ديك تشيني يقود حربا إعلامية على أوباما

الحملة بدأت بمقال ناري كتبه بالمشاركة مع ابنته ليز بسبب الأحداث الأخيرة في العراق

ديك تشيني
ديك تشيني
TT

ديك تشيني يقود حربا إعلامية على أوباما

ديك تشيني
ديك تشيني

ليس جديدا أن نائب الرئيس السابق والمثير للجدل ديك تشيني شديد الامتعاض من الرئيس أوباما ونهج إدارته، خصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. لكن، لم يقم تشيني خلال السنوات الماضية إلا بالتصريحات المتفرقة بين فترة وأخرى. لكن هذه المرحلة انتهت وبدأ تشيني بحملة إعلامية شعواء جديدة، تقول المؤشرات إنها لن تنتهي إلا بعد خروج الرئيس الأميركي من البيت الأبيض. السبب الأساسي لانفجار غضب تشيني هو الأحداث الأخيرة في العراق التي دفعت البلاد إلى حافة الانهيار، وأنعشت الجماعات الإرهابية من جديد.
بدأت هذه الحملة بمقال ناري كتبه في جريدة «وول ستريت جورنال»، بالمشاركة مع ابنته ليز، هاجم فيه بضراوة أوباما ووصفه بأنه لم يعرف رئيسا أميركيا ارتكب عددا كبيرا من الأخطاء الاستراتيجية مثل الرئيس الحالي. هذا المقال وصفه بعضهم بالخروج عن التقاليد السياسية الأميركية، حيث من النادر أن يهاجم نائب رئيس سابق الرئيس الحالي بمثل هذا الوضوح الخالي من كلمات الدبلوماسية.
لكن تشيني غير مهتم بهذه الانتقادات، فقد كتب بصراحة وبطريقة متهكمة: «العراق يعيش تحت خطر سيطرة الجماعات الإرهابية والرئيس يتحدث عن الاحتباس الحراري. الإرهابيون أحكموا سيطرتهم على مناطق كثيرة بشكل لم يحدث تاريخيا وهو يذهب للعب الغولف. يبدو أنه غير مدرك الحضور الواضح لـ(القاعدة) والخطر المحدق بالولايات المتحدة الأميركية».
هذا الكلام الصريح والهجومي أثار غضب الكثيرين عليه، خصوصا من الديمقراطيين، ومن بينهم الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الذي قال في أحد تصريحاته إن من غير اللائق أن ينتقد الشخص نفسه الذي تسبب في إحداث كل هذه الفوضى. لكن تشيني لم يتوان عن الرد، مشيرا إلى أن تعبير «من غير اللائق» ينطبق على كلينتون أكثر من أي شخص آخر، في إشارة إلى فضيحته الجنسية مع مونيكا لوينسكي. حتى بعض الجمهوريين، لم يترددوا في انتقاده، ومن بينهم الجمهوري الشهير راند بول الذي رد عليه تشيني بوصفه بالمؤيد للنهج الانعزالي الذي «لم يعمل في الثلاثينات، فكيف يمكن أن يعمل بمرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)».
لم يكتف تشيني بالمقالات الصحافية، بل أجرى الكثير من الحوارات التلفزيونية التي استخدمها منصة لمزيد من الانتقاد غير المفلتر. في حوار مطول مع الصحافي الشهير تشارلي روز، تحدث تشيني عن فشل الإدارة الأميركية في التعامل مع الأزمة منذ البداية، مشيرا إلى أن حلفاء الولايات المتحدة الأميركية باتوا لا يثقون به كما في السابق. «إذا فقدت مصداقيتك، فلن يقوم أحد بالثقة بك»، هكذا ردد تشيني، مضيفا أن «العراق كان مستقرا إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، الأمر الذي عده الرئيس الأميركي نفسه قصة نجاح، قبل أن يقرر الأخير الانسحاب الكامل، مما أدى إلى انهيار الأوضاع هناك بشكل غير مسبوق».
أكثر الحوارات حدة ظهرت على شاشة «فوكس نيوز» مع المذيعة ماغي كيلان التي تكلمت بوضوح عن الاتهامات التي توجه لنائب الرئيس الذي كان وراء كل هذه الفوضى في العراق منطلقا من الاتهام القائل بامتلاك نظام صدام حسين أسلحة محظورة، الأمر الذي لم يثبت بعد ذلك. لكن تشيني الذي لا يتردد في الدفاع عن مواقفه، أشار إلى أن مرحلة ما بعد 11 سبتمبر كان متاحا للجماعات الإرهابية الحصول على أسلحة فتاكة والقيام بعمليات ضد الولايات المتحدة، مضيفا أن إدارة أوباما تحدثت عن تشرذم جماعات القاعدة، ولكن الواقع يقول إنها تزدهر من جديد.
هذه الهجمة أعادت تشيني للأضواء من جديد وجعلته من جديد الصوت الأكثر علوا بين الجمهوريين. ومن المرجح أن هذا هو السبب الذي دفعه للتقدم، فدخوله على الساحة في الوقت الحالي سيجذب مزيدا من الانتباه لتخبط إدارة أوباما في العراق وسوريا، الأمر لن يفعله أحد غيره على ذات المستوى من القوة والإثارة. من المؤكد أيضا أن تشيني يستغل هذه الأحداث لأهداف انتخابية بغرض إنهاك «الحزب الديمقراطي» قبيل الانتخابات النصفية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. لكن هناك في المقابل من يعتقد أن هذه الحملة ستضر «الحزب الجمهوري» لأنه ستعيد ذكريات بدايات حرب العراق، الأمر الذي لن يكون جيدا للجمهوريين الذي يسعون لدفن تلك الذكريات ونسيانها.
مهما يكن، فلا يبدو أن تشيني يعتزم التوقف حتى ينتهي من مهمته. يقول الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» بيتر بيكر إن تشيني قام بعملية لزراعة القلب أعادت له، ليس فقط الحيوية البدنية، ولكن الحيوية والشهية للعمل السياسي.



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.