عقب الهزيمة القاسية لمانشستر يونايتد على ملعبه أمام توتنهام، قال مديره الفني جوزيه مورينيو: «من المنظور التكتيكي، لم نخسر»، الأمر الذي لا بد أنه جعل الآلاف من مشجعي «مانشستر يونايتد» يتنفسون الصعداء - على الأقل أولئك الذين لم يحتشدوا لالتقاط صور مع لاعب توتنهام لوكاس مورا - أو هؤلاء الذين لعبت بهم الظنون واعتقدوا أنهم شاهدوا لتوهم فريقهم يمنى بأفدح خسارة له على أرضه منذ أربعة سنوات. إلا أن السؤال هنا: هل كان مورينيو يختار عناصر فريقه من منظور تكتيكي؟.
على سبيل المثال، ما المنطق وراء اختيار أندير هيريرا إلى اليمين من ثلاثة مدافعين في الخلف؟ كان مورينيو قد استعان بثلاثة لاعبين في الخلف أمام «توتنهام هوتسبير» على أرضه الموسم الماضي، عندما فاز «مانشستر يونايتد» بنتيجة 1 - 0، لكن آنذاك جرت الاستعانة باريك بايلي إلى جوار كريس سمولينغ وفيل جونز، بينما جرى الدفع بهيريرا خلف خط الوسط مع نيمانيا ماتيتش. والسؤال: لماذا لم تجر الاستعانة ببايلي هذه المرة؟ أو لماذا لم يستعن المدرب بفيكتور ليندلوف أو حتى ماتيو دارميان؟ لماذا يستعين المدرب بلاعب خط وسط لم يسبق له قط على امتداد 384 مباراة سابقة المشاركة كلاعب قلب دفاع؟
ومع أن هيريرا سبق بالفعل الاستعانة به للتصدي للاعب بعينه من قبل، مثلما حدث في مباراة أمام تشيلسي عندما تولى مراقبة إيدن هازارد، لكن المهمة هذه المرة لم تكن المراقبة. هذه المرة، كان اللاعب يضطلع بالدور التقليدي لقلب دفاع إلى اليمين. ومن يدري، ربما كان هناك سبب تكتيكي وجيه وراء ذلك. ربما رأى مورينيو أن الصلابة التي يتميز بها هيريرا قادرة على الصمود في وجه ديلي ألي حال انتقاله من ناحية اليسار (وليس مثلما اتضح داخل أرض الملعب، عندما لعب ألي من اليسار، فقد قرر مدرب توتنهام ماوريسيو بوكيتينو، ربما بناءً على نجاح خطة 3 - 4 - 2 - 1 التي اعتمدها مانشستر يونايتد الموسم الماضي في كبح تأثير ألي وكريستيان إريكسون، سحب ألي نحو مركز أعمق واستخدام سرعة مورا في مواجهة خط دفاع «مانشستر يونايتد» المتثاقل).
هذا التكتيك بدا وكأن مورينيو يبعث برسالة ضمنية من وراء هذا الاختيار، وبدا الفريق بأكمله شبيهاً بواحد من تلك الفرق التي يختارها مورينيو ليس بهدف الفوز بمباراة وإنما للبعث برسالة معينة. وتعزز هذا الانطباع بالنظر إلى حقيقة أن أول رد فعل له بعد المباراة خلال مقابلة تلفزيونية أجريت معه كان الإشارة إلى أن سوق الانتقالات أغلق أبوابه.
في الحقيقة، ثمة خطر مستمر مع مورينيو في أن تصاحب كل خطوة يتخذها رغبة مكيافيلية، كما لو كان عنكبوت ضخماً يعكف باستمرار على نسج خيوطه في شبكة هائلة. بعض الأحيان لا يكون الخطأ سوى مجرد خطأ، لكن التشكيل الذي اعتمد عليه مورينيو يستحضر في الذهن ملامح الصورة التي كان عليها الوضع داخل «آدامز بارك» عام 2007 عندما وقع اختيار مورينيو على مايكل إيسيان وباولو فيريرا في قلب الدفاع خلال مباراة قبل النهائي في بطولة كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة أمام «ويكومب»، وذلك اعتراضاً على عدم السماح له بضم تال بن حاييم.
إلا أنه على الأقل أمام «ويكومب» نجح في الإفلات بهذا الأمر بخروجه متعادلاً بنتيجة 1 - 1 ولم يكن مضطراً ليشاهد اللاعب الذي اختاره ليبعث من خلاله الرسالة المقصودة يقع في خطأين خلال بناء هجمة مباشرة لتسجيل هدف بالغ الأهمية. كانت تلك هي بداية نهاية فترة وجوده في تشيلسي، رغم أنه أعقبت ذلك تسعة شهور قبل أن يرحل نهائياً عن النادي. إلا أنه بصراحة شديدة ستكون بمثابة مفاجأة أن يستمر مورينيو داخل «مانشستر يونايتد» لفترة مكافئة.
ومع هذا، يقتضي الإنصاف القول بأن هذه الفوضى ليست بأكملها من صنع مورينيو. الفريق نفسه في حالة مزرية. من الواضح وجود مشكلات في خط الدفاع - على الأقل حقيقة أن من بين العناصر الخمسة الأساسية في الدفاع يبدو ماركوس روخو، المصاب، الوحيد الذي يعمل بأريحية إلى يسار قلبي الدفاع - وقد ورث مورينيو من سلفه ثلاثة من هؤلاء الخمسة، لكن الاثنين اللذين شعر بأنه ليس بمقدوره ضمهما في تشكيل الفريق، أمام توتنهام، وهما بايلي وليندلوف (وبالنظر إلى أداء ليندلوف بعد استدعائه من على مقعد البدلاء، يبدو استبعاده وجيهاً) انتقلا إلى النادي خلال فترة وجود مورينيو مقابل مبلغ إجمالي بقيمة 60 مليون جنيه إسترليني.
ويبقى السؤال هنا: هل نجح مورينيو في استخلاص أفضل أداء ممكن من لاعبيه؟ في الحقيقة في أعقاب الأداء البطيء الذي قدمه الفريق أمام برايتون - في الهزيمة الأولى في الجولة الثانية من بطولة الدوري - يبدو أن أداءهم أمام توتنهام هوتسبير حمل بداخله بعض الطاقة على الأقل. ورغم أن أداء «مانشستر يونايتد» بوجه عام كان محموماً وقبيحاً، لكنه على الأقل أثار التوتر في صفوف توتنهام هوتسبير، والذي مثلما ذكر هاري كين كان أداؤهم رديئاً بعض الشيء خلال الشوط الأول.
إلا أنه بالنظر إلى أن ستة من أفراد التشكيل الأساسي ليونايتد كانوا يشاركون كعناصر أساسية للمرة الأولى خلال الموسم، فهل من المفاجئ حقاً أنهم لم يتحملوا كثافة الضغط خلال الشوط الثاني؟ والسؤال الأهم: هل أدت هذه الوتيرة التي لعب بها مورينيو إلى فتح صفوفه على النحو الذي لطالما انتقده؟. الموسم الماضي، تعرض مورينيو لانتقادات بسبب سلبيته في عدد من المباريات الكبرى، خاصة أمام ليفربول خارج أرضه وتوتنهام هوتسبر على أرضه (وذلك لأسباب تتعلق بأسلوب اللعب، بجانب حقيقة انفراد مانشستر سيتي بصدارة بطولة الدوري الممتاز، ما جعل المخاطرة بالخروج بالتعادل غير مبررة).
إلا أنه ربما كان هذا هو البديل. في نهاية الأمر تبقى الحقيقة أن أربعة حراس مرمى فقط تصدوا لمحاولات تسجيل أهداف أكثر عن ديفيد دي خيا على مستوى بطولة الدوري الممتاز الموسم الماضي، وانتهى الحال باثنين منهما إلى الهبوط. وقد اخترق شباك مانشستر يونايتد 28 هدفاً فقط، ومع هذا بدا الفريق بعيداً عن المستوى المتعذر اختراقه الذي لطالما كانت عليه الفرق التي يتولى مورينيو تدريبها.
من ناحيته، ربما يقدم مورينيو، مثلما فعل في أعقاب الهزيمة أمام برشلونة بنتيجة 5 - 0 عام 2010، على محاولة خلق مبررات لنفسه - مثل أن يتساءل: «انظروا ماذا حدث عندما حاولت تسيير الأمور على النحو الذي تريدونه؟» - اليوم وبعد مرور عامين، يحق لنا التساؤل حول ما إذا كان «مانشستر يونايتد» الآن أقرب إلى الفوز ببطولة الدوري الممتاز عما كان عليه عندما تولى مورينيو المسؤولية.
ويبدو من المنطقي كذلك أن نتساءل حول ماهية خطة تعامله مع الفريق. لماذا يبدو الفريق مفتقراً إلى التوازن بهذه الدرجة؟ لماذا تبدو هناك أوجه قصور واضحة؟ ربما لا يكون هذا خطأ مورينيو، لكن تظل الحقيقة أن هناك شكوك حول قدرته على خلق فريق يهاجم دون فتح صفوفه على نحو كارثي. لماذا ينبغي أن يعمل الفريق بمبدأ إما كل شيء أو لا شيء؟ ولماذا يتعين على الآخرين تفحص أسماء التشكيل بحثاً عن رسائل اعتراض مشفرة يبعث بها المدرب؟
اعتماد مورينيو على هيريرا احتجاج ضمني من رجل يفقد لمسته السحرية
المدرب البرتغالي استعان بلاعب خط وسط كقلب دفاع رغم أنه لم يلعب في هذا المركز على امتداد 384 مباراة
اعتماد مورينيو على هيريرا احتجاج ضمني من رجل يفقد لمسته السحرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة