سفك الدماء في طرابلس يوسّع دائرة الرفض للمجلس الرئاسي

مطالبات بتنحية السراج وسط دعوات إلى توحيد مؤسسة الجيش

TT

سفك الدماء في طرابلس يوسّع دائرة الرفض للمجلس الرئاسي

اتسعت دائرة رفض الكتلة النيابية المؤيدة للمجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق الوطني» بقيادة فائز السراج، على خلفية سفك الدماء في العاصمة الليبية طرابلس، وسط مطالبات للسراج بالتنحي، وتشكيل مجلس مصغر من رئيس ونائبين، وتقديم المتورطين في الأحداث الدامية التي شهدتها البلاد للمحاكمة.
وفور اندلاع المواجهات المسلحة في طرابلس قبل خمسة أيام التي خلفت أكثر من 30 قتيلاً، سارع قرابة 80 نائباً برلمانياً من المؤيدين لاتفاق الصخيرات، بالتوقيع على بيان يطالبون فيه «بسحب الثقة من السراج، بسبب ما وصفوه بإطلاق يد الميليشيات المسلحة في العاصمة، والإنفاق عليها من موارد الدولة». غير أنه مع تصاعد حدة الاقتتال، وتزايد القتلى، ارتفع عدد المطالبين بإعادة النظر في المجلس الرئاسي، وذهبوا إلى أن رئيسه «ينفرد بالسلطة»، فضلا عن «تدخل الأقارب والمستشارين بطريقة واضحة في قراراته»، وبالتالي «يجب سحب الثقة منه».
وقال عضو مجلس النواب محمد إبراهيم تامر إن «الدوافع كثيرة وراء توقيع النواب على بيان لسحب الثقة من رئيس المجلس الرئاسي، منها عدم نجاحه في تحقيق أي إصلاح سواء ما يتعلق بحكومة الوفاق، أو بتطبيق الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي، الذي وقعّ في الصخيرات قبل نحو أكثر من عامين، فضلاً عن تراجع مستوى معيشة المواطنين، ونقص السيولة في البنوك، وارتفاع الأسعار».
وأضاف النائب عن الجنوب (بلدية تراغن)، في حديث إلى «الشرق الأوسط» أن «سحب الثقة من السراج هو الحل، وقد توافق على ذلك المؤيد للمجلس الرئاسي قبل المعارض له، خوفاً من دخول البلاد في نفق مظلم»، متسائلاً: «هل يُعقل أن تشتعل الاشتباكات في طرابلس 4 أيام وتحصد عشرات الأرواح، بينهم مدنيون، دونما أن يقدم رئيس المجلس الرئاسي شيئا لوقف آلة الحرب؟».
ومضي تامر مطالباً السراج بـ«التنحي لأنه أصبح هو المشكلة». وقال: «طرابلس عاصمة كل الليبيين، وليست لفصيل دون سواه»، مستدركاً: «هناك مطالبات واسعة بتشكيل مجلس رئاسي مصغر من رئيس ونائبين، ورئيس وزراء منفصل عن الحكومة مهمتهم توحيد المؤسسات والإشراف على الانتخابات المقبلة».
ورداً على كيفية سحب الثقة من رئيس المجلس الرئاسي، وهي لم تمنح له منذ توقيع الصخيرات، قال نائب الجنوب: «هذا صحيح، لكن أكثر من 101 نائب سبق أن وقعوا على وثيقة تمنح الثقة للسراج، ثم عُرضت على لجنة الحوار بمجلس النواب، وعلى ضوئها دخل العاصمة لممارسة صلاحياته، وتلا ذلك اعتراف المجتمع الدولي به».
ودخل الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي، على خط الأزمة، وقال قبل يومين، إن ما يجري في العاصمة «سبق أن حذر منه، وأن هذا الاقتتال هو نتاج طبيعي لأكثر من عامين من سياسات التفرد والتعنت والحسابات الخاطئة التي تم تبنيها».
ورأى السويحلي في بيان نشره على حسابه عبر «فيسبوك» أنه «ما زال هناك متّسع لتجنب الحرب الشاملة، والتوافق على سلطة تنفيذية تكون مهمتها الوحيدة إجراءات عملية لإعادة الأمر كله إلى الشعب ليختار من يدير شؤونه ويتولى أمره من خلال انتخابات يشارك فيها الجميع لتأتي بنتائج تشمل كل المناطق، وتضمن تمثيل مُجمل الأطياف والتيارات السياسية».
مؤيدو «اتفاق الصخيرات»، الذين انصرفوا عن السراج يرون أنه «انحرف عن مساره» بعد مرور أكثر من عامين، ولم يلتزم بمخرجات الحوار السياسي، ما دفع عضو مجلس النواب سهام سرقيوة إلى القول: «لاحظنا تفرد الرئيس بالسلطة وتداخل الأقارب والمستشارين بطريقة واضحة، فالمناصب اقتصرت على شخصيات معينة، بجانب تهميش كامل لمدن ليبيا، فالمجلس الرئاسي كبير ويتكون من 9 أشخاص وهم غير متفاهمين».
وأضافت سرقيوة في مداخلة لفضائية «ليبيا الحدث»: «كيف ندعم حكومة الوفاق ونحن لا نستطيع تقديم خدمات لمدننا؟»، مستكملة: «الترتيبات الأمنية من المفروض أن تتم، مع توحيد المؤسسة العسكرية، لكن شيئا من ذلك لن يحدث طالما وجدت التشكيلات المسلحة في طرابلس».
بموازة ذلك، ذهب مقرر مجلس النواب صالح قلمة، إلى أن «بعض داعمي ومعارضي السراج اتفقوا بين ليلة وضحاها في مجلس النواب (في طبرق بشرق البلاد) ومجلس الدولة (في طرابلس بغرب البلاد) واستغلوا الاشتباكات التي تحدث في طرابلس، وبدلاً من أن يقفوا معه لتهدئة الأمور وحقن الدماء حملوه المسؤولية بمفرده وسارعوا للإطاحة به واستبداله مجلس رئاسي جديد به».
واستكمل قلمة عبر حسابه على «فيسبوك»: «هؤلاء جميعاً نسوا مسألة الدستور، وقانون الاستفتاء، والانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والمقولة الشهيرة: خلي الشعب يقول كلمته، ويحاولون العودة بالبلاد إلى المربع الأول»، وزاد: «أعتقد إن استمر هذا التحدي بينهم، وكشف السراج عن كل أوراقه فسوف تتكشف حقائق كثيرة وصادمة، وسيختفي كثيرون من الساحة، عندئذ يستطيع الشعب أن يقول كلمته».
يأتي ذلك في وقت تتجه أنظار الليبيين إلى مجلس النواب بعد غد الاثنين، وسبق أن دعا رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، الأعضاء إلى «إنجاز تعديل الإعلان الدستوري»، لكنه في حال عدم توفر النصاب القانوني، وعدم تمكن المجلس من تعديله الإعلان، فإن عقيلة قال إن المجلس سيتجه لانتخاب رئيس مؤقت للبلاد بشكل مباشر من الشعب، الأمر الذي عدّ استهدافاً لرئيس المجلس الرئاسي.
وختم النائب عن الجنوب محمد تامر حديثه لـ«الشرق الأوسط» متوقعاً أن يتم تشكيل «لجنة حوار مصغرة في البرلمان للاتفاق على تشكيل مجلس رئاسي جديد».
وسبق للأفرقاء السياسيين الممثلين لمجلس النواب و«الأعلى للدولة»، عقد جلسات عدة في تونس نهايات العام الماضي، لتعديل اتفاق الصخيرات، لكنها جميعاً لم تسفر عن شيء، إذ تعثرت كل الجهود أمام تمسك كل فريق بمكتسباته، ورفضه تقديم أي تنازل، «وسط اتهامات متبادلة بينهما».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.