قراءة أميركية ترصد طفرة جديدة لـ«القاعدة» على حساب «داعش»

تراجعت عمليات انصار البغدادي في أفريقيا

عناصر من «داعش» فوق مدرعة بالرقة يونيو 2014 قبل اندحارهم عن المدينة السورية إلى مناطق أخرى (رويترز)
عناصر من «داعش» فوق مدرعة بالرقة يونيو 2014 قبل اندحارهم عن المدينة السورية إلى مناطق أخرى (رويترز)
TT

قراءة أميركية ترصد طفرة جديدة لـ«القاعدة» على حساب «داعش»

عناصر من «داعش» فوق مدرعة بالرقة يونيو 2014 قبل اندحارهم عن المدينة السورية إلى مناطق أخرى (رويترز)
عناصر من «داعش» فوق مدرعة بالرقة يونيو 2014 قبل اندحارهم عن المدينة السورية إلى مناطق أخرى (رويترز)

في الخامس من فبراير (شباط) الماضي، نشر المركز الأميركي المتخصص في الشؤون الأفريقية تقريراً حول «نفوذ» التنظيمات الإرهابية في شمال أفريقيا، أكد تراجع «داعش» الإرهابي، فيما ضاعف تنظيم «القاعدة بالمغرب»، عملياته الإرهابية ويتفق التقرير الأميركي جملة وتفصيلاً مع دراسة صدرت حديثا عن مرصد الفتاوى في مصر، سيما فيما يخص تراجع وتقلص عمليات «داعش» وبنوع خاص في ليبيا العام الماضي.
بات تنظيم «داعش» أقل التنظيمات الإرهابية فاعلية في أفريقيا، فقد تراجعت عملياته من 319 عملية في 2016 إلى 43 عملية فقط في 2017، خلفت من وراءها نحو 239 قتيلاً، أغلبهم من عناصر التنظيم المذكور، كما تراجعت عمليات «داعش» الإرهابي في تونس والجزائر على حسب المنوال.
في المقابل يؤكد التقرير الأميركي على تضاعف عمليات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى 157 عملية مقابل 56 عملية في 2016. مع تضاعف عدد الضحايا بعد مبايعة «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التي تشكلت في مارس (آذار) 2017. لكن، ماذا عن أهم التنظيمات التي يمكن أن تعتبر نواة «للقاعدة في شمال أفريقيا ودول الساحل» من جديد؟
نحن أمام طائفة متباينة من الأسماء، فمنها على سبيل المثال تنظيم «أنصار الشريعة» في تونس، وكتيبة عقبة بن نافع في تونس، وجماعة جند الخلافة في الجزائر، وتنظيم أنصار الشريعة وكتيبة أبي محجن الطائفي في ليبيا، وتبقى «حركة الشباب الإسلامية» الصومالية في المرتبة الأولى ضمن الجماعات الإسلامية الأكثر دموية وقامت بنحو 1593 عملية.
متابعو الإرهاب المدعي الهوية الإسلامية، يشيرون إلى تهديدات تنظيم «القاعدة» بشن هجمات على شركات غربية في شمال وغرب أفريقيا، ووصفها بأنها «أهداف مشروعة». فعلى سبيل المثال جاء في بيان لـ«القاعدة في بلاد المغرب» في الأسبوع الأول من شهر مايو (أيار) الماضي ما يلي: «قررنا أن نضرب العمق الذي يحافظ على استمرارية هذه الحكومات، والذي يمكن المحتل الفرنسي من توفير رغد العيش والرخاء لشعبه». أما العمق فكان يتناول بالإضافة إلى دول شمال أفريقياً، مالي، وبوركينافاسو، وكوت ديفوار، وجميعها في القلب الأفريقي.
ومما لا شك فيه أن وجود «القاعدة» لم ينقطع أبدا من شمال أفريقيا وغربها، وكل ما جرى هو أن صوت «داعش» كان الأكثر علواً وارتفاعاً، بينما كانت القاعدة تعود من جديد رويداً رويداً لترتيب أوراقها.
وهنا تلفت مجلة «النيويوركر» الأميركية في عدد أخير لها إلى أنه من المبكر جداً الاحتفال بهزيمة «داعش»، فمنذ صعود هذا النوع من التطرف قبل أربعة عقود، يتضح لنا أن من سماته الأكثر ديمومة، من خلال تجلياته دائمة التطور، هي قدرته على إعادة تأسيس وإحياء الحركات التي بدا أنها قد هزمت.
وفي إطار الضربات القوية التي تلقاها الدواعش في العراق، وسوريا، فكأنهم وجدوا ضالتهم في دول شمال أفريقيا وتحديداً في ليبيا، من خلال إعادة الشراكة مع القاعدة، والتي بدا وكأن لها الآن اليد العليا في المشهد الإرهابي الأفريقي سيما بعد أن استطاع أعضاء «القاعدة» إعادة تقديم أنفسهم للعالم، وهذا ما يرصده تقرير مرصد الفتاوى في مصر ودراسته التي سجلت عدداً من التحولات على مستوى الخطاب الإعلامي للتنظيم خلال السنوات الماضية، إذا سعى التنظيم إلى تبني خطاب المقاومة ضد الاستعمار، وقوات الأمن من الجيش والشرطة الوطنية في تلك البلدان، كما حاول جاهداً إضفاء صبغة اجتماعية على إصداراته حيث صور مقاومته للجيش والشرطة كرد على انتهاكات الجنود ضد المواطنين المدنيين، كما أن عملياتهم تأتي ضد الفساد والقهر الذي تتعرض له شعوب المنطقة. ولعل القارئ بعد التدقيق لدراسة «مرصد الفتاوى» يدرك تمام الإدراك أن التنظيم بات متماسكاً منذ عام 2017. فهو يرتب أولوياته في استهداف قوات الشركات الفرنسية العاملة في منطقة تجمع دول الساحل الأفريقية، وكذلك السياح والعمال والأجانب، وخاصة الفرنسيين الموجودين في المنطقة، واستهداف بعثات قوات الأمم المتحدة، واستهداف قوات الجيش والشرطة في تلك البلاد محل الدراسة، وأخيراً استهداف العملاء المتعاملين مع القوات الفرنسية أو الأفريقية.
أما كيف يمول تنظيم القاعدة عملياته الإرهابية في شمال أفريقيا وكذا غربها فإن المصادر المالية تكاد تكون معلومة للقاصي والداني، وفي المقدمة منها عمليات الاختطاف وتبادل الرهائن الأجانب، وتجارة المخدرات، وبيع السلاح وغسل الأموال، والسرقة والنهب، ثم تهريب المهاجرين، عطفاً بكل تأكيد على التبرعات والتمويلات المالية من الجماعات الداعمة حول العالم.

تونس وليبيا
يمكن القول بأن القاعدة وإن كان له وجود بشكل أو بآخر في الجزائر، فإن السلطات المحلية هناك من القوة والقدرة على ملاقاة أعضاء التنظيم الإرهابي والتعامل معهم، وقد كانت آخر معركة تلك التي جرت وقائعها في الخامس من أغسطس (آب) الماضي، حيث أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن القضاء على عدد من أمراء تنظيم القاعدة الإرهابي بولاية «سكيكدة» في شرق البلاد.
هنا تبقى ليبيا وتونس الدولتان المرشحتان بنسبة غالبة لعودة القاعدة لتتجلى فيها تجلياتها السلبية والإرهابية من جديد.
أما ليبيا فإن الأوضاع السياسية والاحتراب الأهلي والطائفي ووجود حكومة في الغرب تكاد تكون موالية بالمطلق للأصوليين، يجعل منها أرضا خصبة للقاعدة. كما أن ليبيا والتي تعد واحدة من أكثر الدول النفطية أهمية، تعد موقعاً وموضعاً للأطماع المالية للإرهابيين من كافة أنحاء العالم.
عطفاً على ذلك فإن القاعدة والتي ورثت تنظيم داعش في ليبيا أو تنسق مع جماعاته وخلاياه حتى الساعة، تتلاعب جيداً بالخطوط والخيوط التي رسمها القذافي سابقاً، عندما مد يد النفوذ الليبي إلى داخل دول أفريقيا، وهو الذي لم يتوقف عن وصف نفسه بأنه ملك ملوك أفريقيا.
أما تونس، فهي الدولة الثانية المرشحة لأن يمد تنظيم القاعدة نفوذه على أراضيها، ومرد ذلك لأسباب كثيرة، في مقدمتها صغر حجمها الجغرافي، وعدة وعدد قواتها المسلحة القليل نسبياً حيث لا يتجاوز 35 ألف عسكري، بالإضافة إلى أنها الدولة التي كانت مصدر ظاهرة «الربيع العربي» المكذوب، ولا تزال جماعة «الإخوان» فاعلة فيها، كما أن حكومتها لم تستطع بسط نفوذها على كافة أنحاء البلاد.
وفي حديث لوكالة «رويترز» يؤكد مصدران أمنيان تونسيان، أنه بعد أن تضاءلت جاذبية «داعش» وفقد معاقله في كل من ليبيا المجاورة والعراق وسوريا، حيث بدأ المقاتلون يعودون لديارهم، أو يبحثون عن قضايا جديدة يقاتلون من أجلها، فإن ذلك دفع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي إلى السعي لجذب مواهب جديدة بين المقاتلين السابقين من تنظيم الدولة.
قبل بضعة أشهر قتلت القوات الخاصة التونسية «بلال القبي» المساعد الكبير لعبد الملك درو كال المعروف باسم «أبو مصعب عبد الودود»، زعيم تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب»، وذلك في منطقة جبلية مع الجزائر... ما الذي كان يفعله «القبي» هناك؟
بحسب المصادر الأمنية التونسية، يبدو أن «القبي» كان بالفعل في مهمة لإعادة توحيد مجموعات مقاتلي القاعدة المتشرذمين في تونس، وهو ما دفع الجيش التونسي للتأهب للمزيد من عمليات التسلل المحتملة. ولم يكن «القبي» المتشدد البارز الوحيد الذي يتم إرساله لإعادة تجميع تنظيم القاعدة في تونس، إذ تشير مصادر أمنية تونسية إلى المدعو «حمزة النمر»، الجزائري الذي انضم للقاعدة في 2003. وأرسل لقيادة خلية في تونس لكنه قتل مع «القبي» في نفس العملية.
من هنا يتبين لنا أن هناك رابطا كبيرا بين الجزائر وتونس بنحو خاص، بمعنى أن الهيكل القيادي في دول المغرب العربي يكاد يكون حكراً وحصراً على الجزائريين، سيما المنتمين للقاعدة، بينما كان التونسيون وحتى وقت قريب يهيمنون على قيادة جماعة منافسة على صلة فضفاضة بـ«داعش» وتتمركز في نفس المنطقة.

«القاعدة» في العمق الأفريقي
لم تكن أعين الاستخبارات الأميركية لتغيب عما يجري من إحياء للقاعدة في غرب أفريقيا، حيث تنشط التنظيمات المسلحة في منطقة شبه فاصلة، تمتد على طول الحدود الجنوبية في منطقة الصحراء من مالي إلى نيجيريا، وتقول الاستخبارات العسكرية الأميركية بأن الدعم الخارجي للإرهابيين في غرب أفريقيا يأتي عادة من ليبيا، وفي القلب من تلك الجماعات تأتي جماعة «دعم الإسلام والمسلمين» وهي فرع لتنظيم القاعدة، جرى تأسيسه العام الماضي من قبل أربع مجموعات محلية، وتعرف اختصاراً باسم «جينم»، وهذه تنشط في شمال ووسط مالي،، وخصوصاً مدن كيدال، وتمبوكتو، وموبتي.
والشيء المزعج لأجهزة الاستخبارات الأجنبية هناك هو أن عملية الاندماج بين تلك الجماعات ماضية قدماً، ما أعطى القاعدة هناك زخماً جديداً، الأمر الذي يفسر زيادة عدد الهجمات.
ولفهم خطورة مشهد التطرف والإرهاب القاعدي العائد من جديد إلى الأفق الأفريقي، ربما يتعين علينا الرجوع إلى المذكرة التي أعدها الرئيس الجزائري «بوتفليقة» في يوليو (تموز) 2017، وقدمها للاتحاد الأفريقي بصفته منسق الاتحاد لشؤون مكافحة الإرهاب، حيث أشار إلى أن هناك أكثر من خمسة آلاف أفريقي من جنسيات مختلفة ينشطون مع الجماعات الإرهابية في القارة، وفي مناطق النزاعات المسلحة الأخرى، ولعل ما يؤكد مصداقية ما كشف عنه الرئيس بوتفليقة هو أن القارة السمراء تعد مركزاً لنحو 64 منظمة وجماعة إرهابية، ينتشر معظمها من أقصى الساحل الأفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل الأفريقي في الشرق، ساهم في ذلك الانتشار تداخل الأفكار المتطرفة مع التركيبة التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والفراغ الأمني في تلك المنطقة في تلك المنطقة.
ويبدو أن شمال وغرب أفريقيا مقبلان على تحولات ومعطيات أمنية مثيرة وخطيرة، سيما وأن الرابط الآيديولوجي بين «داعش» و«القاعدة» قريب جداً، وهناك إشارات كثيرة على الأرض تقول بأن التعاون محتمل جداً بين التنظيمين، عطفاً على احتمالية ظهور وليد إرهابي جديد من ثمرة التقاء الجماعتين الإرهابيتين، وربما هذا ما أماطت اللثام عنه صحيفة الغارديان البريطانية مؤخراً، إذا أشارت إلى وجود رؤية جديدة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، تهدف إلى وراثة التنظيمات الإرهابية خاصة تنظيم داعش، بعد الخسائر التي مني بها في سوريا والعراق.
الصحيفة البريطانية التي استقت معلوماتها من الأجهزة الأمنية البريطانية تشير إلى أن تنظيم «القاعدة الإرهابي» شرع منذ أغسطس 2017 في حملة تجنيد إرهابيين من بعض دول المنطقة منها الجزائر، تلتها حملة ثانية أطلقتها في سوريا في سبتمبر (أيلول) الماضي.
والشاهد أنه في أعقاب تلك التقارير الأمنية سارع محللو ومسؤولو الأمن في الدول الأوروبية إلى دراسة ظاهرة التجنيد من قبل القاعدة، ومدى تأثيرها على بلدانهم مستقبلاً. هل نحن أمام خطر جديد يهدد المنطقة والعالم؟



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.