روسيا تبحث عن موطئ قدم لها في لبنان

التنقيب عن النفط وتحويله إلى منصة لإعادة الإعمار في سوريا

فتيات يتعلمن الباليه في المركز الروسي ـ اللبناني في بيروت (أ.ف.ب)
فتيات يتعلمن الباليه في المركز الروسي ـ اللبناني في بيروت (أ.ف.ب)
TT

روسيا تبحث عن موطئ قدم لها في لبنان

فتيات يتعلمن الباليه في المركز الروسي ـ اللبناني في بيروت (أ.ف.ب)
فتيات يتعلمن الباليه في المركز الروسي ـ اللبناني في بيروت (أ.ف.ب)

في منطقة الشرق الأوسط، يبرز النفوذ الروسي بشكل خاص في سوريا من خلال الدعم العسكري والسياسي الذي تتلقاه دمشق، أما في لبنان المجاور فيبدو أن موسكو تلجأ إلى القوة الناعمة لتجد موطئ قدم لها إن كان من خلال التعاون الثقافي وأكثر منه الاقتصادي والسياسي.
في مبنى صغير في بلدة عاليه الجبلية، تُلقن غالينا بافلوفا حروف الأبجدية لطلاب تهافتوا لتعلم اللغة الروسية في مركز ثقافي روسي جديد في لبنان، وتردد أمامهم «بريفت. كاك ديلا؟» أي «مرحباً، كيف حالك؟». تعيش غالينا في لبنان منذ 25 عاماً، تعلم الروسية وتحلم دائماً في أن تنافس لغتها الأم اللغتين الفرنسية والإنجليزية الطاغيتين في هذا البلد الصغير.
وتقول السيدة الشقراء: «لا نريد أن تكون فرنسا والولايات المتحدة فقط الحاضرتين في لبنان (...) روسيا أيضاً بلد مهم جداً».
في عام 1951، افتتحت السفارة الروسية في لبنان أولى مراكزها الثقافية في بيروت ليبقى وحده طوال عقود من الزمن، قبل أن يتوسع العمل لاحقاً. وخلال السنوات العشر الماضية جرى افتتاح تسع مراكز ثقافية روسية في مناطق عدة بدعم مباشر من السفارة الروسية أو بمبادرة من لبنانيين. وبين تلك المراكز ثلاثة فتحت أبوابها في صيف عام 2018 وحده وتوزعت في عاليه (وسط) وراشيا (شرق) وحاصبيا (جنوب).
ويقول عماد رزق، مدير مركز الاستشارية للدراسات في لبنان لوكالة الصحافة الفرنسية: «هذا التوسع يأتي في إطار استراتيجية تهدف إلى تمكين الوجود الروسي في الشرق الأوسط». ويوضح الباحث في الدور الروسي في الشرق الأوسط جوليان نوسيتي: «نشهد في الأشهر الماضية دفعاً غير مسبوق في التعاون الثقافي» في لبنان، مضيفاً أن «لبنان، المحسوب بشكل كبير على الغرب، هو مثل واحد (...) على رغبة روسيا بتغيير نظام العالم».
ولم تكتف موسكو بتعزيز تأثيرها الثقافي في لبنان، بل مكنت علاقاتها الاقتصادية مع هذا البلد لتتضاعف قيمة صادراتها إليه من 423 مليون دولار في عام 2012 إلى 770 مليون في عام 2017، وفق الجمارك اللبنانية. ويجري حالياً البحث في مشروع أطلق عليه «الكوريدور الأخضر» لتعزيز التبادل التجاري أكثر بين البلدين وخصوصاً من ناحية تسهيل دخول الصادرات اللبنانية الزراعية إلى الأسواق الروسية.
وفي عام 2018، وقعت شركة «نوفاتك» الروسية ضمن تحالف مع شركتي «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية عقوداً للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية. وخلال زيارة في أغسطس (آب) الحالي إلى موسكو، دعا وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الشركات الروسية للمشاركة في مناقصة أخرى قد تفتح قريباً في المجال ذاته. ويقول القنصل الفخري لروسيا في لبنان جاك صراف: «نأمل أن يشارك الروس في ورشة العمل الضخمة لتطوير البنى التحتية اللبنانية».
ومن المفترض أن تزداد الاستثمارات، التي سيشارك في بعضها القطاع الخاص، في لبنان مع تعهد المجتمع الدولي بتأمين مبلغ يفوق عشرة مليارات دولار على هامش مؤتمر عقد في باريس في أبريل (نيسان) الماضي لدعم الاقتصاد اللبناني. وأمل صراف أن تشارك شركات روسية في بعض المشاريع التي ستتولاها شركات خاص. يقول صراف: «تسعى شركات روسية لوضع جذور لها في شمال لبنان من أجل المشاركة في إعادة إعمار سوريا». وتتحول المرافق اللبنانية في المناطق الحدودية مع سوريا في شمال وشرق البلاد إلى مركز أساسي للشركات التي تسعى للدخول إلى السوق السورية للمشاركة في إعادة الإعمار. لكن العملية تبدو معقدة نتيجة العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة ودول أوروبية على شركات سورية وروسية على حد سواء، ولذلك فإن «المصارف اللبنانية لا تزال متحفظة حيال تبادلاتها المالية مع نظرائها في روسيا»، وفق ما يقول صراف.
ودخلت روسيا أيضاً على خط المنافسة مع الولايات المتحدة في سعيها لدعم الجيش اللبناني الذي طالما تلقى السلاح والتدريب من واشنطن. واقترحت روسيا على الجيش اللبناني عقداً بقيمة مليار دولار لدعمه بالمعدات والتدريب، إلا أن السلطات اللبنانية رفضت «في الدقيقة الأخيرة»، وفق صراف. والسبب ببساطة أن لبنان يخشى أن يفقد دعماً أميركياً مستمراً في شتى المجالات، بينها دعم للجيش اللبناني منذ عام 2006 تجاوز حتى الآن 1.7 مليار دولار.
ويقول آرام نركيزيان، مدير مشارك لبرنامج العلاقات المدنية - العسكرية في مركز كارنيغي للشرق الأوسط: «إذا وافق لبنان أو حتى لمح لاحتمال موافقته على خط الائتمان الروسي لشراء معدات روسية، سيكون لذلك تداعيات جيوسياسة وخيمة، وربما نهائية، على (...) على علاقته مع الولايات المتحدة».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.