جهوزية السلطات اللبنانية مع اقتراب النطق بقرارات «محكمة الحريري»

«الشرق الأوسط» سألت عن تنفيذ الأحكام في ظل القدرات المحدودة للبنان

شعار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
شعار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
TT

جهوزية السلطات اللبنانية مع اقتراب النطق بقرارات «محكمة الحريري»

شعار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
شعار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان

عادت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى واجهة الاهتمام وعادت معها أسئلتها الصعبة المتعلقة بقدرة السلطات المختصة، وفي ظل التوازنات الحالية التي تتحكم بالساحة اللبنانية، على تنفيذ أحكام قد تصدر بحق أفراد من «حزب الله» اتهمهم المدعي العام بجريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري. كذلك عادت مسألة إدانة من خطط ومن أعطى الأوامر لتنفيذ هذه الجريمة على اعتبار أنها لا يمكن أن تكون صنيعة أفراد، مع معطيات تنذر بأن الإدانة الشاملة ستبقى في ذمة التاريخ.
وأصدرت المحكمة الخاصة بلبنان تعميماً بتحديد موعد المرافعات الختامية في قضية الادعاء ضد المتهمين الأربعة ابتداءً من صباح 11 سبتمبر (أيلول) 2018 تنتهي في 21 منه. وتبدأ الجلسات بالمرافعات الختامية للادعاء، تليها مرافعات الممثلين القانونيين للمتضررين وأفرقاء الدفاع عن المتهمين الأربعة، وهم من مسؤولي جهاز أمن «حزب الله»، سليم عياش، وأسد صبرا، وحسن عنيسي وحسن مرعي، فيما أسقطت الملاحقة عن المتهم مصطفى بدر الدين الذي قتل في سوريا. وللادعاء حق الرد وللدفاع حق الرد على الرد. ‏وبذلك تختتم جلسات المحاكمة في القضية، لكنها لا تعتبر بعد قرار بالإدانة أو بالبراءة. وعقب ذلك، سينسحب القضاة لإجراء المداولات، وسيصدرون حكما في الوقت المناسب. وبعد سماع كل الأدلة والتداول، سيصدر القضاة قرارا معللا يعتبرون فيه المتهم «مذنبا» أو «غير مذنب». ولا يصدر حكم بالإدانة إلا إذا اقتنعت أكثرية أعضاء غرفة الدرجة الأولى بأن الجرم تم إثباته من دون أدنى شك معقول. وإذا وجدت غرفة الدرجة الأولى المتهم مذنبا، تحدد العقوبة لاحقا. وبذلك تختتم مرحلة المحاكمة.
ويقول وزير العدل الأسبق الدكتور إبراهيم نجار لـ«الشرق الأوسط»، إن صدور أي قرار يبقى معلقاً لحين الاستئناف، ولن ينتهي الموضوع قبل انقضاء سنة أو أكثر على المرحلة الابتدائية. ويوضح نجار أنه «إذا صدر قرار عن المحكمة الخاصة ولم يستطع لبنان تنفيذه، يكون ذلك من الأمور المتوقعة، فهو لم يستطع جلب المتهمين للمثول أمامها في السابق». وشدد على أن «المهم في صدور أي قرار عن المحكمة هو فحواه ومضمونه ودلالاته ووسائل الإثبات التي يمكن أن يحويها. مفروض أن يقول لنا الحقيقة. العبرة في هذه الحقيقة».
ويقول وزير الداخلية الأسبق المحامي زياد بارود: «ينص النظام الأساسي للمحكمة على وجوب تقديم السلطات اللبنانية المساعدة المطلوبة لتنفيذ الأحكام من دون تأخير. وإذا تخلفت عن الاستجابة خلال 30 يوماً، يجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة تنظيم محضر قضائي، وعلى رئيس المحكمة أن يبدأ التشاور مع السلطات اللبنانية للحصول على التعاون المطلوب. فهي مطالبة بالتعاون وفق القنوات الرسمية وطبعاً لديها مهلة كافية وهامش لمناقشة الموضوع وإبداء ما تراه مناسباً. وإذا رأى رئيس المحكمة أنه لم يجد رداً مقنعاً من السلطات اللبنانية خلال مهلة معقولة، يعد محضراً قضائياً ويحيل المسألة برمتها إلى مجلس الأمن لإجراء المقتضى».
ويقول محامي النائب جميل السيد (المدير العام السابق للأمن العام وأحد الضباط الأربعة الذين أوقفوا خلال التحقيقات في جريمة الاغتيال)، أكرم عازوري لـ«الشرق الأوسط»، إن «تنفيذ أحكام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تتعلق بقرار سياسي، لا سيما إذا وصل تقرير من رئيس المحكمة عن عدم تعاون السلطات اللبنانية إلى مجلس الأمن. فهذا المجلس هو أكثر جهاز تتحكم به السياسة، مع الدول الخمس التي تملك حق الفيتو. لذا فإن تنفيذ قرارات المحكمة أو عدم تنفيذها تقف عند العامل السياسي».
ويوضح وزير العدل السابق ونقيب المحامين السابق شكيب قرطباوي، أن «لبنان طبق حتى تاريخه كل ما يتعلق بالمحكمة الدولية مع أن فترة المرافعات أخذت وقتاً طويلاً. وعند صدور القرارات ستقوم الجهات المختصة بما تستطيع القيام به. وإذا لم تتمكن من جلب متهمين، لن تكون المرة الأولى، فقد حصل الأمر سابقاً في قضايا عدة. وليس مطلوباً توظيف القرارات الصادرة عن المحكمة الخاصة بلبنان في النزاعات الداخلية أو استخدامها سلاحاً سياسيا. والأهم أن لا تعطى هذه القرارات حجما أكبر من حجمها الفعلي».
وعن التداعيات على لبنان إذا لم ينفذ القرار، يقول نجار: «قرار إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان صادر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع. لكن تنفيذ القرارات الصادرة لا يندرج تحت هذا الفصل. ولا أحد يستطيع التكهن بمن ستطاله الأحكام. يجب أن نحترم استقلالية المحكمة الخاصة».
إلا أن مرجعاً قضائياً تابع جريمة الاغتيال منذ لحظتها الأولى، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «حجم القرارات يرتبط بحجم الجريمة، إذ لم يتم اغتيال الرئيس رفيق الحريري صدفة، لكن في إطار مخطط مرسوم للمنطقة انطلاقاً من لبنان». ويضيف: «تداعيات ما سوف يصدر عن المحكمة الخاصة بلبنان يرتبط بموازين القوى في المنطقة، فإذا بقيت هذه الموازين على حالها سيبقى أداء السلطة اللبنانية على حاله، وتوضع قرارات المحكمة في الإدراج مع تقرير كل ستة أشهر خلاصته أنه لم يتم العثور على المرتكبين».
ويستبعد بارود أي مفاجآت تتعلق بقرار المحكمة انطلاقاً من المعطيات الحالية. ويقول: «أعتقد أن المفصل كان الادعاء والقرار الاتهامي. لم يتغير الكثير منذ صدور هذا القرار حتى اليوم، وما هو متوقع أن يحصل سيكون نتيجة الخلاصات التي وصل إليها الادعاء، حتى على مستوى المعطيات فقد بقيت هي ذاتها».
هل يعقل أن يتوقف الحكم عند إدانة المشبه بهم من دون إدانة أي مرجعية ينتمون إليها يفترض أنها أعطتهم الأوامر لتنفيذ جريمة الاغتيال؟ يقول بارود: «غياب المشتبه بهم بحكم الوفاة أو بحكم التواري عن الأنظار، يفرض أن تكون الأحكام على أساس الدليل المتوفر. وكم من ملفات أقفلت لعدم كفاية الأدلة».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.