عشرات القتلى والجرحى غرب العراق في أقوى هجوم لـ«داعش» بعد هزيمته

TT

عشرات القتلى والجرحى غرب العراق في أقوى هجوم لـ«داعش» بعد هزيمته

أسفر هجوم انتحاري بسيارة مفخخة على حاجز أمني في غرب العراق عن مقتل 11 شخصا بينهم 5 من عناصر الأمن، وذلك بعد أسبوع من دعوة زعيم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي أنصاره إلى مواصلة القتال رغم الهزائم التي لحقت بهم.
وتبنى تنظيم داعش الهجوم الذي وقع على نقطة تفتيش مشتركة للجيش و«الحشد الشعبي» في قضاء القائم بمحافظة الأنبار غربي العراق، عند الحدود العراقية السورية. وقال قائمقام القضاء أحمد المحلاوي إن «المهاجم صدم نقطة تفتيش كان بها أفراد من الجيش ومن (الحشد الشعبي) بسيارة ملغومة».
في السياق نفسه، قال الجيش العراقي في بيان له إن «قوات الأمن في قضاء القائم كانت قد لاحظت سيارة من نوع (كيا) وقامت بإطلاق النار عليها، حيث تبين أنها مفخخة ويقودها إرهابي انتحاري، ما أدى إلى انفجارها». ويعد هذا التفجير الأول من نوعه بهذا الحجم منذ شهور. الأمر الذي بات يعزز الآراء التي يتبناها بعض الخبراء بشأن بدء هذا التنظيم إعادة هيكلة نفسه بعد الخسارة العسكرية التي تعرض لها العام الماضي حين فقد سيطرته على المدن والمحافظات التي كان يحتلها في العراق.
كما أدى الهجوم الذي وقع عند 9:00 صباحا (6:00 ت غ) إلى إصابة 16 شخصا. ووفقا لتقرير للاستخبارات العسكرية، فإن السيارة المفخخة جهزت في منطقة صحراوية في محافظة الأنبار، حيث لا يزال الإرهابيون على قدرة على تجهيز سيارات مفخخة، وتمكن الانتحاري من اجتياز حاجزين قبل أن تطلق عليه النار عند الحاجز الثالث حيث قوات من الجيش والشرطة و«الحشد الشعبي». ورغم ذلك، وبسبب مواصلة السيارة المفخخة طريقها بسرعة، انفجرت قرب الحاجز الأمني ما أدى إلى سقوط الضحايا.
وقال هشام الهاشمي، المتخصص في الجماعات الإسلامية إن «داعش اختار هذا الهدف (القائم) لأنه يمثل موقعا استراتيجيا بين العراق وسوريا وتتواجد فيه قوات أميركية وفرنسية، وليس قوات الأمن والحشد الشعبي فقط».
وأضاف: «كما أنه يريد أن يقول للجميع لدينا ذراع طويلة بما فيه الكفاية للتحرك بسرعة والضرب حيثما نريد».
ويقول الهاشمي لـ«الشرق الأوسط» إن «تنظيم داعش لا يزال يحتفظ بخلايا ناعمة في كثير من المناطق والمحافظات بدءاً من ديالى وكركوك ونينوى والأنبار»، مبينا أنه «يعمل على إعادة تنظيم نفسه بأسلوب مختلف بعد الخسائر التي لحقت به ومقتل معظم قيادات الصف الأول له». وأوضح الهاشمي أن «عدد من تبقى من أفراده بالعراق لم يعد يتجاوز ألفي عنصر، يتواجدون في مناطق مختلفة ويشنون منها العمليات المختلفة حيث يعتمدون في الغالب على الأنفاق التي قاموا بحفرها أثناء احتلالهم تلك المحافظات والمناطق».
وبشأن ما إذا كان هؤلاء يشكلون خطرا على القوات الأمنية العراقية يقول الهاشمي إن «هؤلاء يشكلون بالفعل خطرا سواء على القوات الأمنية أو على المواطنين برغم أن أولويات (داعش) الآن باتت هي استهداف قوات الحشد الشعبي، ومن بعده الحشود العشائرية التي ينتمي إليها أبناء المناطق، ومن ثم الجيش والشرطة، حتى المدنيون».
وقال مصدر مسؤول في «الحشد الشعبي» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «هذا التفجير يشكل رد فعل من الإرهابيين بسبب العمليات العسكرية التي تستهدف (داعش) في الصحراء والمناطق الحدودية مع سوريا»، في إشارة إلى ملاحقة القوات العراقية لخلايا نائمة في تلك المناطق.
والأربعاء الفائت، دعا البغدادي في تسجيل صوتي نسب إليه هو الأول له منذ عام، أنصاره إلى «عدم التخلي عن جهاد عدوهم» على الرغم من الهزائم الكثيرة التي مُنوا بها. وقال البغدادي في رسالته إن «دولة الخلافة باقية... تنصر دين الله وتقاتل أعداءه». ويعتقد مسؤولون عراقيون أن البغدادي، الذي سرت شائعات عدة حول مقتله، موجود في سوريا. ورصدت واشنطن مبلغ 25 مليون دولار لمن يحدد مكانه أو يقتله.
واستعادت القوات العراقية سيطرتها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 على قضاء القائم القريب من الحدود مع سوريا، في إطار عمليات نفذتها لطرد تنظيم داعش، من المناطق التي سيطر عليها بعد هجومه الواسع عام 2014.
ورغم إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع نهاية العام الماضي «النصر» على التنظيم المتطرف، فإن خبراء يؤكدون أن الإرهابيين ما زالوا يتخذون من مناطق صحراوية ملاذا لهم.
ولفت هشام الهاشمي إلى أنه «ما زال هناك 2000 عنصر فاعل من تنظيم داعش، غالبيتهم العظمى محليون، بالإضافة إلى أقل من 100 من الأجانب في العراق».
ويتواجد هؤلاء بصورة رئيسية في 4 مناطق، ويمثل «الانتقام لمن تم استهدافهم» الهدف الرئيسي لعملياتهم، وفقا للهاشمي. ورغم الهزائم المتلاحقة التي لحقت بالتنظيم، نفذ «داعش» هجمات دامية منسقة خلال يوليو (تموز) في جنوب سوريا خلفت أكثر من 250 قتيلا.
ويتزامن هذا الهجوم الانتحاري الذي شنه «داعش» في الأنبار أمس مع قيام محكمة جنايات الأنبار بإصدار 3 أحكام بالإعدام شنقا حتى الموت بحق 3 مدانين بالانتماء لتنظيم داعش، اشتركوا بعدة هجمات ضد القوات الأمنية والعسكرية والمدنيين في المحافظة.
وقال المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى القاضي عبد الستار بيرقدار في بيان له أمس تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن «محكمة جنايات الأنبار نظرت قضايا 3 إرهابيين ينتمون لتنظيم داعش الإرهابي أثبتت اعترافاتهم الاشتراك بعمليات عدة ضد القوات الأمنية وقتل مدنيين في المحافظة».
وأضاف بيرقدار، أن «المتهم الأول اشترك بالهجوم على مقر اللواء الثامن في المحافظة مع مجموعة مسلحة». وأشار إلى أن «المتهم الثاني اشترك بعدة عمليات إرهابية ومنها الهجوم على قرية البوفراج مع قتل مدنيين»، مبينا أن «المتهم الثالث اشترك بعمليات إرهابية منها الهجوم على مركز شرطة الصقلاوية والهجوم على نقطة عسكرية تابعة للجيش العراقي». وبيّن أن «المحكمة أصدرت أحكامها وفقا لأحكام المادة الرابعة -1 من قانون مكافحة الإرهاب».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.