من المستفيد من تأجيل انتخابات 2019 في تونس؟

سياسيون يرون أن تأخيرها «انقلاب ناعم على خيارات المواطنين في التداول السلمي على السلطة»

جانب من عملية فرز الأصوات خلال الانتخابات البلدية الأخيرة التي شهدتها تونس في مايو الماضي (غيتي)
جانب من عملية فرز الأصوات خلال الانتخابات البلدية الأخيرة التي شهدتها تونس في مايو الماضي (غيتي)
TT

من المستفيد من تأجيل انتخابات 2019 في تونس؟

جانب من عملية فرز الأصوات خلال الانتخابات البلدية الأخيرة التي شهدتها تونس في مايو الماضي (غيتي)
جانب من عملية فرز الأصوات خلال الانتخابات البلدية الأخيرة التي شهدتها تونس في مايو الماضي (غيتي)

هل بات الوضع السياسي والأمني الحالي في تونس يفرض تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟ وما مدى ارتباط عودة الحديث عن التمديد للرئيس الحالي الباجي قائد السبسي بمحاولة ربح الوقت حتى يحقق نجله بعض النضج السياسي المطلوب، وتوفير الأرضية الملائمة للتوريث السياسي؟ ولماذا يتم التلويح بتأجيل الانتخابات كلما تعرضت النقاشات للأزمة السياسية والاجتماعية التي تعرفها تونس؟ والأهم من ذلك كله، هل هناك علاقة مباشرة بين هذه الدعوات والصراع على كرسي رئاسة تونس بعد 2019؟
هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الملحة الأخرى تخلف اليوم جدلاً حاداً داخل أوساط النخبة السياسية، وتتباين بسببها الآراء حد التناقض، إذ إن ظاهر ما يقوله المؤيدون للتأجيل يصب في خانة ضمان الاستقرار السياسي في البلاد، لكن باطنه حسب بعض المراقبين هو البحث عن فرصة أمثل للتوريث السياسي، وهذا بالضبط ما أكده الصحبي بن فرج، القيادي في حركة مشروع تونس، متفقاً في ذلك مع غازي الشواشي، القيادي في حزب التيار الديمقراطي، الذي اعتبر الدعوات المتكررة لتأجيل انتخابات 2019 بمثابة انقلاب ناعم على خيارات التونسيين في التداول السلمي على السلطة، حسب تعبيره.
في السياق ذاته، دعا عصام الشابي، رئيس الحزب الجمهوري، كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الحكومة إلى إصدار تصريحات واضحة تلزمهم بعدم تأجيل انتخابات 2019، وإجرائها في موعدها، محذراً من التبعات السلبية لقرار التأجيل.
الآراء الرافضة لفكرة التأجيل تلتقي أيضاً مع ما عبر عنه وفد من الكونغرس الأميركي لدى زيارته قبل يومين تونس، حيث أكد «بالغ انشغاله من أي تلاعب بالمواعيد الانتخابية». وبهذا الخصوص، أوضح محمد صوف، المتحدث باسم البرلمان، إثر لقاء رئيس البرلمان محمد الناصر مع الوفد الأميركي، أن وفد لجنة الشراكة بالكونغرس شدد على ضرورة إجراء انتخابات 2019 في موعدها، وعلى الإسراع بانتخاب رئيس جديد للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، علاوة على «إرساء دعائم المحكمة الدستورية بما يضمن مواصلة الانتقال السياسي الناجح في تونس».
وكانت إحدى المجلات الفرنسية قد تحدثت خلال شهر مارس (آذار) الماضي عن إمكانية تأجيل انتخابات 2019 بشقيها الرئاسي والبرلماني، وسعي رئاسة الجمهورية إلى تمرير مخطط للتمديد للرئيس لمدة سنتين، أي إلى حدود سنة 2021، وبالتالي تأجيل انتخابات 2019، مع الترويج لعدم توفر الظروف الملائمة لإجرائها في موعدها. في السياق نفسه، أشارت تقارير داخلية وخارجية إلى وجود محاولات جدية لتوريث نجل الرئيس الحالي، موضحة انطلاق أولى محاولات التوريث قبل نحو 3 سنوات، وذلك حينما تم اقتراح ترشيح حافظ قائد السبسي في انتخابات 2014 على رأس قائمة انتخابية في العاصمة التونسية. غير أن الاقتراح قوبل بالرفض نتيجة تواضع تجربته السياسية. وكنتيجة لذلك، انتظر المحيطون بالرئيس التونسي فرص الانتخابات البرلمانية الجزئية في ألمانيا، واعتبروها فرصة سانحة لدخول نجله البرلمان، ومن ثم إزاحة رئيس البرلمان الحالي محمد الناصر، وتولي مهامه قبل أن يتم الإعلان عن مرض الرئيس وعدم قدرته على تولي أعباء الحكم، ومن ثم توليه مقاليد الحكم. غير أن أحزاباً سياسية معارضة كشفت هذا المخطط خلال شهر نوفمبر الماضي، وقضت على آمال نجل الرئيس في المهد، أي قبل شهر ونصف الشهر من تاريخ إجراء الانتخابات المتعلقة بانتخاب ممثل للجالية التونسية المقيمة في ألمانيا بالبرلمان.
ويرى مراقبون للشأن السياسي التونسي أن المعركة الحالية بين يوسف الشاهد رئيس الحكومة، وحافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحزب النداء، الذي يطالب بتغيير شامل للحكومة، بما في ذلك رئيسها، تدور بالأساس حول الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، وليس النزاع على رئاسة الحكومة، ويرجح هؤلاء أن يكون الشاهد هو المنافس الرئيسي لنجل الرئيس حول الرئاسة، وهو ما فتح مواجهات مبكرة بين الطرفين. فخلال الأيام الأخيرة، دعا حافظ قائد السبسي، حركة النهضة، إلى إعلاء مبدأ التوافق السياسي في إدارة الحكم، وهو ما يعني التوافق في حقيقة الأمر بين حركتي النداء والنهضة حول مصير الشاهد. كما تحدثت مصادر سياسية عن إمكانية وجود «طبخة سياسية» بين الشيخين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، يتم بمقتضاها التنازل المتبادل بين الطرفين: أي أن «النهضة» تدعم خيار التمديد للرئيس الحالي إلى حدود سنة 2021، وفي ذلك ربح للوقت لفائدة نجل الرئيس، ومن ثم تقليص شعبية الشاهد أكثر من خلال التأكيد على فشله في حل الملفات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. أما حزب النداء فإنه سيتخلى عن مقترح المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، اعتباراً لكم المشكلات التي وجدت قيادات النهضة نفسها فيها نتيجة عدم وضوح مواقفها، وصعوبة توحيد آرائها حول هذا المقترح، ويدعم المشاركة السياسية لحركة النهضة في حكم تونس.
أما على المستوى الدستوري، وإن كانت دعوات التأجيل للانتخابات تجد لها مرجعاً قانونياً، فإن سلسبيل القليبي، أستاذة القانون الدستوري، تؤكد أن إمكانية تأجيل انتخابات 2019 لا يمكن أن تتم إلا بسبب وجود «خطر داهم»، حسبما ينص عليه دستور 2014، وهو ما يصعب تطبيقه على الحالة التونسية، على حد تعبيرها.
وعلى الرغم من طابعها غير الرسمي، فقد اشتركت تصريحات مختلفة في الدعوة إلى تأجيل انتخابات 2019، أو التلميح إلى ذلك، حيث أشار نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل (نقابة العمال)، إلى أن كل السيناريوهات السياسية «باتت واردة، وهي مرتبطة بضرورة تنقية المناخ السياسي»، على حد قوله.
ويلتقي الطبوبي في هذا الرأي مع لطفي زيتون، المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة، الذي استبعد بدوره تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تونس في موعدها إذا استمر الوضع على حاله، خصوصاً فيما يتعلق بعدم انتخاب رئيس جديد لهيئة الانتخابات، وبطء استكمال المؤسسات الدستورية، ومن أهمها المحكمة الدستورية.
غير أن زيتون استدرك هذا التصريح ليؤكد أنه لم يدعُ إلى تأجيل انتخابات 2019، بل استبعد تنظيمها لعدة أسباب من بينها أن هيئة الانتخابات دون رئيس، ولا وجود لمحكمة دستورية، كما أنه لم يتمّ وضع قانون انتخابي جديد ينظم العملية الانتخابية، كما تطالب بذلك عدة أطراف سياسية، خصوصاً من المعارضة.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.