لودريان لطهران: لا يمكن تفادي «طريق» المفاوضات الموسعة

مصادر فرنسية رسمية أكد لـ {الشرق الأوسط} أن على إيران أن «تتحاشى أي تصعيد أو استفزاز» سياسي أو أمني

لودريان لطهران: لا يمكن تفادي «طريق» المفاوضات الموسعة
TT

لودريان لطهران: لا يمكن تفادي «طريق» المفاوضات الموسعة

لودريان لطهران: لا يمكن تفادي «طريق» المفاوضات الموسعة

قد تكون الصدفة وحدها هي التي جعلت مسؤولاً مهماً في الخارجية الفرنسية يسرب لإحدى الوكالات الدولية تعميماً يدعو الدبلوماسيين والرسميين الفرنسيين من أي إدارة انتموا إليها، إلى تحاشي التوجّه إلى إيران، ويتزامن ذلك مع انتهاء مهمة السفير فرنسوا سينيمو في طهران، وتعيينه «مبعوثاً شخصياً» للرئيس ماكرون مسؤولاً عن الملف السوري.
والسفير سينيمو، قبل أن يعين في طهران كان يدير جهاز المخابرات الخارجية الفرنسي الأمر الذي يدلل على طول باعه في المسائل الأمنية. واللافت في تعميم الخارجية الذي يعكس، من غير شك، بداية توتر في العلاقات بين باريس وطهران أنه لا يفصل أنواع التهديدات التي يمكن أن يتعرض لها الدبلوماسيون والرسميون الفرنسيون في إيران. ولكن مجرد رصد أو توقع هذه التهديدات، وفق مصدر أمني فرنسي، يعني أن الأمور «تسلك مساراً سيئاً» بين الطرفين.
الواضح حتى الآن أن المبرر الرئيسي للتخوف الفرنسي يعود لمحاولة الاعتداء على تجمع للمعارضة الإيرانية في إحدى ضواحي باريس في 30 يونيو (حزيران) والقبض على ستة أشخاص بينهم ثلاثة في فرنسا أخلي سبيل اثنين منهم. أما الثالث واسمه مرهاد أ. فقد سلمته فرنسا إلى القضاء البلجيكي في العشرين من يوليو (تموز) وهو يواجه، وفق مذكرة التوقيف الأوروبية الصادرة عن بروكسيل، تهماً بـ«التورط في محاولة اغتيال إرهابية» و«التخطيط لتنفيذ اعتداء». وقبل ذلك، خضع مرهاد أ. إلى استجواب أمني وقضائي في باريس.
حقيقة الأمر أن خطورة هذه المسألة التي سعت باريس للتغطية عليها عند حدوثها وفق المصدر الأمني المشار إليه، أنه إذا ثبت حقيقة وجود محاولة للقيام بعمل إرهابي وأن ذلك على صلة بالجهات الرسمية الإيرانية، فإن تداعياته ستكون بالغة الخطورة على العلاقات بين البلدين. ذلك أنها ستكون المرة الأولى منذ سنوات حيث يرتبط اسم إيران بمحاولة إرهابية على التراب الفرنسي ما يعيد التذكير باغتيال آخر رئيس وزراء في عهد الشاه شهبور بختيار الذي ذبح في السادس من أغسطس (آب) في عام 1991 على أيدي عملاء إيرانيين. ومنذ سنوات طويلة، تندد السلطات الإيرانية بسماح فرنسا لتنظيم «مجاهدين خلق» الذي تعتبره إرهابياً بالعمل على الأراضي الفرنسية. وخلال اتصال هاتفي بين الرئيس ماكرون ونظيره حسن روحاني في الثاني من يناير (كانون الثاني) الماضي، انتقد الأخير «تمتع مجموعة إرهابية (مجاهدين خلق) بقاعدة في فرنسا تعمل منها ضد الشعب الإيراني وللترويج للعنف».
وبحسب ما أذاعته الرئاسة الإيرانية وقتها، فإن روحاني طلب من ماكرون أن «يتحرك» ضد هذه المجموعة، الأمر الذي ترفضه فرنسا منذ أن أزيل اسم «مجاهدين خلق» من لوائح الإرهاب في عام 2012. وتسمي طهران تنظيم «مجاهدين خلق» بـ«المنافقين».
ثمة من يرجح في باريس أن تكون السلطات الفرنسية على قناعة بحقيقة المحاولة الإرهابية ما يدفعها لاستباق أي «عمل انتقامي» إيراني. لكن هذا الافتراض يتناقض، وفق مصادر دبلوماسية في باريس، مع الواقع السياسي حيث التواصل دائم بين أعلى السلطات في البلدين، وآخر فصل منه الاتصال الهاتفي بين ماكرون وروحاني يوم الاثنين الماضي.
ونقطة الالتقاء بين البلدين هي التمسك بالاتفاق النووي المبرم بين مجموعة «5+1» وإيران في صيف عام 2015، وهو ما تخلت عنه إدارة الرئيس ترمب في مايو (أيار) الماضي وعمدت بعدها إلى إعادة فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على مرحلتين على طهران ستصبح السلة الثانية منها فعلية على النفط والغاز والمعاملات المالية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
في الخطاب الذي ألقاه ماكرون أمام السفراء، بداية الأسبوع الحالي، أشار ماكرون إلى «العمل المشترك» الذي تقوم به بلاده مع ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي لتمكين طهران من الاستمرار في الاستفادة مما يتيحه الاتفاق مقابل تحجيم برنامجها النووي. إلا أنه إلى «صيانته» من خلال «إطلاق مفاوضات جديدة أكثر تشددا» تتناول، وفق ما هو معروف، ثلاثة ملفات إضافية، وهي مصير النشاطات النووية الإيرانية لما بعد عام 2025، وبرامجها الصاروخية الباليستية، وسياسة إيران الإقليمية التي وصفها وزير الخارجية جان إيف لودريان في كلمته أمام السفراء عصر أول من أمس بأنها تعكس «إرادة النظام الإيراني بضرب استقرار المنطقة».
وأمس، عاد الأخير ليؤكد من فيينا أن طهران «لا يمكنها أن تتفادى مفاوضات موسعة حول الملفات الثلاثة التي تشغلنا» وهي المشار إليها سابقاً، مشدداً من بينها على «دور طهران في قضايا الأمن الإقليمي».
وفي كلمته المذكورة، نبه لودريان النظام الإيراني إلى أن «عليه أن يستمع لما نطلبه منه» ما يعني ضمنياً أن استمرار فرنسا والأوروبيين بالتمسك بالاتفاق وبالعمل على مساعدة طهران على الالتفاف على العقوبات والضغوط الأميركية ليس «مجانياً» بل يرتبط بمدى استجابة السلطات في طهران للمطالب الأوروبية، التي هي في الوقت عينه مطالب الرئيس ترمب.
وكانت مصادر فرنسية رسمية قد قالت لـ«الشرق الأوسط» إن على إيران إذا أرادت أن تبقى باريس والعواصم الأوروبية إلى جانبها، أن «تتحاشى أي تصعيد أو استفزاز» سياسي أو أمني مثل التهديد بإغلاق المضايق أو العودة إلى التخصيب أو حتى خارج دوارها المباشر أمان ذلك في اليمن أو سوريا... وقال لودريان إن «ممارسات إيران في المنطقة يمكن أن تقضي إلى مواجهة وهذه المواجهة كادت أن تحصل».
حقيقة الأمر أن العلاقات الفرنسية الإيرانية أصبحت بالغة التعقيد والتحفظات الفرنسية الأوروبية تقابلها تحفظات إيرانية تعكسها بقوة تصريحات المرشد الأعلى على خامئني أول من أمس الذي دعا أول من أمس إلى «عدم تعليق الآمال على أوروبا» و«التشكيك بوعودهم» لجهة قدرتها على إنقاذ الاتفاق النووي. ووصف الاتفاق بأنه «ليس الغاية بل الوسيلة»، مضيفاً أنه «بالطبع، إذا وصلنا إلى خلاصة مفادها أنه لم يعد يحفظ مصالحنا القومية، سنتخلى عنه».
وفي الواقع كانت تصريحات خامنئي ردّاً ضمنياً على تمسك روحاني بالاتفاق، وما قاله في البرلمان خلال جلسة استجوابه الثلاثاء حول إبلاغه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصال هاتفي جرى الاثنين بوجود طريق ثالث لبلاده في الاتفاق النووي إلى جانب طريق الخروج أو البقاء في الاتفاق.
وتأخذ إيران على الأوروبيين «البطء»، في وضع إجراءاتهم موضع التنفيذ، و«الضبابية» فيما يقترحونه، وهو ما يحتاج في أي حال إلى ترجمة فعلية.
وترجِّح مصادر فرنسية أن تشدد طهران مرده لما تراه من «اتساع حركة انسحاب الشركات الأوروبية الكبرى» بفعل الخوف من العقوبات الأميركية، وذلك حتى قبل بدء العمل بالسلة الثانية من العقوبات، وهي الأكثر إيلاماً للاقتصاد الإيراني لأنها ستصيب صناعة النفط والغاز وهي المورد الرئيسي فضلاً عن المعاملات المالية التي من شأنها أن تشل التجارة مع إيران.
من هذه الزاوية، يمكن اعتبار تصريحات لو دريان في فيينا بمثابة رد على تهديدات خامنئي، وقد وصفها الوزير الفرنسي نفسه بأنها «رسالة» للمسؤولين الإيرانيين حول ما يتعين عليهم قبوله للاستمرار في التعويل على أوروبا وعلى الدول الثلاث منها الموقعة على الاتفاق النووي (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، التي اجتمع وزراء خارجيتها أمس في العاصمة النمساوية.
وإذا كان لو دريان يشدد على أنه «يجب بالتأكيد إجراء محادثات، ويجب أن يدرك الإيرانيون ذلك» فلأن أصواتاً كثيرة في طهران ترفض الخوض في البرامج الباليستية والصاروخية باعتبارها تمسّ أمنها الوطني كما في سياستها الإقليمية. ويذكر أن إيران رفضت الدعوات الأميركية لفتح باب المفاوضات مجدداً وفق ما طلبه ترمب واضعة شروطها وأولاً تراجع واشنطن عن العقوبات.
هكذا يضيق هاش المناورة أمام الأوروبيين الراغبين بعدم الانقطاع عن الولايات المتحدة، والاستمرار في الاستفادة من العقود الكبرى في إيران ومن الفرص الاستثمارية. وفي أي حال، ترى مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن إيران «ليست في وضع يمكنها من فرض شروط أو تحديد مهل» للأطراف الأوروبية الساعية للمحافظة على الاتفاق. ولذا، من مصلحتها «الاستماع» لما تطلبه منها وهو ما أعاد لو دريان تأكيده أمس.



أزمة «تجنيد الحريديم» تحتدم في ساحات القضاء الإسرائيلي

جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
TT

أزمة «تجنيد الحريديم» تحتدم في ساحات القضاء الإسرائيلي

جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)

شهدت جلسة للمحكمة العليا الإسرائيلية، عقدت الأربعاء، لمناقشة التماسات ضد امتناع «الحريديم» (اليهود المتشددين دينياً) عن الخدمة في الجيش، مشادات وشغباً، وسط اتهامات للحكومة بتعمد تقديم «رد متأخر» حول موقفهم، وغضب من أهالي الجنود الذين يقاتلون في قطاع غزة.

ونقلت وسائل إعلام عبرية، أنه خلال مناقشة التماس قدمته منظمات وروابط محلية ضد الحكومة ووزير الدفاع يسرائيل كاتس لأنهم «لا يطبقون واجب التجنيد ضد الحريديم»، اندلعت أعمال شغب بعد أن اقتحمت تمار ليفي، من حركة «أمهات على الجبهة» القاعة، وصرخت قائلة: «إن العلمانيين (في إشارة إلى من يتم تجنيدهم) ليسوا حمير المتشددين».

ونقلت «القناة 12» الإسرائيلية أن ليفي وقفت فوق كرسي وصرخت في قاعة المحكمة «إنكم تفتتون النسيج الاجتماعي لهذا البلد. لا يمكن أن نرسل أولادنا بعمر 18 عاماً إلى غزة ولبنان ولا يتم إرسال آخرين»، ثم يتمكن حارس المحكمة من إخراجها من الجلسة.

80 ألفاً

وناقشت الجلسة رد الحكومة المتأخر، وقال قضاة المحكمة إنهم صدموا عندما عرفوا أن عدد أعضاء المتشددين الذين لم يتم تجنيدهم، بحسب رد الدولة، هو 80 ألفاً.

ووبخ القضاةُ ممثلي الحكومة لأنهم ردوا متأخراً في الصباح الباكر قبل ساعات من الجلسة.

وكان كاتس معنياً، كما نشر، بتأخير الرد الرسمي، الذي أكد أن الجيش الإسرائيلي سيكون قادراً ابتداء من عام 2026 على استيعاب جميع اليهود المتشددين.

«الحريديم» في مظاهرة بالقدس ضد قرار تجنيدهم بالجيش الإسرائيلي 30 يونيو 2024 (أ.ب)

ونقل المستشار القانوني للحكومة، غالي بهراف ميارا، موقف الدولة بشأن تجنيد المتشددين، إلى المحكمة، وأشار إلى أن الجيش سيكون قادراً على استيعاب أرقام محددة من الحريديم هذا العام، وفي عام 2026 لن يكون هناك حد على الإطلاق.

وقالت الحكومة إن «الجيش أرسل أوامر التعبئة إلى نحو 7000 من اليهود المتشددين في سن الخدمة العسكرية».

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن الثلاثاء، عن زيادة كبيرة في التجنيد من الطائفة اليهودية المتشددة لفترة التجنيد الثانية لعام 2024.

وفقاً للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، «انضم 338 مجنداً جديداً من اليهود المتشددين إلى وحدات مختلفة: 211 بوصفهم مقاتلين و127 في مهام دعم».

ويؤكد الجيش الإسرائيلي أن «هذا الدمج يتم مع احترام الظروف وأسلوب الحياة الديني للمجندين، مع تكييف البرامج القائمة».

لكن بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن إرسال الجيش الإسرائيلي 7000 أمر تجنيد إضافي لأعضاء المجتمع الحريدي جاء بعد أن فشلت المرحلة الأولى من خطة تجنيد الجنود الحريديم إلى حد كبير.

نزاع شائك

ومن بين 3000 أمر تجنيد صدرت للمتدينين الحريديم خلال الصيف الماضي، استجاب 300 شخص منهم وحضروا إلى مراكز التجنيد.

وجاءت أوامر الجيش بعد حكم تاريخي للمحكمة العليا في يونيو (حزيران) الماضي، وفيه أنه «لم يعد هناك أي إطار قانوني يسمح للدولة بالامتناع عن تجنيد طلاب المدارس الدينية الحريدية في الخدمة العسكرية».

والنزاع حول خدمة المجتمع الحريدي في الجيش هو أحد أبرز النزاعات الشائكة في إسرائيل، حيث لم تنجح محاولات الحكومة والقضاء على مدار عقود من الزمان في التوصل إلى حل مستقر لهذه القضية.

وتقاوم الزعامات الدينية والسياسية الحريدية بشدة أي جهد لتجنيد الشباب الحريديم.

يعارض «الحريديم» الخدمة في الجيش (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويقول العديد من اليهود الحريديم إن «الخدمة العسكرية تتعارض مع أسلوب حياتهم، ويخشون أن يصبح المجندون علمانيين».

ولكن الإسرائيليين الذين يخدمون في الجيش يقولون إن هذه «الإعفاءات الجماعية القائمة منذ عقود تثقل كاهلهم بشكل غير عادل، وهذا الشعور تفاقم منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) والحرب التالية، التي قتل فيها أكثر من 780 جندياً واستدعي نحو 300 ألف مواطن للخدمة الاحتياطية».

وفي العام الماضي، تم إدراج 63 ألف رجل من الحريديم على أنهم مؤهلون للخدمة العسكرية، وارتفع الرقم إلى 80 ألفاً هذا العام.

وتعمل أحزاب الائتلاف الحريدية على تشريع قانون معروف باسم «قانون التجنيد» من شأنه أن يتضمن زيادة في التجنيد، لكن مع الحفاظ على نطاق واسع من الإعفاء للرجال الحريديم، وهو ما خلف مزيداً من الجدل الصاخب والنقاش في إسرائيل.

وبداية العام الحالي، أعلن وزير الدفاع السابق، عضو الكنيست يوآف غالانت، استقالته من الكنيست، وتطرق إلى موضوع قانون التجنيد الذي كان سبباً في إقالته من منصبه، قائلاً: «في الشهرين الأخيرين منذ إقالتي من منصب وزير الدفاع، سقط أمر ما. الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء ووزير الدفاع تقوم بتسريع قانون التجنيد (الإعفاء) الذي يتعارض مع احتياجات الجيش الإسرائيلي وأمن دولة إسرائيل. لا أستطيع قبول ذلك ولا أستطيع أن أكون شريكاً في ذلك».