واشنطن تودع السناتور جون ماكين

ثلاثة رؤساء أميركيين حضروا جنازته

TT

واشنطن تودع السناتور جون ماكين

تصدر الرؤساء الأميركيون السابقون باراك أوباما وجورج بوش الابن وبيل كلينتون وزوجاتهم المشيعين في مراسم وداع جثمان السناتور الأميركي جون ماكين، بطل حرب فيتنام، والمرشح الرئاسي السابق. وكان الغائب الأكبر الرئيس دونالد ترمب الذي حضرت ابنته. وغادر الموكب صباح أمس السبت مبنى الكونغرس إلى كاتدرائية واشنطن الوطنية.
وفي الطريق إلى الكاتدرائية، توقف موكب أحد أشهر الأسرى الأميركيين في الحرب عند النصب التذكاري للمحاربين الذين خاضوا حرب فيتنام حيث وضعت زوجته سيندي مكين إكليلا من الزهور لتكريم قتلى الحرب.
وانضمَّ إلى أوباما وكلينتون الديمقراطيين بوش الجمهوري ومسؤولون أميركيون سابقون، وأعضاء في مجلس الشيوخ، وقادة من حقبة حرب فيتنام، وآخرون للتعبير عن تقديرهم لرجل الدولة الذي توفي يوم 25 أغسطس (آب).
نتيجة إصابته بسرطان المخ قبل أيام من إتمام عامه الثاني والثمانين. كما شارك عشرات من كبار الشخصيات الأميركية مثل آل غور وديك تشيني، اللذين شغلا منصب نائب الرئيس، ووزيري الخارجية السابقين جون كيري وهنري كيسنجر. وحضرت ابنة الرئيس إيفانكا ترمب، وزوجها جاريد كوشنر، الجنازة، الى جانب وزير الدفاع جيم ماتيس وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي.
وتغيب عن المشهد الرئيس دونالد ترمب، الذي خاض على مدى السنوات الثلاث الماضية خلافاً علنياً مع ماكين زميله في الحزب الجمهوري. وكانت عائلة ماكين قد أوضحت أن ترمب غير مرحب به في المراسم الكنسية بولايتي أريزونا وواشنطن، أو حتى أثناء عملية الدفن الخاصة اليوم (الأحد)، في أنابوليس بولاية ماريلاند في الأكاديمية البحرية الأميركية التي تخرج فيها ماكين في عام 1958.
ونزولاً عند وصيّة الراحل ألقى أوباما وبوش الابن كلمتين تأبينيتين تتناولان التزامه الوطني فيما هو أبعد من التزامه الحزبي، وذلك للتأكيد على أن الأميركيين مصيرهم واحد بغض النظر عن انتمائهم الحزبي.
وخطط ماكين بنفسه لهذه المراسم خلال الأشهر الأخيرة فيما كان يصارع السرطان. وتلقى ماكين كلمات رثاء وإشادات استثنائية وعاطفية، من بينها موافقة زملائه في الكونغرس على أن يسجّى جثمانه الجمعة في مبنى الكابيتول في واشنطن. وهي مراسم مخصصة لكبار الشخصيات في تاريخ الولايات المتحدة مثل الرئيسين جون كينيدي ورونالد ريغان. وأتيح للأميركيين إلقاء النظرة الأخيرة عليه طيلة ست ساعات.
وأشادت ميغان ماكين بأبيها قائلة إنه يجسد «العظمة الأميركية». وقالت في الكاتدرائية الوطنية بواشنطن: «نتجمع هنا كي ننعى وفاة العظمة الأميركية. الشيء الحقيقي لا الكلام الرخيص الصادر من الرجال الذين لن يقتربوا أبداً من التضحية التي قدمها (والدي) عن طيب خاطر». وانتقدت هؤلاء «الذين عاشوا حياة تتسم بالرغد والراحة، في حين عانى هو وخدم». وكانت هذه التصريحات بمثابة إشارة واضحة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي تهكَّم عام 2015 على الخمس سنوات التي قضاها ماكين أسير حرب في فيتنام بقوله: «أنا أحب الأشخاص الذين لم يقعوا في الأسر». ولمحت ميغان مكين إلى شعار حملة ترمب قائلة: «إن أميركا جون ماكين ليست بحاجة إلى أن تكون رائعة مرة أخرى، لأن أميركا كانت دوماً عظيمة».
وأشاد أوباما بماكين الذي كان مرشحاً منافساً له في الانتخابات في كلمة مؤثرة. وقال أوباما: «كنتُ أنا والرئيس (جورج دبليو) بوش ضمن القلة المحظوظة التي تنافست مع جون على أعلى مستوى من المعترك السياسي».
وقال أوباما، وهو منتمٍ للحزب الديمقراطي: «لقد جعل منا رؤساء أفضل، تماماً كما جعل مجلس الشيوخ أفضل، ومثلما جعل هذا البلد أفضل». وقال مازحاً: «أي طريقة تجعلنا نأتي بالضحكة الأخيرة أفضل من أن يقول جورج وأنا أشياء لطيفة عنه أمام جمهور على مستوى البلاد».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟