وزير الإعلام اللبناني لـ «الشرق الأوسط»: جهات سياسية تحقق مكاسب باستخدام ورقة الإجماع

تمسك سلام بمبدأ «التوافق» يشل حكومته بعد 52 يوما على شغور الرئاسة اللبنانية
TT

تمسك سلام بمبدأ «التوافق» يشل حكومته بعد 52 يوما على شغور الرئاسة اللبنانية

تمسك سلام بمبدأ «التوافق» يشل حكومته بعد 52 يوما على شغور الرئاسة اللبنانية

عاد التعطيل ليهدد عمل الحكومة اللبنانية التي تسلمت منذ 52 يوما صلاحيات رئاسة الجمهورية، بعدما بات مبدأ التوافق على القرارات يتيح لأي وزير إعاقة تقدم أي ملف، وهو ما سيترجم هذا الأسبوع بتعليق انعقاد جلسة مجلس الوزراء، في انتظار تبلور حلول لملفي الجامعة اللبنانية و«سلسلة الرتب والرواتب» التي سيؤدي إقرارها إلى زيادة أجور موظفي القطاع العام.
وأجمع رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس المجلس النيابي نبيه بري في أكثر من تصريح صحافي على أن الحكومة باتت بحكم الـ«مكبّلة» بعدما أصبح كل وزير فيها قادرا على تعطيل عملها مستغلا معادلة «التوافق الإلزامي».
وكان مجلس الوزراء أجمع الشهر الماضي وبعد سلسلة من الاجتماعات لتحديد آلية عمله بعد تعذر انتخاب رئيس للجمهورية على «إدارة الفراغ الرئاسي بالتوافق»، أي تحاشي اللجوء للتصويت لاتخاذ القرارات وتأجيل البحث بالملفات التي تُعد خلافية.
ويبدو أن سلام لا يزال متمسكا بهذه الآلية رغم «استغلالها من بعض الجهات السياسية لتحقيق مآرب معينة»، وهو ما أبلغته مصادره لـ«الشرق الأوسط»، لافتة إلى أنّه «حتى الساعة لا جلسة مرتقبة للحكومة بانتظار تبلور تفاهمات حول الملفات الخلافية».
وقالت المصادر إن «رئيس الحكومة مصر على وجوب إدارة المرحلة بالتوافق والتفاهم باعتبار أن اللجوء للتصويت على بعض القرارات قد يثير حساسيات معينة نحن بغنى عنها في هذه المرحلة»، لافتة إلى «سلسلة لقاءات يعقدها سلام بمسعى لحلحلة الإشكال القائم وحرصا على عدم تجدده في الجلسات المقبلة».
وتفاقم الخلاف حول ملف الجامعة اللبنانية في الجلسة الحكومية الأخيرة التي انعقدت الأسبوع الماضي، بعدما اختلف وزير التربية المحسوب على التيار الوطني الحر إلياس أبو صعب مع وزير العمل المحسوب على حزب الكتائب سجعان قزي حول كيفية توزيع الحصص السياسية.
ويستمر الإشكال في قضية «سلسلة الرتب والرواتب» حول تأمين مصادر التمويل ورفض بعض القوى السياسية التشريع في غياب رئيس للجمهورية، وبالتالي تعطيل إقرار القوانين المطلوبة للسير بها.
وعد وزير الإعلام رمزي جريج أن آلية عمل الحكومة التي تقول بالتوافق على كل الملفات «اعتمدت لتحقيق المصلحة العامة وليس بهدف التعطيل»، منتقدا «مساعي جهات سياسية لتحقيق مصالح حزبية مستخدمة ورقة الإجماع».
وشدّد جريج في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «تعطيل عمل مجلس الوزراء لن يؤدي لتسريع عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية المتعثرة من 25 مايو (أيار) الماضي، بل سيعطل شؤون اللبنانيين ويشل البلد اقتصاديا وإداريا». وأضاف: «الرئيس سلام تماما كمعظم الوزراء يعون تماما أنه لا إمكانية لممارسة العمل الحكومي كأن رئيس الجمهورية، رأس البلاد وحامي الدستوري، موجود، لكنّهم بالوقت عينهم يصرون على وجوب تفادي دخول البلاد في شلل عام قد تكون انعكاساته غير قابلة على الاستيعاب». ويتيح الدستور اللبناني لمجلس الوزراء الحالي والذي يُعد مكتمل الصلاحيات باعتباره حائزا على ثقة مجلس النواب الاستمرار بممارسة هذه الصلاحيات إضافة إلى صلاحيات رئيس الجمهورية بعد شغور سدة الرئاسة، وفقا للآلية الملحوظة في المادة 65 من الدستور، أي بوجوب التصويت بثلثي عدد وزرائه على المواضيع الاستراتيجية والأساسية، والنصف زائدا واحدا على المواضيع العادية. إلا أنه ونظرا لدقة المرحلة ارتأت الحكومة مجتمعة التوافق على القرارات قبل اتخاذها وإحالة الملفات الخلافية إلى الحكومة الجديدة التي ستشكل بعد انتخاب رئيس، لضمان عدم شل السلطة التنفيذية. وتحولت الاجتماعات في السراي الحكومي أمس إلى ما يشبه اجتماعات مفتوحة لإيجاد حل للأزمة الحكومية كي لا تتفاقم. واستقبل الرئيس سلام عددا من الوزراء المعنيين الذين أجمعوا على رغبة كتلهم السياسية في إلا تلعب دور المعطّل. وأكد الوزير أبو صعب للصحافيين في السراي بعد لقائه سلام أن لا نية لدى تكتل «التغيير والإصلاح» الذي يتزعمه النائب ميشال عون بتعطيل عمل مجلس الوزراء، موضحا أنّه نقل إلى رئيس الحكومة وجهة نظر التكتل مما جرى في آخر جلسة لمجلس الوزراء. وقال: «نحن لنا كل الثقة بإدارة الرئيس سلام للملفات في هذا الوضع الصعب الذي نمر به، كما لدينا اقتناع بأن حكمته هي التي تحافظ على استقرار الوضع، فبحكمته ومواقفه ينقذ كل الأمور».
بدوره، نبّه وزير التنمية للشؤون الإدارية نبيل دوفريج، المحسوب على تيار «المستقبل» بعد لقائه سلام إلى أنه في حال استمر العمل الحكومي معطلا فـ«الوضع في البلد سيكون على كف عفريت، سواء بالنسبة إلى الخطة الأمنية أو الوضع في طرابلس والجنوب»، مشددا على أن «كل الملفات تحتاج إلى تضامن، وكلنا يجب أن نتحمل المسؤولية». وهو ما أكّده أيضا وزير الاقتصاد، المحسوب على حزب «الكتائب» آلان حكيم بعد لقائه سلام، مشددا على أن «لا مشكلة لدينا لجهة عمل مجلس الوزراء، ولا نية لدينا لا للتعطيل ولا لشل عمل الحكومة، ونحن على تعاون تام مع الرئيس سلام». وعدت وزيرة شؤون المهجرين أليس شبطيني في حديث إذاعي أنه «إذا كان هناك حسن نية لا مانع من عودة الاتفاق لضبط التجاذب السياسي، بعد الجدل الذي أدى إلى توقيف عمل مجلس الوزراء»، مشيرة إلى «أن آلية العمل التي اعتمدت ليست آلية جامدة».
وعن إمكان عقد جلسة لمجلس الوزراء، قالت شبطيني: «وصلني بالتواتر أنه لا اتفاق لعقد جلسة هذا الأسبوع».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.