أهالي المفقودين اللبنانيين يطالبون بهيئة وطنية مستقلة لكشف مصيرهم

مخيبر لـ {الشرق الأوسط} : أفراد في المؤسسات الأمنية سلموا أشخاصاً إلى السلطات السورية

أمهات وأقرباء المختفين اللبنانيين في الحرب الأهلية يحملون صورهم في وسط بيروت أمس (إ.ب.أ)
أمهات وأقرباء المختفين اللبنانيين في الحرب الأهلية يحملون صورهم في وسط بيروت أمس (إ.ب.أ)
TT

أهالي المفقودين اللبنانيين يطالبون بهيئة وطنية مستقلة لكشف مصيرهم

أمهات وأقرباء المختفين اللبنانيين في الحرب الأهلية يحملون صورهم في وسط بيروت أمس (إ.ب.أ)
أمهات وأقرباء المختفين اللبنانيين في الحرب الأهلية يحملون صورهم في وسط بيروت أمس (إ.ب.أ)

«لم يكن ابني ماهر يبلغ من العمر 15 عاماً عندما أخذوه ليقاتل إسرائيل مسلحاً ببندقية بمواجهة الطائرات والبارجات والمدرعات». تقول مريم سعيدي لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «كان ذلك عام 1982، اختفى ماهر، ورؤساء الأحزاب دخلوا إلى المجلس النيابي ليمثلوا الشعب».
مريم واحدة من أمهات وآباء وشقيقات وأبناء وبنات شاركوا، أمس، في تجمع لأهالي المفقودين خلال الحرب اللبنانية (1975 - 1989) لمناسبة اليوم العالمي للمفقودين. وهي تشير إلى «لو أن ما تقوم به لجنة أهالي المفقودين كافياً، لما كنا هنا اليوم». وتعلق «زميلتها في القهر» نجاة جروج المعوشي: «المسؤولية على هذا الشعب الذي يعيد انتخاب من تسبب بوجود 17 ألف مخطوف. هو غير واعٍ. لو كان كذلك لقاطع الانتخابات».
لكن حل قضية المفقودين يحتاج إلى أكثر من التجمعات والبيانات والأهم يحتاج محترفين مستقلين. وهذا ما بدأت تسفر عنه آلية العمل التي اتبعتها لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان. وتقول رئيسة اللجنة وداد حلواني، إن «العمل المتواصل أدى إلى إيصال الصوت إلى أوساط جديدة من ضمنها قوى سياسية وحزبية من داخل وخارج مجلس النواب. وبمساعدة المفكرة القانونية وعدد من النواب وفي مقدمتهم غسان مخيبر نجحنا في إنجاز اقتراح القانون المتعلق بإنشاء الهيئة الوطنية المستقلة للمفقودين».
عن هذا النشاط يقول النائب السابق غسان مخيبر لـ«الشرق الأوسط»، إن «خطة العمل المقترحة تتضمن إنشاء هيئة وطنية مستقلة، مهمتها الكشف عن مصير المفقودين والمخفيين قسريا، تتمتع بالصلاحيات اللازمة لتنفيذ هذه المهمة. وهي ليست خاضعة لأي وصاية وتتمتع بأقصى المقدرات المؤسساتية باستقلاليتها، وتتشكل من قضاة متقاعدين وممثلين لنقابة المحامين وأهالي المفقودين والمخفيين قسرياً. تنفيذ هذا القرار ينتظر إقرار القانون في مجلس النواب».
ويوضح أن «ما نفتقد إليه هو جهة متخصصة مهمتها أن تعمل وأن تجري اتصالات مع السلطات السورية والفلسطينية والميليشيات القديمة، لاستقصاء مصير المفقودين وجلاء الحقيقة وتعمل على وضع خطة لمتابع العمل». وكشف مخيبر أن «هناك أفرادا في الجيش اللبناني والمخابرات وقوى الأمن مسؤولين عن تسليم لبنانيين إلى السلطات السورية». وأضاف: «الوصول إلى هدف الهيئة يرتبط بضرورة موافقة القوى التي ساهمت في الحرب على تسهيل العمل لجلاء الحقيقة. وحينما يوافق مجلس النواب على إنشاء الهيئة وبنك المعلومات، فعلى هذه القوى أن تتعاون. والتحدي الأكبر في إقرار الأدوات التشريعية مع موافقة على الحل من جانب كل الجهات. كما أن آلية الحل المقترحة لن تسعى لتحميل مسؤوليات أو ملاحقة جزائية ما دامت المنظومة اللبنانية قائمة على قانون العفو. ومصلحة الأهالي هي معرفة مصير أولادهم وليس الاقتصاص من الذين تسببوا بفقدانهم. وهنا المفاضلة بين الحق بالعدالة والحق بالمعرفة، ليبقى التحدي الأهم في تطبيق السياسيين للقوانين المتعلقة بهذه القضية. نقوم بما يجب وسنرى كيف سيقبلون بالقيام بالخطوة الأولى المتعلقة بتشريع إنشاء الهيئة لدى انطلاق عمل مجلس النواب الجديد».
توثيق تفاصيل المفقودين
وتوضح المتحدثة الرسمية للجنة الدولية للصليب الأحمر يارا خواجة، أن «المنظمة بدأت العام 2012 جمع بيانات ما قبل الإخفاء للمفقودين. ووثقت كل التفاصيل التي تتعلق بهم من شكل الجمجمة إلى الملابس التي كانوا يرتدونها وقت اختفائهم. وشكلنا ما يشبه السجل الطبي لهم. عام 2015 أخذنا عينات بيولوجية من 1500 شخص من أقارب المفقودين. ونحن اليوم نقوم بتدريب علماء آثار وأطباء شرعيين وعلماء إنتروبوجيا ليكونوا حاضرين عندما يتم إقرار القانون، لأن هذا الموضوع هو الأهم. وسنسلم كل المعلومات إلى السلطات عندما تتشكل آلية إنسانية مستقلة غير متحيزة، لأننا كسبنا ثقة الأهالي الذين ائتمنونا على معلوماتهم ولا نريد أن نفرط بها. وعند تشكيل هذه الآلية، على من فيها أن يقوم بواجبه لمعرفة مصير المفقودين لجهة التحري والاستقصاء. ونحن جاهزون للمساندة».
ورداً على سؤال عن مدى تجاوب السلطات اللبنانية مع عمل المنظمة تقول خواجة: «لا أريد أن اجزم، لكن يمكن القول إن الجو إيجابي نسبياً. مشروع القانون مر بلجنتي حقوق الإنسان والعدل النيابيتين. ونأمل من خلال حواراتنا مع المعنيين أن نصل إلى نتائج إيجابية. فنحن نجري حوارات خاصة وسرية مع مسؤولين في السلطة، وهم يعتبرون أن تقديم الإجابات للأهالي سيكون الحلقة الأخيرة التي لا تزال تحول دون طي صفحة الحرب».
تقول الصحافية ساندرا نجيم التي عملت على جمع خيوط عن المفقودين خلال الحرب اللبنانية لحساب منظمة «Act of desapare» لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتوجه إلى المسؤولين في الأحزاب التي شاركت في الحرب. هم لا يفيدون. والمؤسف أنه فور انتهاء الحرب أعلنت القيادات السياسية أن صفحتها طويت، بالتالي أصبح السؤال عما حصل خلالها أشبه بخيانة السلم الأهلي».
وتضيف: «الناس يعرفون وقائع كثيرة يمكن أن تقود إلى مفاتيح لقضية المفقودين، لكن عليهم أن يشعروا أن الإدلاء بالمعلومات مهمة وطنية، وفيه شفاء لهم من تلك المرحلة وفظائعها. لكن كل طرف لا يريد أن يروي ما جرى إلا إذا كان الطرف الآخر حاضراً ليقوم بالمثل. أو هو يشعر كأنه يخون جماعته وطائفته إن تحدث عما ارتكبته كل جماعة». وتضيف: «المقاتلون كانوا يخبرونني بتفاصيل كثيرة عما قاموا به خلال الحرب، لكنهم كانوا يتجنبون أي كلام عن دفن الضحايا، فعل الدفن بقي مغيباً كأنه دليل على ما ارتكبوه. وإذا ألححت بالسؤال كانوا يبدون مقاومة كبيرة».
يرفض المقاتل السابق وعضو منظمة «محاربون من أجل السلام» نسيم أسعد هذا الاتهام. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «سألتنا جهة وضعت على عاتقها جمع المعلومات عن مكان دفن جثث الضحايا. ونحن نقدم معلوماتنا بشفافية. نقول كل ما نعرفه، أين قاتلنا وماذا شهدنا. لكننا لا نملك أجوبة لأننا لم نخطف أو نعتقل أحداً، مع أن الحصول على الأجوبة ليس صعباً، فبعد سقوط تل الزعتر حيث كنت أقاتل، تم تجميع من ألقي القبض عليهم في مدرسة الأنطونية في الدكوانة ثم اختفت أخبارهم».
رئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية علي أبو طعام يقول لـ«الشرق الأوسط»: «هناك توثيق لدى السلطات اللبنانية لوجود627 معتقلاً لبنانياً في السجون السورية، ولا أحد يسأل عنهم وهذا انتقاص للسيادة اللبنانية. ويفترض برئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يطالب بهم».
أبو طعام يشير إلى «انه قضى في سجن صيدنايا 13 عاماً وقد أطلق الرئيس السوري بشار الأسد سراحه مع 46 معتقلاً آخر لدى تسلمه الحكم بعد وفاة والده، بموجب قانون عفو، وكان النظام السوري يردد أن لا معتقلين لديه».



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.