تنظيم «القاعدة» يزحف إلى المناطق «الرخوة»

توسّع في اليمن وأفريقيا... و«حمزة» في المشهد

سيارة مفخخة ببصمة عناصر «حركة الشباب» أحالت وسط مقديشو إلى خراب ودمار (أ.ف.ب)
سيارة مفخخة ببصمة عناصر «حركة الشباب» أحالت وسط مقديشو إلى خراب ودمار (أ.ف.ب)
TT

تنظيم «القاعدة» يزحف إلى المناطق «الرخوة»

سيارة مفخخة ببصمة عناصر «حركة الشباب» أحالت وسط مقديشو إلى خراب ودمار (أ.ف.ب)
سيارة مفخخة ببصمة عناصر «حركة الشباب» أحالت وسط مقديشو إلى خراب ودمار (أ.ف.ب)

بعد مرور 30 عاماً على تأسيس «القاعدة»... بداية من 1987 عندما أقام أسامة بن لادن (زعيم القاعدة السابق) مخيم تدريب في أفغانستان، وأصبح فيما بعد يعرف باسم «القاعدة». بات التنظيم الذي يمتلك سجلاً أسود في العمليات الإرهابية، يتقدم في المشهد الدموي على «أطلال» غريمه «داعش»، وبدأ «القاعدة» يخطط ليكون التنظيم الأول، كما كان قبل ظهور «داعش»... والفترة الأخيرة شهدت زيادة نشاطات «القاعدة» في اليمن؛ فالتنظيم استطاع أن يستغل هذه الحرب لزيادة أسهمه، ورغم أن نشاطاته الإرهابية قلت مؤخراً، زاد أسهمه، ووجوده. فتنظيم القاعدة الذي قاد حركة «الجهاد العالمي» منذ نحو العقدين، ونفذ عملية هزت أميركا في «11 سبتمبر (أيلول)» عام 2001، كما قام بتفجير مبنى سفارتي الولايات المتحدة الأميركية في نيروبي ودار السلام بكينيا؛ مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 شخص عام 1998، تعرض لمرحلة «خفوت» عززها ظهور «داعش»؛ إلا أن الأخير دخل في مرحلة خسارة الأرض والنفوذ بالعراق وسوريا، ولاذت عناصره الأكثر شهرة بالفرار.
مختصون في الحركات الأصولية بمصر قالوا لـ«الشرق الأوسط»، إن «القاعدة» لن ينتهي أو يتلاشى؛ لأن عوامل البقاء موجودة وتغذيها بعض المشكلات الإقليمية والدولية... فالتنظيم لم يخف خلال السنوات السبع الماضية سعيه الحثيث للحضور ضمن دائرة التأثير في شمال وغرب أفريقيا، وجدّد خلال تلك المدة شبكاته وهياكله وتطوير خطابه الإعلامي.
وأكد المختصون، أن «القاعدة» توسع في اليمن أيضاً، والزحف قادم في المناطق «الفارغة والرخوة» مثل، الصحراء الغربية في ليبيا، وبعض المناطق بالسودان، والصومال، وإريتريا، واليمن، وسوريا، والعراق، وفي آسيا، وفي عدد من العواصم الكبيرة الضخمة التي بها عناصر لها مظلوميات داخل دولها مثل «الصين، وفرنسا، وألمانيا».

تقدم بعد زوال
قتل «بن لادن» عام 2011 عندما داهمت القوات البحرية مجمعه في أبوت آباد في باكستان، وتوقع البعض حينها أن يؤدي ذلك إلى زوال «القاعدة»؛ لكن لم يحدث هذا، حيث بحلول نهاية العام الماضي، كان «داعش» في حالة يرثى لها؛ إذ حررت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة المدن العراقية والسورية، التي كانت تحت سيطرة «داعش»، وبدأ تنظيم القاعدة يتقدم من جديد وينتعش.
من جهته، أكد عمرو عبد المنعم، الخبير المتخصص في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن هناك تطوراً لتنظيم القاعدة خلال الأشهر الماضية، والذي يدلل على ذلك تطوران، الأول هو أن الفكر القاعدي لا ينتهي ولا يندثر؛ لأن عوامل بقائه واستمراره متوافرة في العالمين العربي والغربي، وبالتالي ينحصر ثم يتقدم من جديد. أما التطور الآخر، فهو الصراع الحقيقي بين «القاعدة» و«داعش»، ومن هم القادة الفعليون للتنظيم الأصلي؟ مضيفاً أن «الضربات التي تلقاها (داعش) في سوريا والعراق، جعلت (القاعدة) يحاول أن يرث الإرث الداعشي، وبخاصة أن هناك أكثر من إصدار مرئي لأيمن الظواهري زعيم (القاعدة) يهاجم فيه (داعش) وزعيمها أبو بكر البغدادي، وأنهما (أي «داعش» والبغدادي) يسعيان لشق صف المسلمين، وأنهم صاروا أسوأ من (الخوارج) فلم يكتفوا بتكفير المسلمين بما ليس بمُكفر؛ بل كفروا العلماء والصالحين والمجاهدين».

تآكل «داعش»
وقال مراقبون، إن هجوم «الظواهري» على «البغدادي» عزز الخلاف بين «القاعدة» و«داعش» منذ الإعلان عن «الخلافة المزعومة» في 2014؛ إذ كان زعيم «داعش» ومن معه يرون أن فرض «دولة» بالقوة هو الخيار الوحيد لتنفيذ حلم «الإسلاميين» في دولة؛ في حين كان يرى «القاعدة» أن طرح فكرة «الدولة الإسلامية» في الظروف الدولية الحالية يضر بالفكرة وسيكون مصيرها الفشل.
لكن انتهاء «داعش» الذي تآكلت «دولته المزعومة» عقب الانتصارات الواسعة التي حققتها القوات المتعاونة بقيادة أميركا، دفع كثيراً من «المتطرفين» لفقد انبهارهم بـ«داعش»؛ وهو ما يعني نجاحاً ضمنياً لتصور «القاعدة» عن «داعش» - على حد زعم التنظيم -، وفي سبيل ذلك يسعى «القاعدة» لاستعادة صدارة التنظيمات الإرهابية.
ويتفق المختصون والمراقبون على أن «القاعدة» يشارك «داعش» الأهداف نفسها بعيدة المدى؛ لكنها تسير على طريق مختلفة، تريد أن تسير في بطء وفي حذر... وكان تنظيم «القاعدة» يستثمر في العمل طويل المدى. رغم اختفائه كثيراً من الساحة، ظل باقياً، وها هو يتجدد الآن قائداً للحركة الجهادية العالمية.

تأهيل حمزة
وبشأن كون حمزة بن لادن مؤهلاً لقيادة «القاعدة» مستقبلاً، لم يستبعد عبد المنعم ذلك، مؤكداً قد يكون التنظيم يعد «حمزة» لخلافة «الظواهري» أو أي قيادة أخرى. ويدلل على ذلك بأن التنظيم لا يثق في أي قيادة من خارج «القاعدة»؛ لذلك يتم تصعيده من باب التوثيق. فبعض قيادات «القاعدة» تدفع بـ«حمزة» لكونه «فلاش» إعلامياً، ليقول التنظيم إنه «باقٍ». في حين ترى قيادات أخرى في «القاعدة» أنه لا يتولى القيادة إلا من هو أكبر القيادات سناً، والذي لم يتعرض لمحن، وليس لديه أي شبهات في تاريخه.
وقال عبد المنعم، إن الجانب الفكري عند «القاعدة» و«داعش» واحد؛ لكن الصراع بات واضحاً في «الخلافة» ومن يتولى «الخلافة» ومن بايع من؟، فتأخر الإعلان عن وفاة المُلا عمر (الزعيم الروحي لحركة طالبان الأفغانية) أكثر من عامين ونصف العام ساهم في إحداث فجوة كبيرة. فضلاً عن استراتيجية «داعش» في الحرب على العالم كله، لكن «القاعدة» ترى الحرب بالوكالة أو المرحلية أو تقديم عدو على عدو، أو تصفية الأعداء وفي بعض المراحل الأنظمة أو الغرب... فوجود «القاعدة» أو «داعش» لن ينتهي أو يتلاشى؛ لأن عوامل البقاء موجودة وتغذيها بعض المشكلات الإقليمية والدولية.

توسعات مستقبلية
كما رصدت الكثير من الدراسات والتقارير الدولية، تمدد «القاعدة» في شمال وغرب أفريقيا، وبخاصة دول مجموعة الساحل مضافاً إليها تونس والجزائر... وأن التنظيم يمثل التهديد الأول والأخطر على أمن واستقرار منطقة شمال وغرب أفريقيا... وسبق أن هدد فرع لتنظيم القاعدة بشن هجمات على شركات غربية في شمال وغرب أفريقيا، ودعا إلى مقاطعتها.
وعن توسعات «القاعدة» الحالية على حساب «داعش»، قال عبد المنعم، إن «القاعدة» توسع في أفريقيا واليمن، والزحف قادم في المناطق الفارغة، فضلاً عن توسعات قادمة في المستقبل للتنظيم، وليس أمامنا سوى ملء الفراغين السياسي والفكري؛ لأنه حتى في تعامل «القاعدة» مع الغرب كانت له أكثر من طريقة، ومهم جداً أن نعرف استراتيجيات تنظيمات العنف والإرهاب... فعندما انتقل «القاعدة» من أفغانستان إلى العراق كان أقل حدة في التعامل مع الأمر السياسي، وعندما انتقل لسوريا حدث المشهد نفسه، وهذا سبب انتقال عناصر من «القاعدة» إلى «داعش».
ويؤكد المراقبون أن الوسائل التي يعتمد عليها تنظيم «الظواهري» في المناطق التي يتمدد فيها تتمثل في «عمليات اختطاف وتبادل الرهائن الأجانب، وتجارة المخدرات، وبيع السلاح، وغسل الأموال، والسرقة والنهب، وتهريب المهاجرين، والتبرعات، وتحويل الأموال، من الجمعيات غير الشرعية».

هيكلة جديدة
في غضون ذلك، أعدت دار الإفتاء المصرية دراسة عن تنظيم «القاعدة»، وكشفت عن أن التنظيم لم يخف خلال السنوات السبع الماضية سعيه الحثيث للحضور ضمن دائرة التأثير في شمال وغرب أفريقيا، وجدّد خلال تلك المدة شبكاته وهياكله وتطوير خطابه الإعلامي.
وأوضح معدو الدراسة، أن التنظيم سعى إلى الامتثال لتعليمات «الظواهري» بضرورة عمل تحالف واندماج الجماعات «المتطرفة» في محاولة لمعالجة التشتت والتخبط التنظيمي، الذي عانى منه التنظيم خلال السنوات الماضية؛ وهو ما أضعفه. لذا؛ عملت خمسة أفرع تابعة للتنظيم في المنطقة على تبني نهج التحالف والاندماج تحت اسم «نصرة الإسلام والمسلمين»، وهو يعد التنظيم الأخطر في المنطقة منذ تأسيسه في 2017 لجهة عدد العمليات في مالي.
ويشار إلى أن لتنظيم القاعدة 5 أفرع، هي «جبهة النصرة في سوريا، والقاعدة في شبه الجزيرة العربية باليمن، والقاعدة في شبه القارة الهندية بجنوب آسيا، والشباب في الصومال، والقاعدة في المغرب الإسلامي بشمال أفريقيا»، وهناك روابط مع مجموعات أخرى في سوريا، وأفغانستان، وباكستان، وغرب أفريقيا.

الذئاب المنفردة
في هذا الصدد، لفت عمرو عبد المنعم إلى أنه لا بد من أن نفرق بين التنظيمات التي تواجه أنظمة عربية أو غربية، والتي تولد من رحم هذه التنظيمات، والتي تبدأ من الصفر، فالتنظيمات الكبيرة مثل «القاعدة» ولها تاريخ، إذا لم تتلاشَ فسوف تتحول إلى تنظيمات أخرى؛ لذلك سوف يتوسع تنظيم القاعدة في مناطق أخرى «فضاء ورخوة»، مثل، الصحراء الغربية في ليبيا، ومناطق بالسودان، والصومال، وإريتريا، وبعض المناطق في اليمن، وسوريا، والعراق، وفي آسيا، وفي عدد من العواصم الكبيرة الضخمة التي بها عناصر لها مظلوميات داخل دولها مثل «الصين، وفرنسا، وألمانيا»، مضيفاً: ينشط القاعدة في هذه الأماكن عن طريق «الذئاب المنفردة» أو ما يعرف باسم «العملية الواحدة»، وفيها عنصر واحد يساعده آخر، الأول يتم توقيفه من قبل سلطات الدول أو يقتل في عملية انتحارية، والآخر يذهب للتنظيم بالعملية ليعلنها للجميع... لذا؛ سوف نجد نشاطاً أكبر لـ«القاعدة» وهذا مكمن الخطر.
ويرى المراقبون أيضاً، أن كثيراً من الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تلقت تدريبات على يد عناصر «القاعدة» انفصلت عن التنظيم خلال السنوات الماضية وانضمت إلى تنظيمات أخرى مثل «داعش».
ويسعى «القاعدة» إلى ضم هؤلاء «الدواعش» الآن. وذكرت دراسة دار الإفتاء، أنها اعتمدت على شواهد كثيرة تدل على تنامي «القاعدة» منذ عام 2017 بعد أن تمكن التنظيم من إعادة بناء قدراته بهدوء خلال السنوات الماضية، في ظل توقعات بأن يكون التنظيم أكثر نشاطاً وخطورة على الأمن القومي لعدد من المناطق الإقليمية ودول بعينها في شمال وغرب أفريقيا.
وأكدت الدراسة وجود علاقة قوية بين المراجعات التي أعدها قيادات من التنظيم بهدف إعادة إحيائه وتجديد نشاطه، وبين ممارسات التنظيم خلال السنوات الماضية؛ وهو ما يؤشر إلى أهمية تلك المراجعات في فهم ورصد أهم الاستراتيجيات التي سينطلق منها التنظيم لتنفيذ عملياته، كما أنها تساعد على رصد الأهداف التي يمكن للتنظيم استهدافها في عمليات تمدده. كذلك، تعطي صورة أوضح لفهم خطاب التنظيم الإعلامي.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.