36% انخفاض قيمة الصفقات العقارية السعودية منذ بداية العام الحالي

سجل القطاع العقاري السعودي منذ بداية العام وحتى نهاية أغسطس (آب) المنصرم انخفاضاً في إجمالي قيمة الصفقات بنسبة قاربت الـ35.8 في المائة، لتستقر قيمة الصفقات العقارية عند 23 مليار دولار، مقارنة بنحو 36 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، ويتضح ذلك من خلال المؤشرات العقارية انخفاض كافة الأنشطة بلا استثناء مع الاختلاف في نسبها، إلا أن هذا النزول يأتي امتداداً لما يحدث في السوق خلال السنوات الأربع الأخيرة التي بدأت حركة السوق تسير بشكل عكسي لتحقق نزولاً متتالياً في قيمة الصفقات وعددها.
وألقت رسوم الأراضي وضريبة القيمة المضافة بظلالها على المشهد العقاري العام من ناحية القيمة والعرض والطلب، مدفوعة بالمستويات المنخفضة أيضاً في الطلب على القطاع التجاري منها، الذي طالما كان بعيداً عن الانخفاضات السوقية حتى بداية العام الماضي، حيث كان محافظاً على مستويات جيدة مقارنة بالسكني الذي تتفاوت حركته اهتزازاً بشكل دوري، كما أن لدخول وزارة الإسكان دوراً كبيراً في الضغط نحو الاتجاه الصحيح عبر فرض التشريعات التقييدية ودخولها مطوراً غير ربحي عبر برنامج «سكني» تحديداً الذي ظل منتظماً في دفعاته للعام الثاني على التوالي.
وأكدت رنا الرميان، المدير العام لشركة مستقبل البناء للتطوير العقاري، أن انخفاض قيمة الصفقات متناقص بشكل سنوي منذ عام 2014 الذي يعتبر الأقوى على الإطلاق، خصوصاً في العقد الأخير، حيث إن الحديث عن انخفاض قيمة الصفقات لا يعتبر جديداً، بل إنه متزايد من عام إلى آخر بانتظار انخفاض مناسب للأسعار بعد موجة التضخم التي ضربت السوق خلال السنوات الأخيرة، وبدأ بشكل تدريجي الانحسار، ويتضح ذلك جلياً في الجدول الدوري لأسعار المناطق والمدن في جميع الأنشطة العقارية، وخصوصاً الأراضي التي تأثرت بشكل كبير.
وأضافت الرميان بأن السوق تشهد نزولاً ملحوظاً في الأسعار تماشياً مع الطلب لمستويات معقولة ومغرية، خصوصاُ أن السوق بدأت فعلياً في دفع فواتير الرسوم، وهو القرار الذي يشهد زخماً كبيراً في السوق والأسعار وقتياً بدليل تسييل كميات كبيرة من الأراضي الفترة الماضية، إلا أن ما يميز هذا الفترة أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في القيمة، رغم أنه غير مكافئ للانخفاض في الطلب؛ مما يوحي بأن هناك انخفاضات مقبلة في القيمة بعد أكبر سلسلة ارتفاعات شهدها القطاع العقاري السعودي، لافتاً بأن ما يحدث الآن ما هو إلا تصحيح للوضع العقاري الذي بدأت ملامح السيطرة عليه تتضح.
وجاء الانخفاض بنسبة أكبر على حساب قيمة صفقات القطاع التجاري، التي سجلت انخفاضاً سنوياً وصلت نسبته إلى 46.0 في المائة، لتستقر بنهاية الفترة عند مستوى 6 مليارات دولار، مقارنة بنحو 12 مليار دولار المسجلة بنهاية الفترة نفسها من العام الماضي. في حين سجلت قيمة صفقات القطاع السكني انخفاضاً سنوياً بلغت بنسبة 30.5 في المائة، واستقرّت بنهاية الفترة عند مستوى 16 مليار دولار، مقارنة بنحو 24 مليار دولار المسجلة بنهاية الفترة نفسها من العام الماضي.
وفي صلب الموضوع، أشار عبد المحسن المهنا، الذي يدير عدداً من الاستثمارات العقارية فيما يخص الوحدات السكنية الجاهزة، إلى أن فقد السوق لما يلامس الـ36 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، معدل كبير يحتاج إلى تدعيم أكبر من ناحية انخفاض ملائم للسعر، ورغم سعي الدولة إلى احتواء الأسعار وإعادتها إلى ما كانت عليه عبر سن التشريعات التي تدعو إلى ذلك، إلا أن الحلقة المفقودة تتمثل في ارتفاع أسعار العقار إلى مستويات كبيرة؛ مما يعكس الحال في السوق التي تعيش أياماً عصيبة في ظل شح السيولة لدى المشترين، خصوصاً للقطاع السكني الذي يعيش أياماً عصيبة في ظل عدم وضوح الرؤية، بانتظار ما تفضي إليه الرسوم عبر انخفاض حقيقي في الأسعار، وبالتالي التمكن من الشراء، وأن المشكلة الحقيقية تكمن في الفجوة بين قدرة المشتري وسعر البائع، وهو ما تحاول الدولة إيجاد توافق فيه بطرق مختلفة.
وزاد المهنا «أن الحديث عن فتح خيارات تمويل سواء كانت حكومية أم غير حكومية غير مجدٍ في هذا التوقيت بالذات في ظل ارتفاع أسعار العقار لأكثر من قيمتها الحقيقية رغم انخفاضها منذ نهاية العام قبل الماضي، فإنها ليست ملائمة لحال السوق والمعدلات الحقيقية للطلب المرتبط بالشراء»، ولفت إلى أن الانخفاض جاء بعد توقف الطلب أو تقلصه إلى حد كبير بضغط من الواقع الذي يعجز المستثمرون على تطويره والسيطرة عليه لتحريك السوق وفتح جبهات استثمارية جديدة، تمكنهم من جني الأرباح بشكل مضاعف، وهو ما لا سيحدث في حال استمرار الأسعار مرتفعة.
وبالإضافة إلى ذلك، أشار التقرير الصادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي في نشرته النقدية الأخيرة في يوليو (تموز) الماضي، إلى تباطؤ نمو القروض الربع سنوي، حيث وصل معدل نموها السنوي إلى 2.7 في المائة، مقارنة بنموها للفترة نفسها من العام الماضي بمعدل 13.0 في المائة، ويعزى تباطؤ نمو القروض العقارية المصروفة من البنوك ومؤسسات التمويل إلى انخفاض نمو القروض العقارية المصروفة لصالح الشركات بنسبة سنوية تراوحت بين 6 و8 في المائة.
من جهته، أشار أحمد الدريس، الذي يدير شركة مستقبل بناء العقارية، بأن الضغوطات ترمي إلى خفض الأسعار لتكون في متناول الجميع وهو ما يحصل الآن، ورغم عدم ملاءمة الأسعار إلى حد كبير مع قدرات المشترين، فإنه يعتبر أن هناك تفاؤلاً نحو واقع جديد، يفتح فرضية وقوع المزيد من الانخفاضات خلال الفترة المقبلة في ظل تبلور الأسباب المؤدية إلى ذلك، مبيناً بأن التوجه للتمويلات العقارية لن يكون مجدياً، خصوصاً أن جوهر الحركة يكمن في قيمة العقار التي تعتبر مرتفعة وأكبر من قدرة شريحة كبيرة من الراغبين في التملك، وبأن الانخفاض الملحوظ في إطلاق المشروعات التجارية التي باتت محدودة بشكل ملحوظ يعكس حال السوق.
وأضاف الدريس بأن المستثمرين العقاريين الآن يعيدون النظر في أسعار ما يمتلكونه أو يعرضونه من عقارات بعد انخفاض الطلب لمستويات كبيرة، مبيناً أن المواطنين يتريثون بالشراء في الوقت الحالي لحين البت فيما ستفضي إليه الخطوات الحكومية المقبلة التي باتت تفاجئ المستثمرين وتسحب البساط من تحت أرجلهم، وأن العمليات الحكومية الأخيرة ستثري بشكل كبير في ميزان العرض الذي يعيش تناقصاً كبيراً بالنسبة للطلب الذي يفوق قدرة الجميع.