استئناف المفاوضات في تونس حول زيادة أجور الموظفين

TT

استئناف المفاوضات في تونس حول زيادة أجور الموظفين

استأنفت الحكومة التونسية، أمس، جولات التفاوض مع الاتحاد العام للشغل (نقابة العمال) حول الزيادة في أجور موظفي القطاع العام، في وقت فتح فيه الاتحاد وجهة مفاوضات ثنائية مع الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (مجمع رجال الأعمال) حول الأجور في القطاع الخاص، في ظل تناقض كبير في المواقف حول نسب الزيادات في الأجور والمدة الزمنية التي ستغطيها.
واقترح اتحاد الشغل زيادة بنسبة 8 في المائة في أجور موظفي القطاع العام، وهي زيادة قال عنها بوعلي المباركي، الرئيس المساعد لاتحاد الشغل، إنها «تقارب نسبة التضخم المسجلة في تونس والمقدرة بنحو 7.5 في المائة». وأشار في تصريح قبل انطلاق جلسات التفاوض إلى أهمية الزيادات في الأجور من أجل تحسين ظروف عيش التونسيين، وقال إن اتحاد الشغل قدّم مقترحات «مناسبة وموضوعية» تراعي الوضع الاقتصادي التونسي، من ناحية، وتساند ظروف عيش معظم التونسيين، من ناحية ثانية.
أما على مستوى القطاع الخاص، فقد تمسك اتحاد الشغل بزيادة في الأجور لا تقل عن 10.3 في المائة، واستند في ذلك إلى مؤشرات عدة، أهمها نسبة التضخم المرتفعة، وتدهور المقدرة الشرائية، والزيادات الكبيرة المسجلة على مستوى معظم أسعار المواد الاستهلاكية.
وكان مجمع رجال الأعمال قد رفض كل المقترحات المقدمة من قبل اتحاد الشغل بشأن الزيادات في الأجور، وأكد أنها «غير مسؤولة عن ارتفاع نسبة التضخم». كما رفض الحديث عن نسب الزيادة المقترحة خلال هذه المفاوضات.
ورغم عقد جلسات تفاوض عدة بين الحكومة ونقابة العمال خلال الأشهر الماضية حول الزيادات في القطاع العام، والاتفاق المبدئي على استكمالها نهاية شهر أغسطس (آب) الحالي، فإن التباين في وجهات النظر ما زال يلقي بظلاله على مواقف مختلف الأطراف، وهو ما يجعل الخروج بنتائج إيجابية مع نهاية الشهر «أمراً مستبعداً»، وفق مشاركين في جلسات التفاوض.
في غضون ذلك، انطلق مجمع رجال الأعمال بداية هذا الأسبوع في بلورة مقترحاته حول قانون المالية لسنة 2019، ولخّص ما ينتظره القطاع الخاص من هذا القانون بنقاط عدة، من بينها تخفيف العبء الجبائي على المؤسسات الخاصة، ودفع الاستثمار، وتهيئة مناخ جاذب للاستثمارات الخارجية والمحلية، ودفع نسق التصدير والتصدي للاقتصاد الموازي، بما يمكّن في نهاية المطاف من إنعاش الاقتصاد، وتحقيق نسبة نمو اقتصادي قادرة على توفير فرص عمل جديدة أمام مئات الآلاف من العاطلين عن العمل.
ويقول متابعون للشأن السياسي المحلي، إن المفاوضات سواء بين الحكومة ونقابة العمال حول الزيادات في أجور موظفي القطاع العام، أو بين نقابة العمال ومجمع رجال الأعمال الممثل للقطاع الخاص، ستكون عسيرة على كافة الأطراف الاجتماعية نتيجة الخلافات العميقة حول أهم الملفات.
وتدعم الحكومة بقوة الإصلاحات الاقتصادية التي تعتمد أساساً على توصيات صندوق النقد الدولي؛ خصوصاً قضية تثبيت الأجور في القطاع العام، والضغط على الموازنة، ورفع الأسعار وتعديل كثير منها. في المقابل، يدعو اتحاد الشغل، ممثلاً في رئيسه نور الدين الطبوبي، إلى مراعاة الارتفاع الهائل لنسبة التضخم الاقتصادي، وتأثير الزيادات المتكررة للأسعار منذ بداية السنة الحالية على حياة المواطنين، كما يصر على التمسك بضرورة الزيادة في الأجور لمجابهة الارتفاع الكبير في الأسعار، وتقاسم أعباء الفترة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس.
وأعلن يوسف الشاهد، رئيس الحكومة التونسية، نهاية يونيو (حزيران) الماضي، عن عودة المفاوضات حول الأجور مع الاتحاد العام للشغل، وعدّه «شريكاً أساسياً في الحوار حول الإصلاحات الكبرى»، وذلك بعد تحذير أطلقه الاتحاد العام للشغل من تأثير الزيادات المتتالية على مستوى أسعار بعض المواد الاستهلاكية، ما أدى إلى تراجع المقدرة الشرائية لمعظم الفئات الاجتماعية.
على صعيد آخر، توقع حاتم العشي، الوزير السابق لأملاك الدولة والشؤون العقارية، أن يقدّم يوسف الشاهد استقالته من رئاسة الحكومة إلى رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، بعد يوم 15 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهذا التاريخ يمثّل آخر أجل لتوجيه قانون المالية 2019 للبرلمان التونسي. وأضاف العشي الذي قال إن معلوماته تستند إلى مصادر قريبة من الشاهد، أن تراجع حركة «النهضة» عن دعمها رئيس الحكومة بعد مرور سنتين على منحه الثقة أمام أعضاء البرلمان، واشتراطها عدم ترشحه في انتخابات 2019 لمواصلة دعمه في منصبه، من الأسباب التي ستدعوه إلى الاستقالة و«الخروج الآمن» من السلطة. ومعلوم أن بعض الأوساط التونسية يتوقع أن يرشح الشاهد نفسه لانتخابات الرئاسة العام المقبل.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.