شخصيات مأساوية ومرحة تتحدى واقعها بالتهكم

الصيني يو هوا في ترجمة عربية لروايته «نهر الزمن»

شخصيات مأساوية ومرحة تتحدى واقعها بالتهكم
TT

شخصيات مأساوية ومرحة تتحدى واقعها بالتهكم

شخصيات مأساوية ومرحة تتحدى واقعها بالتهكم

صدر حديثاً للكاتب الصيني الشهير يو هوا الترجمة العربية لروايته «نهر الزمن»، نقلها عن الصينية المترجم يحيى مختار، الذي قدم للعربية رواية «بكين بكين» للكاتب شيو تسي تشين، و«صرخات تحت رذاذ المطر» ليو هوا نفسه، الذي تُرجمت له من قبل روايات «على قيد الحياة»، و«اليوم السابع»، و«مذكرات بائع الدماء»، ومجموعة قصصية بعنوان «صيف حار جداً».
يعتبر يو هوا، الذي ولد في الثالث من أبريل (نيسان) عام 1960 بمدينة هانغتشو بمقاطعة تشهجيانغ جنوب الصين، أحد أبرز أبناء جيل الرواد الذي يضم أيضاً مو يان، وسو تونغ، وسون قان لو، وليو جين يون وغيرهم من الأدباء المعاصرين. كما أنه أكثر الأدباء الصينيين المعاصرين شهرة على الساحة العالمية، وتأتي أعماله وزميله مو يان في مقدمة الإبداعات التي ترجمت إلى لغات أجنبية، وحظيت بانتشار عالمي واسع النطاق.
بدا جلياً تأثر يو هوا في روايته «نهر الزمن»، التي صدرت بمقدمة ضافية لمختار، بأسلوب الروائي الأميركي الأشهر صاحب نوبل ويليام فوكنر، خصوصاً رائعته الشهيرة «الصخب والعنف» من عدة نواحٍ، منها أسلوب السرد الذي يندرج تحت تيار الوعي، والابتكارات اللغوية والرسم الحي الصامت للشخصيات، وكذا الانزياح الزمني داخل السرد.
ويشير مختار في مقدمة الترجمة إلى أن أعمال يو هوا تتسم بنوع من الدراما النفسية والعمق الانفعالي، كما أنها تجمع بين التجريب التقني والطابع المحلي الذي يبرز ارتباطه بالبيئة التي عاش فيها والأشخاص الذين عرفهم. وهو ما جعل من أعماله بمثابة رسم حي وصورة مصغرة لواقع المجتمع الصيني في الوقت ذلك، كما أنه دائماً ما يولي اهتماماً بالغاً بالوقت داخل كتاباته، فهو يرى أن الوقت بمقدوره أن يغير من ملامح الحياة في أي لحظة.
يذكر أن يو هوا لم يقيد نفسه بالأسلوب السردي الروائي التقليدي، سواء كان السرد المتسلسل أو المقلوب أو المكمل أو حتى المتداخل، بل بدا واضحاً أنه تحرر من قيود السرد التقليدي، وأقحم نفسه وسط تركيب مزاجي وتراكيب أسلوبية تبدو للقارئ وكأنها قصاصات ممزقة من لوحة مكتملة.
وهناك طرف ثالث يقبع في ثنايا السرد في إبداعات يو هوا، الذي قسم روايته لأربعة فصول، كل منها يحتوي عدداً من العناوين الداخلية، وهذا الطرف الثالث يستطيع التغلب بفاعلية على محدودية الواقع السطحي للأحداث، بمعنى أنه يمكننا بواسطته الانتقال من الواقع الآني البسيط المحدود إلى الجانب المستقبلي المعقد. ما يعكس طبيعة أسلوب السرد التي انتهجها يو هوا في روايته، بحيث يبدو وكأنه يحكي للآخرين عن أحوال الآخرين وليس عن أحواله هو.
الشخصية المحورية في «نهر الزمن» التي صدرت في القاهرة ضمن مطبوعات «بيت الحكمة الصيني» و«دار المتوسط» العراقية، هي الطفل سون قوانغ لين الذي صار يافعاً، وهو الراوي الذي تجري على لسانه الأحداث، وقد جاء السرد بضمير المتكلم «أنا» الذي يعتمده الكاتب في الكثير من أعماله، حيث يحكي لنا بطل الرواية من موقف المتفرج تفاصيل المسار الزمني لأحداث حياته منذ كان في السادسة إلى أن بلغ الثامنة عشرة.
الراوي «أنا» يظهر في الرواية على صورتين، الأولى هي «أنا» الطفل والثانية هي «أنا» البالغ. حيث يسترجع «أنا» البالغ في الوقت الحاضر ذكريات «أنا» الطفل في الماضي، وهو ما يتجلى واضحاً عبر اختلاط الأزمنة والأحداث داخل الرواية. وعندما يتذكر «أنا» البالغ معاناة «أنا» الطفل في الماضي يتحول الغضب والبؤس الذي كان يسيطر عليه في الماضي إلى عفو وتسامح. وهذا في الحقيقة ليس سوى استغلال لقيم التسامح والترفع لدى الكبار للتحرر من الغضب والكره عند الأطفال.
وُلد سون قوانغ لين، وعاش في بيت عائلته بصحبة والده سون قوانغ تساي، ووالدته التي لم يرد اسمها داخل الرواية، وجده سون يو يوان في قرية اسمها «الباب الجنوبي» إلى أن بلغ السادسة، وهو الأخ الأوسط لثلاثة أخوة، الأكبر سون قوانغ بينع، الأصغر سون قوانغ مينغ الذي مات صغيراً، وقد تبناه بعد خروجه من القرية زوجان هما وانغ لي تشيانغ، وزوجته المريضة لي شيو ينغ، ثم انتقل للعيش معهما في مدينة سون تانغ القريبة من مسقط رأسه، وظل هناك إلى أن توفى والده بالتبني وانغ لي تشيانغ، حيث عاد مرة ثانية إلى قرية «الباب الجنوبي»، وظل هناك إلى أن التحق بالجامعة في بكين.
وكان يو هوا شارك في لقاء عقدته مكتبة القاهرة مؤخراً، وتحفظ خلاله على الإجابة عن سؤال حول محاذير الكتابة في بلاده، والموضوعات التي يجب على الكاتب عدم الاقتراب منها، وقال إن أعماله تدعم للترجمة للغات الأجنبية، ولفت إلى أن هناك موضوعات يهتم بها الناشر الصيني، ويبحث عنها في الأعمال الأدبية التي يسعى لنشرها، وهناك ظاهرة للكتب الرائجة التي تظهر لفترة قصيرة، ثم تختفي تماماً، وهناك أعمال يقبل عليها القراء دائماً. أما هو، كما أضاف، فيصوغ شخصياته بحرفية تجعلها حية، وتكشف أفضل وأقبح ما في النفس البشرية.
في «نهر الزمن» نجد الأب قد تخلى عن حياة الاستقامة ليتحول إلى شخص مبدد وماجن يجلب العار لنفسه ولعائلته، فنراه مرة يقيم علاقة مشبوهة مع امرأة مطلقة، وتارة يتحرش بزوجة ابنه، ويبدد ممتلكات بيته، وفي النهاية يقع في إدمان الخمر ويموت ميتة مهينة إثر سقوطه ثملاً وسط حفرة الصرف. وأخ أصغر يحاول تقليد أخيه الأكبر في سطوته وشجاعته فينبري لإنقاذ صديقه الذي سقط في النهر فيموت بدلاً منه. وأخ أكبر كثير الصمت كان يتطلع للانتقال للعيش في المدينة، ولكن محاولاته باءت بالفشل. وأم مكلومة كثيرة البكاء، خصوصاً بعد أفعال زوجها المشينة. وجد عاش حياة مليئة بالأحداث بداية من عمله في صباه مع والده الحجار وهروبه من نيران قوات الاحتلال الياباني وصولاً إلى زواجه من عائلة ثرية، ثم وفاة زوجته وانتقاله للعيش بين منزلي ولديه. هناك أيضاً والدان بالتبني، الزوج رجل عسكري يدخل في علاقة مع امرأة أخرى ثم ينتحر عندما ينكشف أمره، والزوجة امرأة مريضة غريبة الأطوار تغادر بيتها بعد موت زوجها تاركة طفلهما بالتبني وحيداً عاجزاً.
وتدور أحداث الرواية في ستينات وسبعينات القرن الماضي بالصين حول حياة طفل منعزل عمن حوله يحاول أن يفهم حياته غير الطبيعية. كما أنها مليئة بالكوميديا السوداء والأحداث المتناقضة.
ويشير مختار ضمن مقدمته إلى أن الرواية تسيطر عليها نظرة مأساوية للحياة، مثل باقي أعمال يو هوا، إلا أنها رغم ذلك حافلة بالفكاهة في الوقت نفسه، وهذا جزء لا يتجزأ من شخصيته، فهو دائم المزاح، ولكن بشكل تهكمي مليء بالتمرد على الواقع.



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.