واشنطن تحذر دمشق من استخدام «الكيماوي»... ولندن تصف اتهامات موسكو بالـ «سخيفة»

TT

واشنطن تحذر دمشق من استخدام «الكيماوي»... ولندن تصف اتهامات موسكو بالـ «سخيفة»

وسط اتهامات متبادلة في مجلس الأمن حول أسباب استمرار تردي الأوضاع الإنسانية في سوريا والأخطار المحدقة بملايين المدنيين في إدلب، حذرت الولايات المتحدة بأنها «سترد بشكل مناسب» إذا كرر نظام الرئيس بشار الأسد استخدام الأسلحة الكيماوية. بينما رفضت بريطانيا «البروباغندا السخيفة» و«الروايات المفبركة» ضدها من روسيا حول «التآمر» مع منظمة «الخوذ البيض» لاستخدام الغازات السامة في المحافظة.
وبطلب من روسيا، عقد مجلس الأمن جلسة مغلقة للنظر في الاتهامات التي وجهتها روسيا للدول الغربية بشأن إمكان استخدام المعارضة السلاح الكيماوي. وعلمت «الشرق الأوسط» من دبلوماسي شارك في الجلسة أن «المندوب الروسي لم يقدم أي أدلة تدعم ما يقوله».
وانعقدت هذه الجلسة المغلقة فور انتهاء اجتماع مفتوح لمجلس الأمن استمع فيه إلى إفادة من مدير العمليات لدى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية جون غينغ، الذي قال إن هناك «زيادة كبيرة» في عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدة الإنسانية في محافظتي حلب وإدلب منذ بداية هذا العام، مضيفاً أن الأسابيع الأخيرة «شهدت تدهوراً خطيراً إضافياً للوضع الإنساني في شمال غربي البلاد، حيث هناك بلاغات عن قصف مدفعي وغارات جوية مكثفة في أجزاء من محافظات إدلب وحلب وحماة واللاذقية». ونقل عن صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن 3 مرافق صحية يدعمها تعرضت للهجوم، مما أدى إلى تعطيل اثنين من هذه المرافق. وأشار إلى أن المنظمات الإنسانية تستجيب للحاجات في شمال غربي سوريا، مؤكداً أن المساعدات عبر الحدود «توفر شريان حياة حيويا لمئات الآلاف من المدنيين الذين لا يمكن الوصول إليهم بوسائل أخرى». ولفت إلى وجود ما يقدر بنحو 2.1 مليون شخص محتاجين بالفعل في مناطق تحت سيطرة الجماعات المسلحة. وشدد على أنه «لا تزال هناك مستويات هائلة من الحاجات الإنسانية». وقال إن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة مارك لوكوك موجود في دمشق «للانخراط مع الحكومة السورية في بحث السبل الفضلى لتوسيع نطاق الاستجابة الإنسانية الجماعية في كل أنحاء سوريا، وكيفية ضمان المساعدة والحماية للذين هم في أمسّ الحاجة إليهما».
وتحدثت ممثلة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في البعثة الأميركية كيلي كاري فأكدت أن بلادها «تشعر بالقلق العميق من أن النظام قد يستخدم الأسلحة الكيماوية مرة أخرى ضد السكان المدنيين في جزء من هجومه على إدلب»، محذرة من «ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة على الأوضاع الإنسانية على أرض الواقع ويزيد من تآكل النظام الدولي الذي يحظر استخدام الأسلحة الكيماوية». وأضافت أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا «سترد بشكل مناسب على أي هجمات جديدة بالأسلحة الكيماوية من قبل نظام الأسد». وأكدت أنه رغم دعوات الحكومة السورية للسوريين من أجل العودة إلى ديارهم، فإن السلطات السورية «لم تفعل سوى القليل لتهيئة الظروف اللازمة لتحقيق ذلك». وكررت أن «أفضل حل دائم للأزمة الإنسانية في سوريا هو من خلال عملية سياسية ذات صدقية في جنيف تقود إلى إصلاح دستوري وانتخابات رئاسية ونيابية بإشراف الأمم المتحدة»، مع «انتقال سياسي يعكس بشكل حقيقي إرادة الشعب السوري، وكذلك المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة أثناء النزاع»، ولكن «هذه الأهداف تبدو في الغالب بعيدة المنال».
وحمل المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا على الوجود العسكري الأميركي في شرق سوريا، بما في ذلك قاعدة التنف، قائلاً إنه «غير شرعي وينتهك السيادة السورية». وكرر مطالبة موسكو للعواصم الصديقة للمعارضة السورية بـ«القيام بعملية فصل بين قوى المعارضة والجماعات الإرهابية»، مضيفاً أن «تنظيم (جبهة النصرة) الإرهابي والمجموعات المرتبطة به يحتجزون آلاف المدنيين في إدلب ويمنعونهم من الخروج منها». ووصف العاملين في منظمة «الخوذ البيض» بأنهم «إرهابيون»، متهماً إياهم بأنهم «نقلوا حاويتين من الغاز السام في محافظة إدلب لاستخدامها ضد المدنيين بهدف تبرير عدوان أميركي على سوريا». واتهم بريطانيا بأنها متواطئة في هذه المؤامرة.
وقالت رئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي المندوبة البريطانية كارين بيرس: «نحن قلقون للغاية حيال الوضع في إدلب» حيث يعيش «نحو 3 ملايين إنسان تحت خطر هجوم النظام»، مشيرة إلى تقارير عن إمكان استخدام النظام السلاح الكيماوي في هذه المنطقة. وردت على اتهامات وزارة الدفاع الروسية، قائلة إنه «حتى بالمعيار الفاضح للبروباغندا الروسية، فإن هذه الرواية كاذبة». وأكدت أن «هذه الادعاءات سخيفة» لأن بريطانيا «تأخذ على محمل الجد التزاماتها بخصوص معاهدة الأسلحة الكيماوية» خلافاً لما تفعله السلطات السورية. وكررت مطالبة موسكو بممارسة نفوذها على دمشق لحضها على عدم استخدام الغازات السامة كما فعلت سابقاً أكثر من مرة بدلاً من «فبركة هذه الروايات حول أعضاء آخرين من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن».
وعدّ المندوب السوري بشار الجعفري أن أي هجوم غربي على سوريا إنما هو «عدوان على السلم والأمن الإقليميين والدوليين»، مضيفاً أن «إرهابيي (جبهة النصرة) والمجموعات التابعة للتنظيم يحضرون لاستخدام الأسلحة الكيماوية ضد مدنيين في إدلب بغية توجيه الاتهام للقوات السورية».



قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
TT

قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

بينما واصلت السلطات السورية الجديدة حملاتها لملاحقة خلايا تتبع النظام السابق في أحياء علوية بمدينة حمص وفي الساحل السوري، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، بأن قتالاً عنيفاً يدور بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في منطقة منبج شمال سوريا.

وأشار «المرصد السوري» الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، إلى مقتل ما لا يقل عن 28 عنصراً من الفصائل الموالية لتركيا في الاشتباكات في محيط مدينة منبج. وذكر «المرصد» أيضاً أن الجيش التركي قصف بعنف مناطق تسيطر عليها «قسد».

وجاء ذلك في وقت قالت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» إن القوات الموالية لتركيا شنّت هجوماً واسع النطاق على عدة قرى جنوب منبج وشرقها، مؤكدة أنها نجحت في التصدي للمهاجمين الذين يحاولون منذ أيام السيطرة على المنطقة المحيطة بسد تشرين على نهر الفرات.

جانب من تشييع مقاتلَيْن كرديين قُتلا في معارك منبج ودُفنا في القامشلي بشمال شرقي سوريا يوم الخميس (أ.ف.ب)

وتريد تركيا طرد «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تشكّل عماد «قوات سوريا الديمقراطية» من المنطقة؛ بحجة أنها فرع سوري لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف إرهابياً.

إلى ذلك، في حين كان التوتر يتصاعد في الأحياء ذات الغالبية العلوية في حمص خلال عمليات دهم بحثاً عن عناصر من النظام السابق وتصل ارتداداته إلى الساحل السوري، اجتمع نحو خمسين شخصية من المجتمع الأهلي بصفتهم ممثلين عن طوائف دينية وشرائح اجتماعية في محافظة طرطوس مع ممثلين سياسيين من إدارة العمليات العسكرية (التي تولت السلطة في البلاد الآن بعد إطاحة نظام الرئيس السابق بشار الأسد). وعلى مدى أربع ساعات، طرح المشاركون بصراحة مخاوف المناطق الساحلية؛ حيث تتركز الغالبية الموالية للنظام السابق، وتم التركيز على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي في سوريا عموماً والساحل السوري خصوصاً، بعد تقديم إحاطة سياسية حول الوضع في الداخل السوري والوضع الدولي، والتطورات الحالية وتأثيرها في الواقع السوري.

قوات أمنية خلال عمليات التمشيط في حمص الجمعة (أ.ب)

قالت ميسّرة الجلسة الصحافية، لارا عيزوقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المشاركين في الجلسة التي نظّمتها «وحدة دعم الاستقرار» (s.s.u) مثّلوا أطيافاً واسعة من المجتمع المحلي، من مختلف الطوائف الدينية، والشرائح الاجتماعية، بالإضافة إلى مشاركة ممثلين سياسيين من إدارة العمليات. وأكدت لارا عيزوقي أن أبرز مطلب للوفد الأهلي كان ضرورة إرساء الأمن، مشيرة إلى تقديم اقتراح بتفعيل لجان حماية محلية؛ بحيث تتولى كل منطقة حماية نفسها في المرحلة الراهنة لمنع الفوضى، مع الاستعداد لتسليم المطلوبين، على أن تُمنح ضمانات فعلية لمنع الانتقامات.

معتقلون يُشتبه بأنهم من النظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

وتابعت لارا عيزوقي أن الافتقار إلى الأمن، وحالة الانفلات على الطرقات، أديا إلى إحجام كثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس والجامعات، وبالتالي حرمانهم من التعليم. وأشارت إلى أن الجلسة الحوارية تضمّنت مطالبات بالإفراج عن المجندين الإلزاميين الذين كانوا في جيش النظام السابق رغماً عنهم، وجرى اعتقالهم من قِبل إدارة العمليات.

ولفتت إلى أن الوفد الأهلي شدد أيضاً على ضرورة وضع حد لتجاوزات تحدث، مضيفة أنه جرت مناقشة مطولة لما جرى في قرية خربة معزة؛ حيث أقر الأهالي بخطأ حماية المطلوبين، وأن ذلك لا يبرر التجاوزات التي حصلت أثناء المداهمات.

يُشار إلى أن اشتباكات حصلت في طرطوس في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لدى ملاحقة قوى الأمن الضابط في جيش النظام السابق محمد حسن كنجو الملقب بـ«سفاح سجن صيدنايا»، وهو رئيس محكمة الميدان العسكري التي تُتهم بأنها السبب في مقتل آلاف المعتقلين.

ومما طرحه أهالي طرطوس، في الجلسة، مطلب صدور عفو عام، إذ إن هناك مئات من الشباب المتعلم اضطرهم الفقر إلى العمل في الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام. ويريد ممثلو الأهالي بحث إمكانية ضم هؤلاء إلى وزارة الدفاع مجدداً، لتجنّب الانعكاسات السلبية لكونهم عاطلين عن العمل. وحسب لارا عيزوقي، كشف ممثل الإدارة الجديدة عن نية «إدارة العمليات» إصدار عفو عام يستثني المتورطين بشكل مباشر في جرائم النظام السابق.

مواطنون في حمص خلال قيام قوات أمن الحكم الجديد بعمليات دهم الجمعة بحثاً عن عناصر من النظام السابق (أ.ب)

ولفتت لارا عيزوقي إلى وجود ممثلين عن شباب بأعمار تتراوح بين 20 و30 سنة، وقالت إنهم يعتبرون أنفسهم ينتمون الى سوريا، لا إلى طائفة معينة ولا يريدون الهجرة ويتطلعون الى لعب دور في مستقبل سوريا، متسائلين عن كيف يمكن أن يحصل ذلك إذا تمّ تأطيرهم داخل مكوّن طائفي.

وحول تسريح الموظفين، عبّر مشاركون عن مخاوف من تسريح آلاف الموظفين لا سيما النساء من ذوي قتلى النظام واللواتي تعلن عائلاتهن -مع لفت النظر إلى اتساع رقعة الفقر وتعمّقها في الساحل خلال سنوات الحرب- حالة الإفقار الممنهجة التي طالت محافظة طرطوس بصفتها محافظة زراعية تدهورت زراعتها في السنوات الماضية.

أطفال في شاحنة بمدينة حمص الجمعة (أ.ب)

وشهدت مدينة طرطوس، بين مساء الخميس وصباح الجمعة، حالة توتر مع توارد أنباء عن جريمة قتل وقعت قرب «شاليهات الأحلام» حيث تستقر مجموعات من «فصائل إدارة العمليات». وحسب المعلومات، أقدم مجهولون على إطلاق نار على شخصين، مما أدى إلى مقتل أحدهما وإصابة الآخر. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن الأهالي طالبوا «هيئة تحرير الشام» التي تقود إدارة العمليات العسكرية، «بوضع حد للاعتداءات والانتهاكات التي تُسهم في زعزعة الاستقرار وضرب السلم الأهلي الذي تعيشه المنطقة».

وأشار «المرصد» إلى أن ملثمين مسلحين أعدموا أحد أبناء حي الغمقة الشرقية في مدينة طرطوس، وهو شقيق شخص مطلوب بقضايا جنائية، وذلك خلال تفقد القتيل شاليهاً يملكه في منطقة «شاليهات الأحلام».

وتشهد مناطق تركز العلويين في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية انفلاتاً أمنياً بسبب انتشار السلاح، وتحصّن مطلوبين من عناصر النظام السابق في أحياء وقرى، مما يثير مخاوف من تأجيج نزاع مناطقي.

يُشار إلى أن «إدارة العمليات العسكرية» استكملت، الجمعة، حملة التمشيط التي بدأتها في حمص يوم الخميس، وشملت أحياء العباسية والسبيل والزهراء والمهاجرين، بحثاً عن فلول ميليشيات النظام السابق. وأفيد باعتقال عشرات الأشخاص بينهم من أُفرج عنهم بعد ساعات فقط.