موقف للسيارات في واشنطن أكثر شهرة من كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية

صدر قرار بهدمه أخيرا

موقف للسيارات في واشنطن أكثر شهرة من كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية
TT

موقف للسيارات في واشنطن أكثر شهرة من كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية

موقف للسيارات في واشنطن أكثر شهرة من كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية

المواقع الصحافية الشهيرة في العاصمة الأميركية واشنطن كثيرة. المبنى الضخم للجريدة العريقة «واشنطن بوست» في قلب المدينة، وبناية نادي الصحافة الشاهقة التي تجتمع فيها عشرات المكاتب للمؤسسات الصحافية الأميركية والدولية. محطات التلفزيون التي يتابعها الملايين تثبت كاميراتها على البيت الأبيض وتتابع خطوات الرئيس الأميركي باراك أوباما وتحركاته بشكل غير منقطع.
كل هذه المواقع الصحافية المهمة تتضاءل أهميتها أمام موقف سيارات شبه مظلم ومتعدد الأدوار يقع في مدينة روزلين في ولاية فرجينيا، وعلى بعد أميال قليلة من نهر بوتوماك. إنه موقف السيارات الذي تفجرت منه فضيحة «ووترغيت» وأدت إلى الإطاحة بالرئيس الأميركي ريتشارد نيسكون في عام 1974.
في هذا الموقف الذي قامت «الشرق الأوسط» بزيارته أخيرا، التقى مفجر الـ«ووترغيت» الصحافي الشاب بوب وودورد بمصدره السري الذي لقبه بـ«الحنجرة العميقة» وكشف له أخطر الأسرار عن تورط الإدارة الأميركية والرئيس نفسه في فضيحة التجسس الشهيرة. «الحنجرة العميقة» لم يكن سوى مارك فليت، الرجل الثاني في مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي». قام بين في عام 1972 و1973 بالالتقاء ست مرات بالصحافي وكشف له عن معلومات سرية ومفاتيح مجهولة مكنته من مواصلة الكشف عن قصته الصحافية التي جعلت من موقف السيارات المجهول هذا أكثر شهرة من أشهر الصحف ومحطات التلفزيون. في كل مرة يريد وودورد أن يتلقي «الحنجرة العميقة» ليحصل منه على معلومات جديدة عن القضية يقوم بتعليق قطعة قماش حمراء في بلكونة منزله إشارة يفهم منها مراسل رجل الـ«آف بي آي» أن عليه الذهاب إلى موقف السيارات للالتقاء به. «الحنجرة العميقة»، أو مارك فليت الذي لم يكشف عن اسمه إلا في عام 2005، كان هو من اختار الطابق الأرضي للمواقف للالتقاء، وتحديدا عند رقم 32 D بعيدا عن الأعين المتلصصة. موقف السيارات هذا لم يجر كشفه من قبل الصحافي الذي يبلغ من العمر الآن 71 سنة، إلا بعدما وافق فليت عن الإفصاح عن شخصيته للجمهور.
آخر الأخبار، التي أعادت إلى الأذهان الأهمية التاريخية لهذا المكان، هو القرار الصادر أخيرا بهدمه وتشييد بناية سكنية مؤلفة من 28 طابقا، وكذلك مركز تجاري منفصل. هذا القرار التي تم الإجماع عليه من قبل مجلس مقاطعة فرجينيا ليعلن بذلك نهاية هذه البناية التي أقيمت في الستينات، ولكنها تحولت بسبب «ووترغيت» إلى أشهر الأماكن الصحافية في العاصمة.
ردا على الانتقادات بسبب هذا القرار قال أحد أعضاء اللجنة التي صوتت بإزالة هذا المكان التاريخي لصحيفة «وول ستريت جورنال» بأن المكان لم يكن جيدا لسكان المنطقة، وبأنهم سيبقون على الطبيعة التاريخية للموقع في الوقت الذي يقومون فيه بإنشاء مركز تجاري يجتمع فيه الناس.
المحافظة على المكان التاريخي المقصودة هي اللوحة التذكارية المنصوبة أمام الموقف والمعنونة بـ«تحقيقات ووترغيت»، حيث تشير إلى أهمية المكان الذي تم اختياره، كما هو مكتوب، لكونه موقعا مجهولا، حيث التقى فيه الصحافي ورجل الـ«آف بي آي» لمرات عدة.
في تصريحات صحافية عن إزالة الموقع، لم يبد بوب وودورد أي اعتراضات على الخطوة المزمع القيام بها قريبا، مشيرا إلى أن أهمية المكان ستبقى في الذاكرة.
إزالة المكان أعادت بعض الذكريات النوستاليجية لقوة الصحافة الأميركية التي كان بمقدورها أن تطرد أقوى رجل في العالم من منصبه. مع تصاعد موجة الاستقطاب الإعلامي، وضعف التقاليد الصحافية القديمة في التحقيقات المطولة، وبزوغ عصر السوشيال ميديا، يبدو من الصعب على أيام «ووترغيت» أن تعود من جديد. لكن من يعرف؟!



المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».