«اللواء السابع» يعلن «انقلاباً عسكرياً» على «نظام الميليشيات» في طرابلس

استمر أمس، التدهور الأمني والعسكري في العاصمة الليبية طرابلس، التي تواصلت فيها أيضا المعارك العنيفة وحرب الشوارع بين ميليشياتها المسلحة لليوم السابع على التوالي. وأعلن «اللواء السابع» القادم من ترهونة ما يشبه الانقلاب العسكري، وسعى إلى طمأنة المواطنين، ومغازلة البعثات الدبلوماسية الأجنبية. لكن السفارة الإيطالية وهي السفارة الأجنبية الوحيدة في طرابلس بادرت إلى الطلب من دبلوماسييها ومواطنيها الذين يعملون في «إيني» وشركات أخرى، مغادرة العاصمة بسبب تردي الوضع الأمني.
وبعد ساعات من إعلانها حالة الطوارئ في العاصمة، حجبت السلطات موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي الذي يقبل الليبيون عليه بكثافة، وذلك في إطار تدابير تعتيم على أخبار المعارك التي تردد أنها طاولت محيط مقر حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج في طريق السكة، ما أجبره على الانتقال إلى مقر القاعدة البحرية في المدينة. ونفى مسؤول في حكومة السراج، تقارير محلية على وقوع إطلاق نار داخل مقر الحكومة بسبب «مشادات كلامية بين أعضاء من الحرس الرئاسي»، فيما نقلت تقارير عن شهود هجوم عدد من المسلحين على المقر ووقوع اشتباك مع قوات الحراسة.
وبعد فرار نحو 400 معتقل من سجن عين زارة (جنوب) تواترت أنباء عن أعمال سلب ونهب في بعض ضواحي المدينة خلال المواجهات الدامية بين الميليشيات المتصارعة.
وقال مجلس النواب الليبي في بيان مقتضب تلاه عبد الله بليحق، الناطق الرسمي باسمه، إنه بسبب اشتباكات طرابلس وعدم تمكن عدد من النواب من الحضور إلى مقر المجلس في مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي، تم تأجيل الجلسة التي كان يفترض أن تناقش أمس تعديل الإعلان الدستوري إلى الأسبوع المقبل.
ودفعت هذا التطورات، بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إلى الإعلان بشكل مفاجئ عن إجراء ما وصفته بحوار عاجل وموسع حول الأوضاع الأمنية الراهنة في المدينة، يضم مختلف الأطراف المعنية، كان يفترض أن يعقد ظهر أمس في مكان قالت إنها ستعلن عنه لاحقاً.
ولفتت البعثة في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس، إلى أن الاجتماع يعقد استناداً إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وإلى عرض الأمين العام للأمم المتحدة بالتوسط بين مختلف الفرقاء الليبيين، وبالاستناد إلى مطالبة مختلف الفرقاء، بما فيها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً.

عشرات القتلى والجرحى
وارتفعت أمس حصيلة ضحايا الاشتباكات الحاصلة في ضواحي طرابلس إلى 41 قتيلاً و128 جريحاً، إضافة إلى 8 مفقودين، بحسب ما أعلنه المستشفى الميداني التابع لإدارة شؤون الجرحى الذي جدد بدوره، مناشدة وزارة الصحة والمنظمات الإنسانية التدخل والمساعدة في تمكين جهاز الإسعاف من نقل المصابين والعائلات العالقة داخل مناطق العمليات العسكرية وإغاثة المواطنين وإمدادهم بالمؤن وتوفير أماكن لإيواء النازحين من مواقع الاشتباكات.
واستجابت وزارة الداخلية بحكومة السراج إلى مطالب «اللواء السابع» الذي دعا في بيان تلاه الناطق الرسمي باسمه عبد السلام عاشور وزير الداخلية في الحكومة إلى ممارسة مسؤوليته والإيعاز للأجهزة الأمنية لممارسة المهام المناطة بها وفقا للقانون.
ودعت الوزارة المواطنين إلى الابتعاد عن مناطق الاشتباكات، والإقلال من حركتهم داخل هذه المناطق التي تفتقر لوجود عناصر الأمن داخلها، ريثما تتم هذه الترتيبات وتنجز هذه التكليفات.
وكان أحمد معيتيق نائب السراج بحث لدى لقائه مع وزير الداخلية عبد السلام عاشور، الوضع الأمني في العاصمة وضواحيها. وأشار بيان حكومي إلى أن عاشور استعرض الإجراءات والقرارات والتدابير التي اتخذتها الوزارة لاستتباب الأمن حفاظاً على سلامة المواطنين.
وقبل الكشف عن هذا الاجتماع أعلنت حكومة السراج حالة الطوارئ الأمنية في العاصمة طرابلس وضواحيها على خلفية تصاعد حدة المعارك التي تشهدها بين فصائل مسلحة منذ نحو أسبوع.
وأعلن «اللواء السابع» الذي تنكر حكومة السراج تبعيته لها، تقدم قواته بخطى ثابتة نحو العاصمة، داعيا كل الأجهزة الأمنية إلى التواجد في مقار عملها وممارسة مهامها في المناطق المكلفة بها.
وبعدما اعتبر أن هناك فرصة لتلك الأجهزة بعد دحر الميليشيات التي كانت تهيمن على المشهد وتبتز المواطن، دعا في بيان تلاه الناطق الرسمي باسمه، عبد السلام عاشور وزير الداخلية في الحكومة لممارسة كل مسؤوليته والإيعاز للأجهزة الأمنية لممارسة المهام المناطة بها وفقا للقانون.
وفيما بدا أنه بمثابة انقلاب عسكري، قال: «اللواء السابع» إنه «يطمئن أهلنا في مدينة طرابلس وجميع المؤسسات السيادية والبعثات الدبلوماسية إلى أن هذا العمل يستهدف حماية المؤسسات السيادية والخدمية، وتخليصها من كماشة الميليشيات ويهيئ المناخ المناسب للجهود الدولية في إنجاز عملها على الأرض»، موضحاً أن مشروعه هو تفعيل المؤسسات الرقابية والنيابية ومؤسستي الجيش والشرطة.

إجلاء الإيطاليين
وعلى الرغم من هذه التطمينات، فقد أعلنت الخارجية الإيطالية عن خفض عدد دبلوماسييها في طرابلس، ونقلت وكالة «إكي» الإيطالية للأنباء عن مصادر دبلوماسية في روما أن «الأفراد غير الضروريين لضمان تشغيل السفارة في طرابلس، يعودون إلى إيطاليا في الوقت الراهن».
واعتبرت المصادر أن هذا الإجراء هو «إحدى نتائج تدهور الوضع الأمني في العاصمة الليبية»، لكنها أشارت إلى أن السفارة «لا تزال تعمل في ظل مرونة أكبر في حضور كادرها»، الذي «يجري تقييمه على أساس متطلبات الوضع الأمني في طرابلس».
وكان دبلوماسيون ووسائل إعلام محلية قد أعلنوا أن إيطاليا أجلت 18 موظفاً من سفارتها في طرابلس بحراً إلى حقل البوري البحري النفطي ومنه عبر مروحية إلى إيطاليا.
ومنذ يوم الأحد الماضي تشهد طرابلس اشتباكات مسلحة بين اللواء السابع القادم من مدينة ترهونة المجاورة والتابع لوزارة الدفاع بحكومة السراج وكتيبتي «ثوار طرابلس» و«الردع الخاص - أبو سليم» التابعين لوزارة الداخلية في الحكومة نفسها.
ووصفت حكومة السراج «اللواء السابع» بأنه مجموعة مسلحة خارجة عن القانون، مشيرة إلى حله بقرار رسمي منذ فترة.
شهد سجن عين زارة في جنوب طرابلس حالة هروب جماعي، حيث أعلن جهاز الشرطة القضائية عن فرار نحو 400 نزيل إثر حدوث حالة تمرد بين صفوف نزلاء مؤسسة الإصلاح والتأهيل عين زارة (أ) نظراً لارتفاع أصوات الأسلحة جراء الاشتباكات الحاصلة بمحيط المؤسسة بمنطقة عين زارة. وقال الجهاز إن السجناء الفارين تمكنوا من خلع الأبواب والخروج، مما اضطر أعضاء الحماية بالمؤسسة للسماح لهم بذلك تجنباً لإزهاق أرواحهم، مشيرا إلى أنه يجرى حالياً التثبت من أعداد النزلاء الفارين من المؤسسة.
لكنه نفى تسجيل أي حالة هروب من سجن مؤسسة الإصلاح والتأهيل عين زارة (ب) الرويمي سابقاً. وأكد أن الوضع تحت السيطرة الأمنية التامة، بينما طمأنت إدارة السجن أهالي النزلاء بأن الأوضاع الأمنية جيدة جداً ولم تحدث أي خروقات أمنية.
وكانت الأمم المتحدة قد أدانت تصاعد العنف الذي طال الآن عدة مناطق سكنية في طرابلس، حيث تشير التقارير الأخيرة إلى مقتل 14 مدنياً، بينهم أربعة أطفال، وإصابة أكثر من 100 آخرين بجروح، وفقاً لبيان أصدرته منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في ليبيا، ماريا ريبيرو.
وأوضحت أن العائلات في طرابلس تعيش في حالة من الخوف بسبب القصف العشوائي الذي يضرب أحياءها من بعيد دون معرفة من يقف وراء هذه الهجمات ومن أين تأتي، لافتة إلى أن أعمال العنف تجبر العائلات على الفرار من منازلها فيما تسبب العنف في إلحاق الضرر بأحد المرافق الطبية.
وأعربت الأمم المتحدة أيضاً عن قلقها إزاء سلامة النازحين داخلياً واللاجئين والمهاجرين في طرابلس، وقالت إنها تعمل بالتنسيق الوثيق مع السلطات على توفير المساعدة الإنسانية حيثما دعت الحاجة.
وتداعى أعيان ومشايخ المنطقة الغربية إلى اجتماع كبير في غريان (جنوب طرابلس) أمس، للبحث في تثبيت وقف النار والتوفيق بين مواقف أطراف النزاع.

مناشدة روسية
ودخلت روسيا، على الخط أمس للمرة الأولى، حيث دعت أطراف النزاع في ليبيا إلى وقف العمليات القتالية والحيلولة دون انزلاق البلاد نحو الفوضى. وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان لها، إن «موسكو تراقب عن كثب التطورات في العاصمة الليبية»، معربة عن أسفها لأن الوضع لا يتجه نحو الاستقرار بل يميل إلى التفاقم.