محكمة الحريري تدخل المرحلة النهائية وتعمق الصراع اللبناني

خبراء يقرأون في تحذيرات نصر الله تهديداً بضرب الاستقرار

TT

محكمة الحريري تدخل المرحلة النهائية وتعمق الصراع اللبناني

تدخل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بدءاً من العاشر من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، مرحلة المحاكمة النهائية لأربعة من كوادر جهاز أمن «حزب الله»، المتهمين باغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، والمخصصة لمرافعات المدعي العام الدولي نورمان فاريل، وممثلي المتضررين، وفريق الدفاع عن المتهمين، لتعكف بعدها على مناقشة الأدلة والقرائن، وتصدر حكمها النهائي بعد أربع سنوات على المحاكمات العلنية، في وقت استبق «حزب الله» هذا الاستحقاق المهم، بتحذير يلامس التهديد، حيث دعا أمينه العام حسن نصر الله، اللبنانيين إلى عدم الرهان على ما يصدر عن المحكمة، قائلاً «لا تلعبوا بالنار»، في إشارة إلى ردة فعل محتملة للحزب على أي إدانة تطال كوادره المتهمين بالجريمة.
وفيما تبدو المحكمة الدولية غير معنية بما يجري من جدل حولها في لبنان، تواصل عملها بشكل مستقل، وتتأهب لاستئناف عملها بعد عطلة قضائية استغرقت شهرين، وأكدت مصادر مطلعة على أجواء ما يدور في أروقة المحكمة في لاهاي، أن «المحاكمة تدخل المرحلة الفاصلة في العاشر من سبتمبر». وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن رئيس المحكمة القاضي ديفيد راي «منح المدعي العام نورمان فاريل وفريقه ثلاثة أيام لتقديم مرافعته وما لديه من أدلة، ومهلة مماثلة لفريق المتضررين من الجريمة، ثم يومين لمحامي الدفاع عن كل من المتهمين الأربعة».
وتحاكم المحكمة الدولية غيابياً أربعة من مسؤولي جهاز أمن «حزب الله»، هم سليم عياش، وأسد صبرا، وحسن عنيسي وحسن مرعي، (فيما أسقطت الملاحقة عن المتهم مصطفى بدر الدين الذي قتل في سوريا)، بعد توجيه اتهامات لهم بتنفيذ جريمة اغتيال الحريري و21 آخرين بتفجير شاحنة مفخخة استهدفت موكبه في منطقة سان جورج وسط بيروت في الرابع عشر من فبراير (شباط) 2005، وقد صنف مجلس الأمن الدولي الجريمة بـ«الإرهابية» وعين لجنة تحقيق دولية، ثم أنشأ المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين.
وأوضحت المصادر المواكبة لأجواء المحكمة، أن «العالم كله يراقب ما سيقدمه المدعي العام من معطيات وأدلة مستندة إلى (داتا الاتصالات)، وتحليل العينات التي رفعت من مسرح الجريمة وإفادات الشهود، بقدر مراقبته لمرافعات فريق الدفاع وما لديه من تحليلات واستنتاجات تدحض الاتهامات». وتوقعت صدور الحكم في مهلة لا تتعدى الثلاثة أشهر من موعد ختم المحاكمة. وقالت إن «هناك طريقتين قد تعتمد إحداهما لإصدار الحكم، إما صدور حكم شفهي بالإدانة أو البراءة، على أن يليه لاحقاً القرار الخطي، وإما أن يصدر قرار خطي مرة واحدة وينشر فوراً ويسدل الستار على القضية برمتها».
ووصفت المصادر الحكم الذي سيصدر بـ«التاريخي». وقالت: «سيكون حكماً قوياً ومستنداً إلى أدلة قاطعة لا مجال للتشكيك فيها أو تسييسها»، لافتة إلى أن الحكم «إذا قضى بإدانة المتهمين، لا يمكن لفريق الدفاع الطعن به أو استئنافه إلا إذا سلم المتهمون أنفسهم للعدالة، أما إذا قضى الحكم بتبرئة المتهمين، يمكن للمدعي العام وفريق الادعاء الشخصي استئنافه، وطلب إعادة المحاكمة أمام غرفة الاستئناف من جديد».
وكان أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، دعا إلى عدم ربط تأليف الحكومة بالمحكمة الدولية وما يصدر عنها، وقال: «بصراحة ووضوح المحكمة غير موجودة ‏وقراراتها لا تعنينا بتاتاً، لا تلعبوا بالنار… لا تلعبوا بالنار‎».
ويميز المعنيون بملف المحكمة بين الصراع السياسي القائم في لبنان، والدور القضائي الذي تتولاه المحكمة الدولية، وشدد الخبير القانوني المحامي أنطوان سعد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «تهديد نصر الله اللبنانيين بعدم اللعب بالنار، يعني أنه لا يؤمن بمنطق المؤسسات ولا بالعدالة الوطنية والدولية». ولفت إلى أن نصر الله «يحاول الضغط على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بكل الوسائل، بدءاً من ملف النازحين السوريين إلى التطبيع مع النظام السوري وصولاً إلى المحكمة الدولية»، مذكراً بأنه «لا دور مؤثرا للحريري على مسار هذه المحكمة التي أنشئت بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة»، مؤكداً أن قراراتها ملزمة لكل الدول، وبالتالي لا يمكن التنصل من قراراتها وأحكامها».
من جهته، اعتبر منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، أن «تهديدات نصر الله بشأن المحكمة ليست موجهة ضد المجتمع الدولي، بل ضد الشعب اللبناني». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «تهديد نصر الله يطال السياسيين والإعلاميين الأحرار الذين لا يتمتعون بحماية سياسية وأمنية داخلية وخارجية». وقال: «طالما أن المحكمة لا تعني نصر الله لماذا يتكلم عنها ويحاول تسخيفها؟». ورأى أن «رسالة نصر الله واضحة ومفادها، إما أن تتخلوا عن مبدأ المحكمة الدولية، أو سيتم التلاعب بالاستقرار الأمني والسياسي»، مشيراً إلى أن حزب الله «لا يقبل أي اتهام أو حكم مثبت بالأدلة والبراهين، ولا يقوى على تحمل نتائجه، ولذلك هو يذهب إلى حد التهديد العلني والواضح بضرب الاستقرار الداخلي».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.