هل تستحق «ناشيونال إنكوايرار» الأميركية الحماية الصحافية؟

عندما يكون الناشر صديق السياسي

هل تستحق «ناشيونال إنكوايرار» الأميركية الحماية الصحافية؟
TT

هل تستحق «ناشيونال إنكوايرار» الأميركية الحماية الصحافية؟

هل تستحق «ناشيونال إنكوايرار» الأميركية الحماية الصحافية؟

أعلن الأسبوع الماضي، ديفيد بيكر رئيس شركة «أميركان ميديا» الإعلامية التي تُصدر صحيفة «ناشيونال إنكوايرار» الفضائحية الأسبوعية، أنه استقال من وظيفة جانبية في كندا، هي عضوية مجلس إدارة شركة «بوست ميديا»؛ لكن صحيفة «هافنغتون بوست» قالت إن الشركة الكندية هي التي أوعزت إليه بذلك، هذا إذا ما كانت قد هددته بالفصل.
في كل الأحوال، لا بد أن الشركة الكندية الإعلامية العملاقة (دخلها السنوي قرابة مليار دولار)، قد شعرت بالحرج، وخافت من تلطيخ سمعتها. والسبب هو أن بيكر وشركته الأميركية وصحيفته «ناشيونال إنكوايرار»، تورطوا في شبكة جرائم يحقق فيها مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي). وفعلا، قد أدانت محكمة في نيويورك الأسبوع الماضي، واحداً من قادة الشبكة، وهو مايكل كوهين، المحامي الخاص بالرئيس دونالد ترمب.
وقبل أسبوعين، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن بيكر تعاون مع محققي الـ«إف بي آي»، مقابل منحه حماية قانونية، وأنه قدم معلومات هامة للمحققين، ساعدت على إثبات بعض جرائم المحامي كوهين.
وكتبت صحيفة «نيويورك تايمز» عن تطورات الموضوع تحت عنوان: «جريمة، وجنس، وشراء ذِمَم...» وكتبت مجلة «فانيتى فير»: «يا إلهي، ظننا أن بيكر لن يستسلم». وأضافت وكالة «أسوشييتدبرس» خبراً جديداً: «بيكر يحتفظ في مكتبه بخزنة سرية فيها فضائح أخرى».
من جانب آخر، أثار هذا الأمر غضب صحافيين ومعلقين يمينيين فهبوا محتجين على تحقيق شرطة (إف بي آي). وقالوا إن التحقيقات ستؤثر على حرية الصحافة. في المقابل، قال آخرون إن صحيفة «ناشيونال إنكوايرار» قد تورطت في شبكة جرائم، وهي بالتالي لا تستحق الحماية الصحافية.
قال ريتشارد توفل، رئيس مركز «بروبوبليكا» الإعلامي، المتخصص في التحقيقات الصحافية الاستقصائية (فيه قرابة 100 صحافي): «لا تستطع شركة (أميركان ميديا) القول إنها مؤسسة صحافية نزيهة. ولا يستطع العاملون فيها القول أيضاً إنهم صحافيون نزيهون»، فيما أفادت مارغريت سليفان، معلقة إعلامية في صحيفة «واشنطن بوست»، كانت رقيبة في الأومبودسمان (ديوان المظالم)، في صحيفة «نيويورك تايمز»: «يظل كثيرون غير واضحين فيما تفعل شركة (أميركان ميديا)، وفي علاقة رئيسها مع الرئيس ترمب. ولكن، ليست جميع الأمور غير واضحة. بل يبقى هناك أمر هام واضحا، وهو العدالة الشاعرية (Poetic justice)». وأضافت: «ها هو بيكر، صديق ترمب، فعل كل ما يقدر عليه ليفوز ترمب»، حسب قولها.
من قبل ترشيح ترمب بنفسه لرئاسة الجمهورية، وكان واضحاً أن «ناشيونال إنكوايرار» لها ميول يمينية، وذلك لأنها كانت تركز على أخبار قادة الحزب الديمقراطي، بهدف كشف فضائحهم. لسنوات ركزت على الرئيس السابق باراك أوباما، وقادت حملة بشأن ما أطلق عليه «بيرثر» (هل ولد أوباما في الولايات المتحدة؟).
كما ركزت في أخبارها على هيلاري كلينتون، وزوجها. وانحازت، خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ضدها بصورة فضائحية، لأنها تجاوزت الحدود المعقولة. وقد جاء في أحد عناوين صفحتها الأولى: «هيلاري: فاسدة! عنصرية! مجرمة!».
في الجانب الآخر، كان هناك إحساس متبادل بين ترمب وبيكر. وقال ترمب، مرات كثيرة، إنه يعتقد بأن بيكر «يستحق أعلى شرف في الصحافة، يستحق جائزة بوليتزر» وهي أعلى جائزة في الصحافة الأميركية.
لكن، كما تندرت مارغريت سوليفان: «كان على بيكر نشر عنوان رئيسي في الصفحة الأولى من الصحيفة يقول: «بيكر ينقلب على ترمب». وقد كشفت تحقيقات ادعاءات واتهامات تتحدث عن فضائح قد تكون مرتبطة بترمب، وأن المحققين منحوا بيكر حماية قانونية. لهذا، انقلب بيكر على ترمب أو لم ينقلب، فقد ساعد بذلك، على توجيه ثماني تهم بالخداع والفساد والتأثير على الانتخابات ضد مايكل كوهين، محامي ترمب.
قليلا قليلا، بدأت الأسرار تتكشف. وأهمها عادة «Catch and kill» (اصطاد واقتل)، عندما تحصل صحيفة على خبر هام من مصدره نفسه، ثم لا تنشره. أقل هذه الأنواع فساداً هو فقط في عدم نشر الخبر. فيما أكثرها فسادا، هو منح المصدر إغراءً مالياً ليصمت ولا يحتج على عدم نشر خبره.
وهناك مزاعم تتحدث عن فضيحة علاقة ترمب مع ستورمي دانيالز، التي تنتشر فيديوهاتها في الإنترنت. قد يكون الأمر نفسه قد تكرر لطمس هذه القضية، ولكن ليس هنالك من إثباتات تؤكد ذلك، وفي هذا الشأن أيضاً يظل المحققون يحاولون كشف الحقيقة كلها.
في هذا الوقت، كانت صحف، خاصة مثل «وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، تنشر أخباراً عن الفضيحتين، ولكن لن تتأكد هذه الأخبار إلا بعد إدانة كوهين محامي ترمب.
ربما إنصافا للصحيفة، كشفت في الماضي فضائح ساعدت على تنقية الأجواء السياسية من الفاسدين. في عام 2000، نشرت فضيحة علاقة بين جون إدواردز، السيناتور السابق من ولاية نورث كارولينا مع موظفة في حملته الانتخابية. كل ذلك بينما كانت زوجته إليزابيث تعاني من السرطان، وتوفيت منه. وحطمت صحيفة «ناشيونال إنكوايرار» حلم إدواردز بأن يُصبح رئيسا للجمهورية. حينها، صفق كثير من الصحافيين والخبراء الصحافيين لما فعلته المطبوعة.
في الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة «هافنغتون بوست» تصريحات أدلى بها جيري جورج، رئيس تحرير سابق لصحيفة «ناشيونال إنكوايرار» قال فيها: «أعتقد أن بيكر صار يحلم بأن يكون سياسيا (بالإضافة إلى رئاسة شركة «أميركان ميديا» وملكيتها)». وأضاف: «أعتقد أنه كان يريد أن يسير على خطى ترمب. واعتبر نفسه أخا لترمب، وليس فقط صديقا».
هكذا، صار صحافيون وخبراء صحافة يتحدثون عن العلاقة بين السياسي والناشر. وإن كان الناشر لا يريد بأن يكون سياسيا). وهكذا، يتوقع أن يزيد الحديث لأن تفاصيل أخرى عن دور بيكر تظل سرية، وفي انتظار المزيد منها، يظل السؤال هو: «إلى أي مدى يستحق صحافيو «ناشيونال إنكوايرار» قلق مناصري الصحافة الحرة؟ وهناك أسئلة أخرى، مثل هل تُعتبر «ناشيونال إنكوايرار» الفضائحية صحيفة نزيهة تستحق الحماية؟ وهل يتعاون الصحافي أو الناشر مع المحققين في قضايا جنائية؟ وهل يطلب المحققون في قضايا جنائية تعاون الصحافي أو الناشر؟ وهل يضغطون؟ لأكثر من عام، كانت الإجابات على هذه الأسئلة يمكن أن تفيد صحيفة «ناشيونال إنكوايرار» ولكن، بعد اعتراف كوهين، محامي كلينتون، بثماني جرائم، بعضها له صلة بالصحيفة وبصاحبها، لم يعد من السهل الدفاع عن حرية الصحافة بالنسبة لها، ولصاحبها.

جدلية منذ تأسيسها

في عام 1926، أسس ويليام غريفين الصحيفة، وهو أحد رعاة ويليام راندولف هيرست، لتكون رفيقة مسائية لصحيفة «نيويورك إيفننغ إنكوايرار». وخلال الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، أصبحت صوتاً للانعزالية والفاشية. في عام 1942، أدانتها محكمة في نيويورك بتهمة إحباط الروح المعنوية للقوات الأميركية بافتتاحياتها، ضد التدخل العسكري الأميركي في الحرب العالمية الثانية.
في عام 1952، اشتراها ناشر صحيفة «بروغرسيو» الإيطالية، صوت الجالية الإيطالية في نيويورك. وقيل إن زعيم عصابة المافيا، فرانك كوستيلو، مول شراءها، شرط ألا تكتب شيئاً عن نشاط العصابة.
وبعد تطرفها في نشر الفضائح، أمر روبرت فاجنر، رئيس بلدية نيويورك في عام 1953، رئيس تحريرها بالاستقالة من مجلس التعليم العالي في المدينة.
في عام 1971، نُقلت رئاسة الصحيفة من نيويورك إلى لانتانا (ولاية فلوريدا). لتنتقل في عام 1999، إلى بوكا راتون في نفس الولاية.
في عام 1981، كسبت الممثلة كارول بيرنيت قضية ضد الصحيفة لأنها نشرت خبراً مفاده يفيد بأن الممثلة شوهدت في مطعم مع هنري كيسنجر، وزير الخارجية السابق.
بعد وفاة ناشرها في عام 1988، باعتها أرملته بمبلغ 412 مليون دولار إلى شركة إعلامية، كانت الشركة نفسها التي اشترت الصحيفة المنافسة «ستار» من روبرت مردوخ، إمبراطور الصحافة الأميركي الأسترالي. وأصبح اسم الشركة فيما بعد «أميركان ميديا».
اضطرت الصحيفة في عام 2001 إلى إغلاق مكاتبها لعامين، بعد مقتل أحد مصوريها لدى تسلمه ظرفاً يحتوي على مادة «انثراكس». وكانت تعمل من مكاتب أخرى. في عام 2003، نشرت أن راش ليمبو وهو من كبار المعلقين الإذاعيين في الولايات المتحدة قد أدمن الأدوية المخدرة. في البداية، نفى ذلك. لكنه، سرا، دخل مشفى ليعالج من هذا الإدمان، ونشرت الصحيفة خبر دخوله مرفقاً بصور له من داخل المشفى.
وفي عام 2008، خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، كشفت الصحيفة أن ابنة سارة بالين، المرشحة الجمهورية نائب المرشح السيناتور جون ماكين، حاملاً، وأنها كانت على علاقة مع أحد زملاء زوجها.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.