قراءة في خلفيات الصراع الجديد على طرابلس

تحرّك عسكري في العاصمة الليبية يربك خططاً للإصلاح

قراءة في خلفيات الصراع الجديد على طرابلس
TT

قراءة في خلفيات الصراع الجديد على طرابلس

قراءة في خلفيات الصراع الجديد على طرابلس

أربك تحرك عسكري جديد في العاصمة الليبية طرابلس، خطط إصلاح سياسية واقتصادية. ودخلت المدينة في صراع جديد، منذ مطلع الأسبوع، عقب هجوم مباغت قامت به قوات عسكرية تضم ألوف المقاتلين، من بينهم رجال كانوا من «النخبة» في عهد معمر القذافي.
وانطلقت قوات تعرف باسم «اللواء السابع»، المدججة بالأسلحة الثقيلة، من تمركزاتها في معسكرات بلدة ترهونة التي تبعد نحو سبعين كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة، ودخلت طرابلس تحت قذائف المدفعية. وانضم إليها عسكريون آخرون، من بلدات وقبائل معروف عنها أنها مناوئة لحكم رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، المدعوم دولياً. ويبدو أن «اللواء السابع» استغل حالة الغضب في طرابلس من سوء الخدمات، ونقص الخبز، وانقطاع الكهرباء والمياه، وتأخر صرف الرواتب. بالإضافة إلى استمرار سجن قيادات من النظام السابق طوال السنوات السبع الماضية، وأخيراً صدور حكم بالإعدام على نحو خمسين من جنود الجيش، بتهمة قتلهم مسلحين أجانب واثنين من الليبيين في انتفاضة 2011.

أدى اقتحام طرابلس، خلال الأيام القليلة الفائتة، إلى إزاحة خطط بطيئة للإصلاح في ليبيا، إلى خلفية المشهد. فحتى أيام قليلة مضت كان مجلس النواب الذي يعقد جلساته في الشرق الليبي، برئاسة المستشار عقيلة صالح، يسعى لتعديل تشريعات يمكن أن تسهم في الوصول لحل سياسي يفضي لانتخابات عامة، بينما كان المجلس الرئاسي في طرابلس، برئاسة فايز السراج، يبحث تحرير سعر صرف العملة، ورفع الدعم، والحصول على قروض دولية لإنعاش الاقتصاد.
تبدو الأمور معقدة أمام المراقب للتطورات في ليبيا. إذ يفترض أن «اللواء السابع»، تابع للحرس الرئاسي الموالي للسراج. وكان الحرس الرئاسي نفسه في طرابلس، بقيادة العميد نجمي الناكوع، قد تعرّض في السابق للهجوم، على يد ميليشيات موالية للسراج أيضاً. وما زال الناكوع موالياً للمجلس الرئاسي نفسه، لكن غالبية قواته تشتتت، ولم تعد كما كانت عليه في الماضي.
ولا يوجد راهناً وزير للدفاع في حكومة السراج، بعدما دخل العقيد المهدي البرغثي، وزيره السابق، في نزاع معه قبل شهور حول قانونية استمراره في موقعه الوزاري. وعلى كل حال، تسبب هجوم «اللواء السابع»، على العاصمة خلال الأيام الأخيرة في خلط الأوراق من جديد. وقال مصدر في المجلس الرئاسي، إن «قادة هؤلاء العسكريين أصبحوا في حكم المتمردين، وينبغي مواجهتهم بكل السبل».

- تفاصيل ميدانية
مع الساعات الأولى من فجر يوم الاثنين كانت قوات «اللواء السابع» قد دخلت من معظم محاور طرابلس، وسيطرت على مناطق صلاح الدين والسدرة، واجتاحت طريق النصب التذكاري في عين زارة، وسيطرت على مناطق خلة الفرجان والمطار الدولي والهضبة التي يوجد فيها مقر كلية الشرطة، وكذلك منطقة باب العزيزية، التي كانت في السابق مقراً لحكم العقيد معمّر القذافي.
وشوهدت القوات التي يعتمد عليها السراج وهي تتقهقر في اتجاه الشوارع المطلة على بحر العاصمة، ومنها قوات «كتيبة ثوار طرابلس» و«الردع»، وغيرها. وتحت وطأة المفاجأة، أخذ موالون للمجلس الرئاسي يسرّبون أنباء عن أن القوات التي دخلت طرابلس هي قوات تابعة للسراج، بصفته القائد الأعلى للجيش، بهدف القضاء على الميليشيات المسلحة. ومن الجانب الآخر، شرع موالون للمشير خليفة حفتر، الذي يقود الجيش التابع للبرلمان، يروّجون لمقولة أن تحرّك جحافل القوات من ترهونة في اتجاه طرابلس، يجري بتنسيق مع حفتر.
قيادي في اللجان الثورية، التي كان يعتمد عليها القذافي طوال عقود حكمه، يقول إن هذا غير صحيح... فـ«القوات التي دخلت طرابلس لا تتبع السراج، ولا تتبع حفتر». ويضيف «لقد عزّز من مثل هذا الارتباك إقدام وسائل إعلام محسوبة على السراج على الاحتفاء بعرض عسكري كبير قام به (اللواء السابع) والمعسكرات التابعة له العام الماضي، في ترهونة، وكذلك احتفاء وسائل إعلام تابعة لحفتر، بالعرض نفسه. ومنذ ذلك الوقت حاول كل طرف استقطاب قوات (اللواء السابع)...».
ويشير القيادي في اللجان الثورية إلى أن السراج كان ساعة الهجوم، موجوداً في مطار إمعيتيقة، وأن سيارات عسكرية تقدّمت لتأمينه، ونقله على عجل إلى القاعدة العسكرية التي يوجد فيها مقرّ المجلس الرئاسي في بو ستة على شاطئ طرابلس، مع العلم أنه توجد قوات إيطالية في القاعدة نفسها. واستقبل السراج في مقره هذا، مبعوثين دوليين، على الرغم من الاشتباكات والفوضى.
للعلم، ينتمي قادة الأجسام الأربعة الظاهرة على مسرح الحكم في ليبيا، إلى ما يعرف بـ«ثورة فبراير (شباط)» التي أسقطت حكم القذافي بمساعدة حلف شمال الأطلسي (الناتو). وكان هؤلاء القادة الأربعة التقوا في العاصمة الفرنسية باريس برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل ثلاثة أشهر؛ ما أثار حفيظة الإيطاليين. وظهر أن من بين المعتقدات التي تحرك بها الضباط والجنود، من مراكزهم في معسكرات ترهونة، إلى طرابلس، أن «كل هذه أجسام حكم وهمية... وحان الوقت لكي تختفي من المشهد». ويمكن أن يؤدي مثل هذا الطرح إلى مشكلات بين هؤلاء العسكريين، والمجتمع الدولي.
حالياً، يجري بحث إمكانية وقف إطلاق النار، وتجنب إراقة الكثير من الدماء. إلا أن قيادياً كبيراً من منظّمي الهجوم على طرابلس يقول إن هذا ممكن في حالة ما إذا انصاعت ميليشيات العاصمة لمشروع يقضي بتسليم أسلحتها. وهذا يعني سلب السراج مصدر قوته. وبالتالي، يمكن لخصومه في شرق ليبيا وغربها استغلال الوضع لإقصائه عن الحكم.

- أضلاع الميليشيات
ومن أبرز القوى التي ينظر إليها كأضلاع رئيسية للميليشيات في طرابلس «كتيبة ثوار طرابلس» بقيادة هيثم التاجوري و«قوة الردع الخاصة» بقيادة الاسلامي عبد الرؤوف كارا. ويعتمد السراج على هاتين المجموعتين في تأمين العاصمة، مع قوات نظامية تابعة لكل من الجيش ووزارة الداخلية. وما زال لدى غالبية ضباط هذه القوات النظامية، المشتتة والضعيفة، حنين للماضي، ولا سيما، أنهم كانوا في السابق رجال الأمن المخلصين في نظام القذافي. وخلال الساعات الـ24 الماضية، قصفت الفرقة القادمة من ترهونة معسكرات «التاجوري» و«كارا». وكان هذا الأخير محاصراً من محاور عدة. وبالإضافة إلى «كتيبة ثوار طرابلس»، هناك مجموعة ميليشياوية رابعة في العاصمة تعرف باسم «كتيبة الأمن المركزي» بقيادة عبد الغني الككلي وكانت حتى وقت قريب موالية للسراج، لكنها دخلت في خلافات معه في الشهرين الماضيين، وأصبحت شبه معزولة. لهذا؛ يبدو أنها لم تستطع مقاومة قوات «اللواء السابع مشاة» الآتي من ترهونة في العملية الأخيرة.
ما يذكر أنه منذ منتصف عام 2016، كانت ميليشيات طرابلس قد تمكنت من الانفراد بالهيمنة على أمن العاصمة. ويطغى على توجهات قادة هذه الميليشيات تيار ديني يعرف بـ«الوسطي»، وذلك بسبب دخوله في حروب مع قوات محسوبة على المتشددين، من جماعة «الإخوان»، و«الجماعة الليبية المقاتلة»، حيث وقعت مناوشات بين الطرفين قرب مطار إمعيتيقة انطلاقاً من منطقتي تاجوراء والخُمس مرات عدة في الشهور الأخيرة.
وأمام التحرّك المباغت لـ«اللواء السابع»، شعرت قوات حلف «الإخوان» و«المقاتلة» في تاجوراء والخُمس ومصراتة بأنها خارج المشهد، محلياً. وعلى الصعيد الدولي بدا، من خلال تحركات كثير الدبلوماسيين الأجانب والعرب، أن الصورة غير واضحة للجميع. وأن تحرك العسكريين من ترهونة، من الخطوات النادرة التي تتخذها قوات نظامية ليس لديها سند خارجي (دولي، أو إقليمي) يذكر، وذلك منذ هزيمة نظام القذافي في 2011.
وفي غرفة عمليات عسكرية، كانت هناك اتصالات من جانب ضباط أبدوا رغبتهم، لأول مرة منذ إطاحة نظام القذافي، في الانضمام إلى تحرّك ترهونة، والمشاركة في السيطرة على العاصمة. كما تلقّت الغرفة اتصالات من جانب دبلوماسيين غربيين. وكانت هناك رغبة في فهم ما يجري سريعاً. لكن كل دقيقة كانت تأتي بأنباء جديدة تزيد من غموض الصورة.

- القصف الجوي
إذ استخدم عسكريون موالون للسراج سلاح الطيران، انطلاقاً من قاعدة الوطية في محاولة لضرب الخطوط الخلفية للقوات التي تقدمت إلى طرابلس. وجرى بالفعل استهداف معسكرات في ترهونة. وحسب شاهد عيان «القصف طال ميدان المدينة أيضاً، والخسائر البشرية وصلت لعشرين قتيلاً. ووردت بلاغات أخرى بأن القصف لم يحدث الخسائر التي كانت متوقعة لعرقلة (اللواء السابع)».
وتخضع قاعدة معيتيقة، حالياً، لنفوذ قوات تابعة لما يعرف بـ«المنطقة العسكرية الغربية» المعينة من السراج. ويعد البعض خطوة استخدام الطيران الحربي مجازفة، ربما يكون لها تداعيات دولية أيضاً. ويقول مصدر دبلوماسي بهذا الصدد «حتى الآن تعارض كل من فرنسا وروسيا استخدام الطيران الحربي في الاشتباكات. ويبدو أن إيطاليا لديها موقف مغاير».
من ناحية ثانية، نددت قيادات محلية في ترهونة بالقصف الجوي، وحمّلت المجلس الرئاسي المسؤولية. لكن مسؤولاً في المجلس يقول، إنه «يرفض أي عمليات جوية مهما كانت الأسباب... لا وجود لأي نية من الحكومة لاستعمال السلاح الجوي ضد أبناء الشعب».
وهنا لا بأس من الإشارة إلى أنه، بالنظر إلى الماضي، وطوال تاريخ ليبيا، كان المحتلون الأجانب يخشون من البوابة الجنوبية الشرقية لطرابلس، باعتبارها أسهل مدخل لمن يسعى للسيطرة على المدينة. ويتذكر أهالي ترهونة اسم الطيار الإيطالي، كارلو ماريا، الذي قام بقصف بلدتهم أثناء دخول قوات موسوليني لليبيا، في النصف الأول من القرن الماضي.

- تفاصيل عن الاقتحام
من بين مداخلات كثيرة، في مساء يوم الأربعاء وصباح يوم الخميس، مع ضباط يشاركون في قيادة عملية اقتحام طرابلس، يظهر أن هؤلاء كانوا يتبعون طريقاً خاصة، طوال السنوات الثلاث الماضية، ليضمن لهم النمو بعيداً عن أي عراقيل. فقد فتحوا، كقيادات، منذ البداية، خطوط اتصال مع الجميع. واستقبلوا عدداً كبيراً من العسكريين الموالين للنظام السابق، وقاموا بتسليحهم. ويقول أحد المقربين من القذافي، وهو يتابع توغل «اللواء السابع» في العاصمة: «أمراء المحاور معروفون لدينا جيداً... إنهم من النخبة».
وظهر اسم «اللواء السابع» في وسائل الإعلام، بعد اجتياحه طرابلس، بصفتها قوات غير معروفة الولاء. لكن قائداً عسكرياً يقول، إن هذا اللواء منضبط وهو جزء من فرقة عسكرية كبيرة تتمركز في ترهونة، وهذه الفرقة تضم معسكرات كثيرة، والقادة الذين فيها تمكنوا، في السنوات الأخيرة، من العمل في صمت، وجمعوا عتاداً ضخماً من الأسلحة، بما فيها الدبابات والمدرعات والصواريخ.
ويضيف «بداية تجمع هذه القوات بدأ قبل نحو ثلاثة أعوام عن طريق عائلة كبيرة معروفة في ترهونة. وتمكن أربعة أشقاء من العائلة المشار إليها، وأحدهم عسكري من نظام القذافي، من إعادة فتح أبواب المعسكرات التي تعرّضت للقصف من حلف الناتو أثناء الانتفاضة المسلحة في 2011».
هذا، ويحرص معظم قادة «اللواء السابع» على تحاشي الظهور امام الأضواء، وفي المقابل يجري تداول أسماء الأشقاء الأربعة في العائلة الترهونية، باعتبارهم الواجهة، وعلى أساس أنهم هم أول من بدأ في فتح الباب لكل هذه التشكيلات العسكرية... «في البداية جرى الاتفاق مع وجهاء المدينة على ميثاق بأن هذه القوات مكلفة بالدفاع عن ترهونة، فقط، رغم أن هذه القوات تنتمي إلى مدن وقبائل مختلفة».
وساهمت الأرضية في ترهونة لمثل هذا الأمر. فقد كانت المدينة تضم واحدة من أشد كتائب حرس القذافي شراسة. لقد كانت هذه الكتيبة، حتى سقوط النظام القذافي، تضم نحو ألفي عنصر، إلى جانب معسكرات الجيش. ومنذ وقت مبكر أيضاً، أي قبل نحو سنتين، جرى الاتفاق بين قبائل ترهونة وهؤلاء العسكريين، مرة أخرى، على رفض الانحياز لأي طرف من الأطراف المتصارعة في ليبيا، سواءً في الشرق أو في الغرب.
حتى مدينة بني وليد، التي تعد عاصمة لقبيلة ورفلة الكثيرة العدد - التي ما زالت تضم قيادات موالية للنظام السابق، وترفع أعلام الدولة في زمن القذافي - لم تكن تعلم بما يدور في معسكرات ترهونة. ويقول قيادي قبلي من ورفلة «كنا ننسق ونراقب، لكننا لم نعرف بساعة الصفر». وثمة اليوم مخاوف لدى مجموعة المجلس الرئاسي من التحاق قبيلة كبيرة أخرى، هي ورشفانة، بقوات «اللواء السابع». وتعتبر ورشافنة أقرب إلى العاصمة من مدينة بني وليد. ومن جانبه، يضيف القيادي الورفلي «إذا دخلت ورشفانة إلى طرابلس، سندخل لمساعدتهم». إلا أن قائداً عسكرياً في ترهونة يقول إن «اللواء السابع» بدأ منذ يوم الأربعاء في تلقي الدعم، بالفعل، من جهات معروف عنها رفضها «الثورة التي أطاحت القذافي»، ومنها بني وليد وقبائل ورشفانة والأصابعة والمقارحة، وغيرها.
وفي تعليق على الوضع يشرح قائد عسكري قائلاً «ظل (اللواء السابع)، في السابق، منزوياً بعيداً عن أي نزاع، لدرجة أن بعض القوى كانت تسخر من اعتكافه على نفسه داخل معسكراته... ولم يأبه بمن كانوا يتندرون عليه. وسمحت طول فترة الإعداد، بتكديس الألوف من قطع الأسلحة، وبالاستمرار في التدريبات العسكرية في معسكراته». ويتابع أن «أكبر الخسائر العسكرية التي تعرض لها الجيش الليبي والقوى الأمنية في 2011، كانت من بين عناصر هذه المعسكرات، وأن أكبر عدد من الأسرى (على يد زعماء ثورة فبراير) كان أيضاً من بين هؤلاء العسكريين... أعتقد أن خططهم، وتقدمهم، كان محسوباً جيداً؛ حتى لا تتكرر مأساة الماضي».

- بيان «اللواء السابع»
أخيراً، أعلن «اللواء السابع» في بيان، أن العملية العسكرية التي يخوضها في طرابلس «ليست طلباً للسلطة، أو طمعاً في مغانم»، بل أتى «لإغاثة المواطنين المستضعفين والمظلومين من قبل الميليشيات»، وأنه حريص على سلامة العاصمة، وأهلها؛ التزاماً بالعقيدة الوطنية والعسكرية. وتابع أيضاً إنه يطمئن «كل السفارات والشركات والمواطنين الأجانب بأنهم سيكونون تحت حماية الجيش والشرطة».
لكن مع هذا، يسود اعتقاد بأن المجتمع الدولي لن يترك المجلس الرئاسي يواجه مصيره وحده أمام خطط «اللواء السابع» للسيطرة على العاصمة. فلقد استقبل السراج في طرابلس، أخيراً، كلاً من الوزير اللبناني السابق الدكتور غسان سلامة، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ونائبته للشؤون السياسية الأميركية ستيفاني ويليامز، وجرى خلال اللقاء بحث «معالجات ضرورية» لإنهاء المواجهات المسلحة في العاصمة، بأسرع وقت ممكن، لكن لم تظهر طريقة محددة بعد للتوصل إلى مثل هذه «المعالجات».

- بُعد اجتماعي وقبلي وسياسي
من بين ما قامت به قيادات «اللواء السابع» خلال السنوات الماضية، التفاوض مع حكام طرابلس على إطلاق سراح المسجونين منهم في سجون الميليشيات. وتمكنت حقاً من استعادة مئات عدة من ضباط وجنود كانوا موقوفين بتهمة موالاة النظام السابق.
وبالتزامن مع هذا، عمل قادة «اللواء السابع»، كذلك، على استقطاب عسكريين من زملائهم، وبخاصة أن الجيش الليبي يتميز، تاريخياً، بأن عدداً كبيراً من ضباطه وجنوده، في معظم الوحدات العسكرية والأمنية، ينتمون أساساً إلى مدينتي ترهونة وبني وليد.
وحدث هذا التغلغل لأبناء ترهونة وبني وليد داخل الجيش والأجهزة الأمنية الليبية في أعقاب تولي القذافي الحكم في عام 1969، بل إن نحو ألفي عسكري، ممن كانوا يتمركزون في ترهونة، تحركوا بآلياتهم الثقيلة في «ثورة القذافي» للمشاركة في السيطرة على طرابلس. وكان على رأس كتيبة المشاة في ذلك الزمن، وزير الدفاع فيما بعد، أبو بكر يونس، الذي قتل مع القذافي في سرت. وكانت من أوائل الوحدات التي دخلت طرابلس لتعضيد حكم القذافي منذ بدايته.
وبعد ذلك انتقلت أعداد كبيرة من أبناء ترهونة وبني وليد للإقامة بشكل دائم في العاصمة، مدفوعين بقرب أبنائهم من السلطة آنذاك. واستوطنوا ضواحي الهضبة وتاجوراء، وغيرهما. وتعد هذه في حد ذاتها أرضية خصبة لمن دخلوا خلال الأيام الأخيرة إلى طرابلس.
وحسب كلام مصدر أمني، فإن عدد عناصر معسكرات ترهونة، ومنها «اللواء السابع»، يبلغ نحو سبعة آلاف مقاتل، من بينهم نحو خمسة آلاف من النظاميين، و2000 من المتطوعين المدنيين. ويضيف المصدر، أن معظم عناصر هذه المعسكرات، كانوا أثناء الانتفاضة المسلحة ضد القذافي، من قوات النخبة في «اللواء 32 معزّز» الذي يتسم بالشراسة، وكان يقوده خميس نجل الرئيس الليبي الراحل، قبل مقتله.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.