«داعش» يعيد هيكلة صفوفه بعد هزائمه المتتالية

خطبة البغدادي الأخيرة مواساة وتعزية وإقرار بالهزيمة وحث على المثابرة

أبو بكر البغدادي زعيم «داعش»
أبو بكر البغدادي زعيم «داعش»
TT

«داعش» يعيد هيكلة صفوفه بعد هزائمه المتتالية

أبو بكر البغدادي زعيم «داعش»
أبو بكر البغدادي زعيم «داعش»

دفعت الهزائم التي لحقت بتنظيم داعش في العراق وسوريا بالمتطرفين إلى إعادة هيكلة صفوفهم في محاولة للبقاء في أرض التنظيم التي كان أعلنها بعد سيطرته على مناطق شاسعة في البلدين عام 2014. وبعد 4 سنوات وفقدان التنظيم المدن التي كان يسيطر عليها في العراق وتراجع قدراته في سوريا، أصبح على الجهاديين البحث عن «أسلوب جديد، خصوصاً لكسب العناصر بعد فقدانهم أغلب مقاتليهم»، بحسب ما يقول مسؤول أمني لوكالة الصحافة الفرنسية. ويؤكد خبراء أن التنظيم قام بتغييرات جوهرية في هيكليته الإدارية. وقلص التنظيم هيكليته التنظيمية التي كانت تضم 35 ولاية إلى 6 ولايات، فيما بات يعبر عن العراق وسوريا بولاية العراق والشام بدلاً مما يسمى «دولة الخلافة» التي أعلنها زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي بعد استيلاء المتشددين عام 2014 على مساحات شاسعة في هذين البلدين تعتبر بحجم إيطاليا وتضم 7 ملايين شخص. فعلى سبيل المثال، اختفت تماماً كلمة «ولاية» عن الرقة في سوريا أو الموصل أو كركوك في العراق، من خطاب الجماعة المتطرفة. وتحدث التنظيم في مجلته الدعائية الأخيرة عن حصيلة الأعمال العسكرية، مشيراً إلى 6 ولايات لا يزال ينشط فيها، وهي العراق والشام وشرق آسيا وطاجيكستان وسيناء والصومال. ومع ذلك، في عام 2014 - حتى قبل ظهور «البغدادي» أو إعلان «داعش»، كان التنظيم يفاخر بأنه انتهى من الطريق «الإمبريالية» لعام 1916 التي رسمت حدود الشرق الأوسط وأزالها بالجرافات. والآن أعادت السلطات العراقية نشر قواتها على امتداد الحدود مع سوريا التي كانت معقلاً وممراً لسلاح المتطرفين. من جانبها، تمكنت قوات تابعة للحكومة السورية وأخرى عربية - كردية مدعومة من قبل التحالف الدولي، من استعادة السيطرة على مناطق حدودية واسعة.
يتابع المسؤول الأمني لوكالة الصحافة الفرنسية أن «هذا التغيير يؤشر على الضعف في تنظيم داعش وفقدانه كثيراً من قياداته». وتعلن السلطات العراقية بانتظام عن اعتقال أو مقتل قادة التنظيم أو أقارب البغدادي، مثل ابنه الذي قُتل في يوليو (تموز)، بضربة بثلاثة صواريخ روسية موجهة استهدفت مغارة كان يوجد فيها في سوريا. كما أعلن عدة مرات مقتل البغدادي فيما عرضت الولايات المتحدة مكافأة قيمتها 25 مليون دولار لمن يعتقله. ويرى خبراء أن «التغيير يفسر عدم ثقة القيادات المركزية بأمراء الولايات في العراق وتحديداً للصلاحيات التي لديهم لتقتصر على قيادة واحدة في هذا البلد».
مع توالي الهزائم، دعا زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي خلال أيام عيد الأضحى، إلى مواصلة القتال. وقال هشام الهاشمي المتخصص في الجماعات المتطرفة، إن «خطبة البغدادي (تعد) مواساة وتعزية وبكائية وإقراراً بالهزيمة، ولام المنافقين على وقوعها وحث الفلول الباقية على المثابرة».
ودعا البغدادي عبر تسجيل صوتي نسب إليه في 22 أغسطس (آب) وتداولته حسابات متطرفة على تطبيق «تلغرام»، هو الأول له منذ عام، أنصاره إلى «عدم التخلي عن دينهم وصبرهم وجهاد عدوهم»، إثر الهزائم الكثيرة التي مني بها التنظيم خلال الفترة الأخيرة. وحذر المسؤول الأمني من «ظهور جماعات تابعة لتلك العصابات بتسميات جديدة ضمن ما يسمى مناطق كركوك وديالى وصلاح الدين والأنبار» وجميعها محافظات تقع شمال وغرب بغداد. وأضاف أن «قيادات داعش تحول اهتمامها عالمياً بعد أن خسرت حواضنها في العراق وسوريا في محاولة لإيجاد موطئ قدم جديد في الدول الغربية». وفي هذا الإطار، دعا البغدادي للمرة الأولى أتباعه في الغرب إلى شن هجمات في بلدانهم، بالقول إن العملية هناك «في أرضكم تعادل ألف عملية عندنا». وتطرق البغدادي خلال تسجيله الأخير على مدى 55 دقيقة، إلى نداءات سمعت خلال مرحلة تنظيم القاعدة. وأشار الهاشمي إلى أن البغدادي يتطرق إلى «تآمر أميركا وإيران الشيعية ويدعو السنة العراقيين ويندد بالحشد الشعبي».



أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».