قراءة أميركية ترصد طفرة جديدة لـ«القاعدة» على حساب «داعش»

تراجعت عمليات انصار البغدادي في أفريقيا

عناصر من «داعش» فوق مدرعة بالرقة يونيو 2014 قبل اندحارهم عن المدينة السورية إلى مناطق أخرى (رويترز)
عناصر من «داعش» فوق مدرعة بالرقة يونيو 2014 قبل اندحارهم عن المدينة السورية إلى مناطق أخرى (رويترز)
TT

قراءة أميركية ترصد طفرة جديدة لـ«القاعدة» على حساب «داعش»

عناصر من «داعش» فوق مدرعة بالرقة يونيو 2014 قبل اندحارهم عن المدينة السورية إلى مناطق أخرى (رويترز)
عناصر من «داعش» فوق مدرعة بالرقة يونيو 2014 قبل اندحارهم عن المدينة السورية إلى مناطق أخرى (رويترز)

في الخامس من فبراير (شباط) الماضي، نشر المركز الأميركي المتخصص في الشؤون الأفريقية تقريراً حول «نفوذ» التنظيمات الإرهابية في شمال أفريقيا، أكد تراجع «داعش» الإرهابي، فيما ضاعف تنظيم «القاعدة بالمغرب»، عملياته الإرهابية ويتفق التقرير الأميركي جملة وتفصيلاً مع دراسة صدرت حديثا عن مرصد الفتاوى في مصر، سيما فيما يخص تراجع وتقلص عمليات «داعش» وبنوع خاص في ليبيا العام الماضي.
بات تنظيم «داعش» أقل التنظيمات الإرهابية فاعلية في أفريقيا، فقد تراجعت عملياته من 319 عملية في 2016 إلى 43 عملية فقط في 2017، خلفت من وراءها نحو 239 قتيلاً، أغلبهم من عناصر التنظيم المذكور، كما تراجعت عمليات «داعش» الإرهابي في تونس والجزائر على حسب المنوال.
في المقابل يؤكد التقرير الأميركي على تضاعف عمليات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى 157 عملية مقابل 56 عملية في 2016. مع تضاعف عدد الضحايا بعد مبايعة «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التي تشكلت في مارس (آذار) 2017. لكن، ماذا عن أهم التنظيمات التي يمكن أن تعتبر نواة «للقاعدة في شمال أفريقيا ودول الساحل» من جديد؟
نحن أمام طائفة متباينة من الأسماء، فمنها على سبيل المثال تنظيم «أنصار الشريعة» في تونس، وكتيبة عقبة بن نافع في تونس، وجماعة جند الخلافة في الجزائر، وتنظيم أنصار الشريعة وكتيبة أبي محجن الطائفي في ليبيا، وتبقى «حركة الشباب الإسلامية» الصومالية في المرتبة الأولى ضمن الجماعات الإسلامية الأكثر دموية وقامت بنحو 1593 عملية.
متابعو الإرهاب المدعي الهوية الإسلامية، يشيرون إلى تهديدات تنظيم «القاعدة» بشن هجمات على شركات غربية في شمال وغرب أفريقيا، ووصفها بأنها «أهداف مشروعة». فعلى سبيل المثال جاء في بيان لـ«القاعدة في بلاد المغرب» في الأسبوع الأول من شهر مايو (أيار) الماضي ما يلي: «قررنا أن نضرب العمق الذي يحافظ على استمرارية هذه الحكومات، والذي يمكن المحتل الفرنسي من توفير رغد العيش والرخاء لشعبه». أما العمق فكان يتناول بالإضافة إلى دول شمال أفريقياً، مالي، وبوركينافاسو، وكوت ديفوار، وجميعها في القلب الأفريقي.
ومما لا شك فيه أن وجود «القاعدة» لم ينقطع أبدا من شمال أفريقيا وغربها، وكل ما جرى هو أن صوت «داعش» كان الأكثر علواً وارتفاعاً، بينما كانت القاعدة تعود من جديد رويداً رويداً لترتيب أوراقها.
وهنا تلفت مجلة «النيويوركر» الأميركية في عدد أخير لها إلى أنه من المبكر جداً الاحتفال بهزيمة «داعش»، فمنذ صعود هذا النوع من التطرف قبل أربعة عقود، يتضح لنا أن من سماته الأكثر ديمومة، من خلال تجلياته دائمة التطور، هي قدرته على إعادة تأسيس وإحياء الحركات التي بدا أنها قد هزمت.
وفي إطار الضربات القوية التي تلقاها الدواعش في العراق، وسوريا، فكأنهم وجدوا ضالتهم في دول شمال أفريقيا وتحديداً في ليبيا، من خلال إعادة الشراكة مع القاعدة، والتي بدا وكأن لها الآن اليد العليا في المشهد الإرهابي الأفريقي سيما بعد أن استطاع أعضاء «القاعدة» إعادة تقديم أنفسهم للعالم، وهذا ما يرصده تقرير مرصد الفتاوى في مصر ودراسته التي سجلت عدداً من التحولات على مستوى الخطاب الإعلامي للتنظيم خلال السنوات الماضية، إذا سعى التنظيم إلى تبني خطاب المقاومة ضد الاستعمار، وقوات الأمن من الجيش والشرطة الوطنية في تلك البلدان، كما حاول جاهداً إضفاء صبغة اجتماعية على إصداراته حيث صور مقاومته للجيش والشرطة كرد على انتهاكات الجنود ضد المواطنين المدنيين، كما أن عملياتهم تأتي ضد الفساد والقهر الذي تتعرض له شعوب المنطقة. ولعل القارئ بعد التدقيق لدراسة «مرصد الفتاوى» يدرك تمام الإدراك أن التنظيم بات متماسكاً منذ عام 2017. فهو يرتب أولوياته في استهداف قوات الشركات الفرنسية العاملة في منطقة تجمع دول الساحل الأفريقية، وكذلك السياح والعمال والأجانب، وخاصة الفرنسيين الموجودين في المنطقة، واستهداف بعثات قوات الأمم المتحدة، واستهداف قوات الجيش والشرطة في تلك البلاد محل الدراسة، وأخيراً استهداف العملاء المتعاملين مع القوات الفرنسية أو الأفريقية.
أما كيف يمول تنظيم القاعدة عملياته الإرهابية في شمال أفريقيا وكذا غربها فإن المصادر المالية تكاد تكون معلومة للقاصي والداني، وفي المقدمة منها عمليات الاختطاف وتبادل الرهائن الأجانب، وتجارة المخدرات، وبيع السلاح وغسل الأموال، والسرقة والنهب، ثم تهريب المهاجرين، عطفاً بكل تأكيد على التبرعات والتمويلات المالية من الجماعات الداعمة حول العالم.

تونس وليبيا
يمكن القول بأن القاعدة وإن كان له وجود بشكل أو بآخر في الجزائر، فإن السلطات المحلية هناك من القوة والقدرة على ملاقاة أعضاء التنظيم الإرهابي والتعامل معهم، وقد كانت آخر معركة تلك التي جرت وقائعها في الخامس من أغسطس (آب) الماضي، حيث أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن القضاء على عدد من أمراء تنظيم القاعدة الإرهابي بولاية «سكيكدة» في شرق البلاد.
هنا تبقى ليبيا وتونس الدولتان المرشحتان بنسبة غالبة لعودة القاعدة لتتجلى فيها تجلياتها السلبية والإرهابية من جديد.
أما ليبيا فإن الأوضاع السياسية والاحتراب الأهلي والطائفي ووجود حكومة في الغرب تكاد تكون موالية بالمطلق للأصوليين، يجعل منها أرضا خصبة للقاعدة. كما أن ليبيا والتي تعد واحدة من أكثر الدول النفطية أهمية، تعد موقعاً وموضعاً للأطماع المالية للإرهابيين من كافة أنحاء العالم.
عطفاً على ذلك فإن القاعدة والتي ورثت تنظيم داعش في ليبيا أو تنسق مع جماعاته وخلاياه حتى الساعة، تتلاعب جيداً بالخطوط والخيوط التي رسمها القذافي سابقاً، عندما مد يد النفوذ الليبي إلى داخل دول أفريقيا، وهو الذي لم يتوقف عن وصف نفسه بأنه ملك ملوك أفريقيا.
أما تونس، فهي الدولة الثانية المرشحة لأن يمد تنظيم القاعدة نفوذه على أراضيها، ومرد ذلك لأسباب كثيرة، في مقدمتها صغر حجمها الجغرافي، وعدة وعدد قواتها المسلحة القليل نسبياً حيث لا يتجاوز 35 ألف عسكري، بالإضافة إلى أنها الدولة التي كانت مصدر ظاهرة «الربيع العربي» المكذوب، ولا تزال جماعة «الإخوان» فاعلة فيها، كما أن حكومتها لم تستطع بسط نفوذها على كافة أنحاء البلاد.
وفي حديث لوكالة «رويترز» يؤكد مصدران أمنيان تونسيان، أنه بعد أن تضاءلت جاذبية «داعش» وفقد معاقله في كل من ليبيا المجاورة والعراق وسوريا، حيث بدأ المقاتلون يعودون لديارهم، أو يبحثون عن قضايا جديدة يقاتلون من أجلها، فإن ذلك دفع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي إلى السعي لجذب مواهب جديدة بين المقاتلين السابقين من تنظيم الدولة.
قبل بضعة أشهر قتلت القوات الخاصة التونسية «بلال القبي» المساعد الكبير لعبد الملك درو كال المعروف باسم «أبو مصعب عبد الودود»، زعيم تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب»، وذلك في منطقة جبلية مع الجزائر... ما الذي كان يفعله «القبي» هناك؟
بحسب المصادر الأمنية التونسية، يبدو أن «القبي» كان بالفعل في مهمة لإعادة توحيد مجموعات مقاتلي القاعدة المتشرذمين في تونس، وهو ما دفع الجيش التونسي للتأهب للمزيد من عمليات التسلل المحتملة. ولم يكن «القبي» المتشدد البارز الوحيد الذي يتم إرساله لإعادة تجميع تنظيم القاعدة في تونس، إذ تشير مصادر أمنية تونسية إلى المدعو «حمزة النمر»، الجزائري الذي انضم للقاعدة في 2003. وأرسل لقيادة خلية في تونس لكنه قتل مع «القبي» في نفس العملية.
من هنا يتبين لنا أن هناك رابطا كبيرا بين الجزائر وتونس بنحو خاص، بمعنى أن الهيكل القيادي في دول المغرب العربي يكاد يكون حكراً وحصراً على الجزائريين، سيما المنتمين للقاعدة، بينما كان التونسيون وحتى وقت قريب يهيمنون على قيادة جماعة منافسة على صلة فضفاضة بـ«داعش» وتتمركز في نفس المنطقة.

«القاعدة» في العمق الأفريقي
لم تكن أعين الاستخبارات الأميركية لتغيب عما يجري من إحياء للقاعدة في غرب أفريقيا، حيث تنشط التنظيمات المسلحة في منطقة شبه فاصلة، تمتد على طول الحدود الجنوبية في منطقة الصحراء من مالي إلى نيجيريا، وتقول الاستخبارات العسكرية الأميركية بأن الدعم الخارجي للإرهابيين في غرب أفريقيا يأتي عادة من ليبيا، وفي القلب من تلك الجماعات تأتي جماعة «دعم الإسلام والمسلمين» وهي فرع لتنظيم القاعدة، جرى تأسيسه العام الماضي من قبل أربع مجموعات محلية، وتعرف اختصاراً باسم «جينم»، وهذه تنشط في شمال ووسط مالي،، وخصوصاً مدن كيدال، وتمبوكتو، وموبتي.
والشيء المزعج لأجهزة الاستخبارات الأجنبية هناك هو أن عملية الاندماج بين تلك الجماعات ماضية قدماً، ما أعطى القاعدة هناك زخماً جديداً، الأمر الذي يفسر زيادة عدد الهجمات.
ولفهم خطورة مشهد التطرف والإرهاب القاعدي العائد من جديد إلى الأفق الأفريقي، ربما يتعين علينا الرجوع إلى المذكرة التي أعدها الرئيس الجزائري «بوتفليقة» في يوليو (تموز) 2017، وقدمها للاتحاد الأفريقي بصفته منسق الاتحاد لشؤون مكافحة الإرهاب، حيث أشار إلى أن هناك أكثر من خمسة آلاف أفريقي من جنسيات مختلفة ينشطون مع الجماعات الإرهابية في القارة، وفي مناطق النزاعات المسلحة الأخرى، ولعل ما يؤكد مصداقية ما كشف عنه الرئيس بوتفليقة هو أن القارة السمراء تعد مركزاً لنحو 64 منظمة وجماعة إرهابية، ينتشر معظمها من أقصى الساحل الأفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل الأفريقي في الشرق، ساهم في ذلك الانتشار تداخل الأفكار المتطرفة مع التركيبة التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والفراغ الأمني في تلك المنطقة في تلك المنطقة.
ويبدو أن شمال وغرب أفريقيا مقبلان على تحولات ومعطيات أمنية مثيرة وخطيرة، سيما وأن الرابط الآيديولوجي بين «داعش» و«القاعدة» قريب جداً، وهناك إشارات كثيرة على الأرض تقول بأن التعاون محتمل جداً بين التنظيمين، عطفاً على احتمالية ظهور وليد إرهابي جديد من ثمرة التقاء الجماعتين الإرهابيتين، وربما هذا ما أماطت اللثام عنه صحيفة الغارديان البريطانية مؤخراً، إذا أشارت إلى وجود رؤية جديدة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، تهدف إلى وراثة التنظيمات الإرهابية خاصة تنظيم داعش، بعد الخسائر التي مني بها في سوريا والعراق.
الصحيفة البريطانية التي استقت معلوماتها من الأجهزة الأمنية البريطانية تشير إلى أن تنظيم «القاعدة الإرهابي» شرع منذ أغسطس 2017 في حملة تجنيد إرهابيين من بعض دول المنطقة منها الجزائر، تلتها حملة ثانية أطلقتها في سوريا في سبتمبر (أيلول) الماضي.
والشاهد أنه في أعقاب تلك التقارير الأمنية سارع محللو ومسؤولو الأمن في الدول الأوروبية إلى دراسة ظاهرة التجنيد من قبل القاعدة، ومدى تأثيرها على بلدانهم مستقبلاً. هل نحن أمام خطر جديد يهدد المنطقة والعالم؟



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».