القوى السنية تلتف حول الحريري رفضاً للمس بصلاحيات رئاسة الحكومة

TT

القوى السنية تلتف حول الحريري رفضاً للمس بصلاحيات رئاسة الحكومة

يتبلور حجم التضامن مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من قبل مختلف القوى السياسية السنية، كما الشارع السني، للتعبير عن رفض ما يعتبرونه محاولة للمس بصلاحيات رئاسة الحكومة، من خلال الضغوط التي يتعرض لها لتشكيلها ضمن مهلة محددة، لم يلحظها الدستور، وعبر تعميم «فتاوى ودراسات» لحثه على الاعتذار، أو سحب التكليف منه في حال طال أمد التشكيل.
وعُقد قبل أيام اجتماع جديد لرؤساء الحكومات السابقين في مقر إقامة الحريري في «بيت الوسط»، بعد اجتماع مماثل عُقد في نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي، أكد خلاله كل من نجيب ميقاتي وتمام سلام وفؤاد السنيورة دعمهم للرئيس المكلف، وتعاونهم معه لإنجاح مهمته. ولا يقتصر التضامن مع الحريري على شخصيات مقربة منه كالسنيورة وسلام، أو على ميقاتي الذي طالما شكّل منافساً سياسياً له، إذ تحتضن دار الفتوى الرئيس المكلف وتدعم جهوده، وهو ما أكدته مراراً في الفترة الماضية.
أما اللافت في كل هذه الحركة، فهو انضمام شخصيات لا تزال تصنف نفسها كمعارضة للحريري وسياساته، لإعلان تضامنها معه بوجه ما تعتبره تعرّضاً لصلاحياته، وهو ما كان قد تحدث عنه مثلاً رئيس تيار «الكرامة»، النائب فيصل عمر كرامي، مؤكداً وجود «إجماع سني رافض للتعدي على صلاحيات رئيس الحكومة، في ضوء شد الحبال السياسية، وفرض الشروط الوزارية في عملية تشكيل الحكومة، ومحاولة البعض الالتفاف على صلاحيات الرئيس المكلف».
وهذا ما عبّر عنه أيضاً أحد النواب السنّة المقربين من «الثنائي الشيعي»، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «الدستور واضح وصريح، وهو لا يحدد أي مهلة للرئيس المكلف لإنجاز مهمته»، معتبراً أن «كل الفتاوى التي تصدر من هنا أو من هناك لا قيمة دستورية لها، وبالتالي غير قابلة للتطبيق»، بل يذهب النائب الذي عُرف عنه دوماً أنه معارض للحريري أبعد من ذلك، رافضاً كلام بعض القوى السياسية عن خضوع الرئيس المكلف لضغوط خارجية تمنعه من التشكيل، مقراً بوجود تدخلات خارجية، لكن ليس عبر الحريري، إنما من خلال قوى سياسية أخرى.
كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد أعلن قبيل عيد الفطر أنه لن ينتظر بعد الأول من شهر سبتمبر (أيلول)، وسيتكلم، مشدداً على أن مهلة تشكيل الحكومة ليست مفتوحة «وليس لأي أحد أن يضع البلاد برمتها رهينة عنده ويعطلها». وقبل أيام، تم نشر دراسة لوزير العدل سيلم جريصاتي، يؤكد فيها أنه يعود لرئيس الجمهورية «تقويم المأزق الناجم عن التأخير في تأليف الحكومة، على أن يفرض الحلول التي يراها مناسبة». وسارعت كتلة «المستقبل»، في اجتماعها الأسبوعي الأخير، للرد على اتساع الحملة المطالبة بوضع ضوابط لعملية التشكيل، محذرة من وجود «دعوات غير بريئة لتجاوز أحكام الدستور، ومخالفة روح اتفاق الطائف»، منبهة من «تنامي خطاب يتعارض مع مفاعيل التسوية الرئاسية».
وفي سياق المواقف والتحركات الداعمة للحريري، أعلن رئيس اللائحة البيروتية التي نافست لائحة «المستقبل» في الانتخابات النيابية، صلاح سلام، سحب الطعن الذي قدمه أمام المجلس الدستوري، رابطاً هذه الخطوة بما قال إنها «حملات هادفة للنيل من مقام رئاسة الحكومة، وصلاحيات الرئيس المكلف».
وانعكس التفاف القوى السياسية السنية حول الحريري، خصوصاً في المناطق ذات الغالبية السنية المؤيدة لـ«المستقبل»، ومنها الطريق الجديدة، وإن بدرجات متفاوتة، بحيث سُجل نوع من «شد العصب» بعد الدعوات لحصر مهمة الرئيس المكلف بمهلة معينة، وذهاب البعض إلى حد المطالبة باعتذاره، أو سحب التكليف منه، على غرار النائب جميل السيد.
ويعتبر الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، أنه «على الرغم من كون الحديث عن صلاحيات أي من الرئاسات الـ3 يؤدي تلقائياً لشد عصب طائفي ومذهبي، حسب الرئاسة المعنية، فإن ما كنا نشهده في السنوات الماضية لم نعد نشهده اليوم، في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي يرزح تحتها اللبنانيون، ما يجعلهم يعطون الأولوية لوضعهم المعيشي على ما عداه من ملفات».
ويضيف شمس الدين لـ«الشرق الأوسط»: «في الفترات الماضية، كان وقع السجالات السياسية على الشارع أكبر بكثير، أما اليوم فقد بتنا في مكان آخر»، لافتاً إلى أن وجود الرئيس الحريري في السلطة يجعل 40 في المائة من السنّة معه بشكل تلقائي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».