حتّى وقت قريب كانت فكرة اصطفاف الفتيات إلى جانب الشبان لتأدية رقصة الدبكة في غزّة تواجه نقداً ورفضاً على الرغم من كونها من تراث المنطقة.
هذه النظرة زرعت الخوف في نفوس فتيات كثيرات يملكن شغف تعلّم الدبكة والمشاركة في عروض عامّة بهدف المساهمة في إحياء التراث الفلسطيني وإبقائه حاضراً في أذهان الناس، لكنّ أخريات نجحن في تجاوز الحاجز النفسي والمجتمعي.
أسيل مطير البالغة من العمر 16 عاماً انضمت في بداية هذا العام مع مجموعة أخرى من زميلاتها إلى فرقة "سنابل" للفنون والدبكة. تقول لـ "الشرق الأوسط": "في بداية عام 2018 انضممت إلى فرقة سنابل الفنية لتعلّم الدبكة الشعبية. طبعاً هناك معارضة مجتمعية كبيرة لمشاركتي وزميلاتي فيها، لأن كثيرين يعتقدون أنّ مزاولة الفتيات للدبكة الشعبية أمر غير جائز".
تضيف أسيل: "نحاول بكلّ الطرق أن نرفع وعي الناس بأهمية مشاركتنا إلى جانب الشباب في هذا الفن لتبقى الرسالة حاضرة وتكون الفكرة أجمل"، موضحة أنّها نجحت في اقناع أسرتها بضرورة مشاركتها، وحصلت على دعم كبير في المنزل ساعدها في الاستمرار في هذا المجال.
فرح الشرافي - 15 عاما - تعتبر أنّ مشاركتها في الدبكة حق فردي لها قبل أن يكون حقا عاما. وتقول إنّها شاركت في إحياء عدد من المهرجانات والمناسبات الوطنية في الفترة الأخيرة، ضمن فرقة "سنابل" التي تتكون من مجموعة من الفتيات والشباب، إلى جانب مشاركتها في سهرات الأفراح الخاصّة بالنساء برفقة زميلاتها في الفرقة.
وتوضح الشرافي أنّ تمسكها بالدبكة الشعبية نابع من خوفها على التراث الفلسطيني من الاندثار بسبب أفكار خاطئة، مؤكدة أنّها مستمرة في تعلّم الدبكة وفنون أخرى، وستسعى لتعليم فتيات أخريات هذا الفن.
أزياء مميزة
تتسم الملابس الخاصة بالدبكة الشعبية بألوانها الزاهية وزركشاتها، وغالبا ما يكون لكل فرقة زي يميزها عن سواها من ناحية اللون، لكنّ معظمها تتفق بينها من ناحية التفصيل، فالزي السائد للفتيات هو الثوب الفلسطيني الفلاحي المطرز، وللشبان يعدّ السروال والقميص الأنسب. وفي كثير من الأحيان يكون غطاء الرأس للفتاة والشاب واحدا، وهو الكوفية الفلسطينية.
مدرب الدبكة ضياء مليحة يلفت إلى أنّه من خلال عمله مع عدد كبير من الفرق خلال السنوات الماضية، استنتج أنّ الدبكة الشعبية في قطاع غزّة تمرّ في مراحل تطويرية من فترة إلى أخرى، وذلك تبعا لعدد من العوامل أهمها الوضع الاقتصادي الصعب الذي أوجد حالة فراغ عند معظم الشباب فأصبحوا يلجأون إلى نشاط كهذا لملء أوقاتهم والتعبير عن أنفسهم.
وعن مشاركة الفتيات في فرق الدبكة الشعبية، يقول إن هناك سعيا إلى تشجيع الإناث من سن 14 إلى 35 عاما على الانضمام إلى فرق الدبكة، مؤكداً أنّ هذا الأمر يلقى صدى جيدا ويحقق نتائج على أرض الواقع، "واليوم أصبحنا نرى الفتاة تشارك إلى جانب الشاب في العروض المسرحية والفنية".
ويشدد مليحة في حديثه إلى "الشرق الأوسط" على أنّ الحفاظ على التراث الفلسطيني هو من "أهم أشكال المقاومة الشعبية ولا يقل أهمية عن المقاومة المسلحة"، لافتا إلى أنّ "إتمام هذا الأمر بصورة صحيحة، يحتاج إلى إشراك كلّ فئات المجتمع كي تكون الرسالة موحدة وواضحة". ويضيف: "المرأة الفلسطينية ساهمت على مدار التاريخ إلى جانب الرجل في مواجهة كل أشكال الظلم والعدوان اللذين يتعرض لهما الشعب في ظل الاحتلال الإسرائيلي، ومشاركتها في إحياء الفنون الشعبية هي استمرار لذلك التاريخ النضالي المشهود، وحجة قائمة في وجه كل من يدّعي أنّ الفلسطيني يمكن أن يتخلى على جزء من تراثه وهويته".
*من مبادرة «المراسل العربي»