إسرائيل تحذر الأوروبيين: إعمار سوريا ستستغله إيران عسكرياً

نتنياهو يهدد طهران من أمام المفاعل النووي في ديمونة

TT

إسرائيل تحذر الأوروبيين: إعمار سوريا ستستغله إيران عسكرياً

هاجم فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إيران وهددها بـ«الإبادة»، واختار لذلك منصة ذات رموز واضحة، على بوابة المفاعل النووي في ديمونة، في وقت كشف النقاب عن جهود إسرائيلية لإقناع رؤساء الاتحاد الأوروبي بالحذر في محاولاتهم الاستثمار في إعادة إعمار سوريا؛ خشية أن تستغل أموال الإعمار لأغراض عسكرية في خدمة طهران.
وقالت مصادر أمنية رفيعة في تل أبيب، أمس، إن «لدى إسرائيل ما يكفي من معلومات تثير القلق من الوضع في سوريا اليوم، وأيضاً في المستقبل. فالخطر يأتي أولاً من الوجود الإيراني القوي، وثانياً من تبعات سياسة أوروبا في عناق نظام بشار الأسد». وأكدت أن تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي تفيد بأن الأسد يستغل المصاعب التي تواجهها الدول الأوروبية في استيعاب المهاجرين السوريين، ليدير مفاوضات ومساومات يحصل من خلالها على «مساعدات إنسانية» و«استثمارات ضخمة لترميم المدن، مقابل إعادة اللاجئين». وتتخوف أجهزة الأمن الإسرائيلية، من أن «يفضّل الأسد استثمار موارده في الجيش وليس في المواطنين، وبذلك تزداد قوته العسكرية ويتقاسم المال مع داعميه بالأسلحة في إيران. وبهذه الطريقة يزداد المحور الراديكالي (إيران – سوريا –«حزب الله») قوة بدلاً من أن يضعف».
وأضاف المصدر الإسرائيلي، «في الواقع الراهن لا يوجد مال لدى روسيا وإيران من أجل الاستثمار بالبنية التحتية المدمرة في سوريا؛ ولذلك فإن التقديرات الإسرائيلية هي أن المبالغ الكبيرة ستصل من أوروبا ودول عربية تتطلع إلى استقرار سوريا مقابل إبعاد إيران. ولن يستغرب أحد إذا أدخلت الصين، التي تبحث عن تأثير، يدها إلى جيبها لهذا الغرض. فيحظى عندها الشعب السوري بالفتات، ويحظى الجيش بقيادة الأسد على حصة الأسد في الأموال المستثمرة».
ولفت المصدر الأمني الإسرائيلي إلى أن جيش النظام، الذي كان يعاني إلى حد قريب من أزمة تجنيد للشبان، بدأ مؤخراً يشهد تدفق أفواج تجنيد جديدة. والتقديرات في إسرائيل هي أن قسماً من الميليشيات النشطة في سوريا ستتفكك، وقسماً منها سينضم إلى الجيش السوري. وما زالت منظومة دبابات قوات النظام مستقرة وتوصف حالتها بجيدة، وهكذا هو حال منظومة الدفاعات الجوية التي تلقت مساعدة روسية رغم الهجمات الإسرائيلية وفقاً لتقارير أجنبية. والأسلحة البرية والذخيرة حصلت هي الأخرى على مساعدة واسعة النطاق من موسكو. وعاد سلاح الجو السوري، الذي عانى من مشكلات جهوزية شديدة، إلى الطيران في الليل، وهو ما يدل على تطور وتحسين. والنواقص الكبير في جيش الأسد تتعلق بنقص صواريخ أرض – أرض وأسلحة استراتيجية استخدمها ضد المتمردين. ولذلك؛ يعتقد الإسرائيليون أن الأسد سيكرس قسماً كبيراً من الاستثمارات لتقوية الجيش، وأن يحظى الإيرانيون وليس روسيا وحدها بحصة في شراء الأسلحة.
وجاءت التهديدات الإسرائيلية المتزايدة للأسد، وفقاً لتلك المصادر، كي تقول عملياً إن «إسرائيل لن تقف على الحياد بكل ما يتعلق بالوضع في سوريا في السنوات القريبة المقبلة. فهي تصر على إخراج إيران تماماً من سوريا وتمارس ضغوطاً على الولايات المتحدة وروسيا من أجل ذلك. وبدأت بحملة لحض الأوروبيين على عدم الاستثمار في سوريا، إلا إذا ضمنت خروج إيران ومراقبة هذه الاستثمارات بحيث تصل إلى هدفها المدني».
وكان عدد من المسؤولين الإسرائيليين أطلق تهديدات مباشرة لإيران وللأسد، أول من أمس، في أعقاب الاتفاق الإيراني - السوري العسكري. وانضم إليهم نتنياهو، مساء الأربعاء؛ إذ أطلق تهديدات تحمل أكثر من رمز. فقد اختار أن يوجه تهديداته في الخطاب الذي ألقاه في المراسم لتسمية مدينة البحوث النووية (المفاعل النووي) في ديمونة على اسم شمعون بيريس، على بوابة المفاعل، الذي تقول مصادر أجنبية إنه ينتج قنابل نووية. فقال نتنياهو «سعى شمعون إلى تحقيق السلام، لكنه علم أنه يمكن تحقيق السلام الحقيقي فقط لو أمسكت يدنا سلاح الدفاع بقوة. في الشرق الأوسط وفي أنحاء كثيرة من العالم، تسود حقيقة بسيطة مفادها أنه لا مكان للضعفاء. الضعفاء ينهارون ويُذبحون ويُمحون من التاريخ بينما الأقوياء، للأفضل أو للأسوأ، هم الذين يبقون على قيد الحياة. الأقوياء يحظون باحترام من قبل الآخرين، ويتم التحالف معهم وفي نهاية الأمر يصنع السلام معهم. وأعداؤنا يعلمون جيداً ماذا تستطيع إسرائيل القيام به. إنهم يعرفون سياستنا. من يحاول أن يفكر في المساس بنا سنمس به. وأنا لا أطلق شعارات في الهواء. أصف سياسة متعاقبة وواضحة وحازمة. هذه هي سياستنا. إنها مدعومة باستعداد مناسب وبتزود بالعتاد وبجاهزية وعند الحاجة بأوامر مناسبة».
وأوضح نتنياهو هدف تهديداته، قائلاً «نعمل على إحباط التموضع العسكري الإيراني في سوريا. لن نكف عن العمل على تحقيق هذا الهدف، مثلما لم نكف عن بذل الجهود لإلغاء الاتفاقية النووية السيئة مع إيران. لقد بدت هذه الغاية مستحيلة حينما حددتها لأول مرة على جدول الأعمال الدولي قبل بضع سنوات، واليوم نرى كيف تتحقق. على الصعيد الدبلوماسي، سنواصل بذل جهود ضد النظام الخطير والمتطرف في إيران. شاهدنا أمس فقط ثمار هذه الضغوط في تصريحات الرئيس الإيراني الذي قال إن الكثير من الإيرانيين فقدوا ثقتهم في مستقبل إيران وفي قوتها بسبب استئناف العقوبات الاقتصادية. وأما على الصعيد العسكري، فسيواصل جيش الدفاع الإسرائيلي العمل بمنتهى الحزم والقوة ضد المحاولات الإيرانية لنصب قوات وأسلحة متقدمة في سوريا، وأي اتفاقية مهما كانت بين سوريا وإيران لن تردعنا ولن يردعنا أيضاً أي تهديد مهما كان. من يهدننا بالإبادة يعرض نفسه لخطر مماثل، وفي أي حال من الأحوال إنه لن يحقق غايته».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».