{الجيل الخامس} من الإرهاب

الشائعات مسار غير تقليدي لتفكيك المجتمعات

جنود مصريون في شوارع العريش شمال سيناء في 29 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
جنود مصريون في شوارع العريش شمال سيناء في 29 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

{الجيل الخامس} من الإرهاب

جنود مصريون في شوارع العريش شمال سيناء في 29 يوليو الماضي (أ.ف.ب)
جنود مصريون في شوارع العريش شمال سيناء في 29 يوليو الماضي (أ.ف.ب)

هل بات العالم على موعد مع نوع جديد من أنواع حروب الإرهاب تستخدم فيها الشائعات أداة لتقويض السلام المجتمعي للدول، ونشر الخوف والذعر بين المواطنين، مما يؤدي إلى تفكيك المجتمعات وهدم الدول من الداخل ودون إطلاق رصاصة واحدة من الخارج؟
الشاهد أنه إذا كان الجميع قد اتفق على تسمية استخدام الأدوات التكنولوجية الحديثة لتفكيك مفاصل الدولة باسم حروب الجيل الرابع، فإن هناك إجماعاً غير مسبوق على أن نشر الشائعات تعتبر آلية الجيل الخامس من الحروب.
ما هي الشائعة بداية؟ قطعاً هي الترويج لخبر أو أخبار زائفة، سرعان ما يتم تداولها في المجتمع، ورويداً رويداً تكتسب مصداقية، حتى وإن كانت مزورة ومنحولة، والهدف عادة منها التأثير على توجهات المواطنين، ودفعهم في دروب ومسالك تتسق دائماً لأهداف مطلقي الشائعات، أي أنها أداة من أدوات التوجيه النفسي والمعنوي بشكل سلبي غير بناء.
والمؤكد أن التاريخ، سيما في النصف الأول من القرن العشرين، قد شهد نموذجاً شهيراً لترويج الإشاعات قام به وزير الإعلام والدعاية الألماني (جوزيف غوبلز) وهو صاحب العبارة الشهيرة: «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس»، وقد عمد غوبلز إلى تسخير رباعيات العراف الفرنسي الشهير ميشيل نوسترداموس، للترويج لانتصار هتلر في الحرب العالمية الثانية، غير أن الحلفاء اكتشفوا حقيقة زيف إشاعاته ومن ثم تعاملوا معه بنفس الأداة، الأمر الذي جعله في نهاية الأمر يفقد اتزانه وينتحر خوفاً من الوقوع حياً في أيدي الحلفاء.

مصر والإرهاب... حروب الإشاعات
لماذا يتم إعادة فتح هذا الملف مرة جديدة في الوقت الراهن؟
يبدو أن مصر تواجه هجمات إرهابية جديدة عبر الإشاعات فخلال شهر يوليو (تموز) الماضي كانت الأجهزة الأمنية المعنية في ربوع الكنانة ترصد واحداً من مخططات «الحرب البديلة»، والذي لجأت إليه الجماعات الظلامية التي تهدد وحدة مصر، بقيادة الإخوان المسلمين، لجأ الإخوان ومن لف لفهم إلى الإشاعات أسلوباً بديلاً بعد فشل تنفيذ مخططاتهم الإرهابية العدائية، وبلغ الأمر حد انتشار «ثلاث شائعات» في الساعة، عطفاً على تأسيس جيش إلكتروني خارجي يعمل على بث المواد المغلوطة، بهدف نشر الإحباط واليأس والتغطية على إنجازات الحكومة وجهودها.
خلال تخريج إحدى دفعات الكليات العسكرية الشهر الماضي أشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أن الحكومة المصرية قد واجهت خلال الأشهر الثلاثة الماضية أكثر من عشرين ألف شائعة الهدف منها تدمير الدولة ونشر البلبلة والإحباط من أجل تحريك الناس لتدمير بلدهم.
ما قاله الرئيس السيسي كشفت عنه دراسة حديثة أشرفت عليها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب المصري، فقد أشارت في تقرير حديث لها عن إطلاق عدة آلاف من الشائعات خلال شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) من عام 2017.

النسيج المجتمعي هو الهدف
خذ إليك عينة من تلك الشائعات لتعرف مقدار الضرر الذي توقعه على النسيج المجتمعي لمصر، ومنها القول إن الحكومة المصرية قامت بخلط دقيق القمح بمواد كيميائية من أجل تقليل خصوبة المصريين، وبالتالي وقف النمو السكاني. وللقارئ أن يتخيل ردات الفعل عند البسطاء من المصريين وكذا الفئات التي تعاني من ضغوطات اقتصادية وكيف لمثل هذه الشائعات أن تولد انفجاراً مجتمعياً.
بعض آخر من تلك الشائعات استهدف النظام البنكي المصري، والذي روج المرجفون أنه أصيب بالإفلاس، وأن الحكومة يمكن أن تضع أياديها على أرصدة وودائع الشعب لصالحها.
نشر الشائعات يمضي كذلك لجهة الترويج الكاذب لبيع مصر أصولها الوطنية كالقول ببيع الأراضي المحيطة بقناة السويس لمستثمرين أجانب، وقد وصل الأمر حد إشاعات تتصل بالوجبات الرئيسة للمصريين وفي محاولة لا تخفى عن الأعين للوقيعة بين الدولة وبين الشعب، من عينة استيراد وزارة الزراعة المصرية بيض من الصين مصنوع من البلاستيك، وكذلك أسماك بلاستيكية وأرز بلاستيكي، وقد بات الوطن على هذا النحو تحت طائلة إرهاب الشائعات.

وسائل التواصل ونشر الشائعات
يعن لنا أن نتساءل هل أدت وسائط التواصل الاجتماعي دوراً غير محمود في هجمات الإرهاب الجديد هذا؟
يمكن القطع بأن ذلك كذلك ومن أسف، بمعنى أنه تم تحويل وتحوير الهدف الأساسي منها والالتفاف عليه، فعوضاً عن أن تكون جسوراً للبناء، باتت معاول للهدم في جسد الدول.
لم تعد أساليب الإعلام القديمة من عينة الصحف أو أجهزة التلفاز هي التي تشكل الرأي العام في واقع الأمر، بل أدوات من عينة «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» هي التي تفعل ذلك، ومن هنا جاء استخدام الجماعات الأصولية لها لنشر المعلومات المغلوطة ونظريات المؤامرة والشائعات، سيما وأنه المعروف إعلامياً أن «الأخبار السيئة هي الأخبار تلك التي تلفت انتباه الناس، وتدفعهم إلى مواصلتها ومن ثم التهويل من شأنها».
كما أن مسالة تدوير الشائعات تعطي مجالاً للمواطنين لأن يتفاعلوا مع نوعين من الأخبار الأول يتصل بالمغلوطة والثاني يقوم على تفعيل نظرية المؤامرة.

إرهاب الإخوان ونزع الثقة
حين خرج المصريون في 30 يونيو (حزيران) من عام 2013 مطالبين بإسقاط حكم «الإخوان»، كان الجميع يدرك أن المعركة مع التنظيم الإرهابي في حال المبتدأ، وأن المقبل سيحمل أخباراً سيئة كثيرة من جراء شهوة الانتقام الغالبة لديهم.
والمؤكد أنه عبر خمس سنوات خلت وحتى الساعة لا تزال حروبهم لنزع ثقة المواطنين من النظام قائمة وإن مضت في اتجاهين، الأول يتصل بالإرهاب المعنوي، أي نشر الشائعات عبر وسائل الإعلام، وهنا يظهر الدور الخطير لبعض الدول التي تحتضن الهاربين من العدالة من الإخوان لا سيما قطر وتركيا، والبعض الآخر القائم في دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة، وهؤلاء وأولئك بما لديهم من أدوات إعلامية عبر الإنترنت وقنوات فضائية يغازلون صباح مساء كل يوم أنصارهم المؤدلجين ويعرجون على آخرين.
أما العنف اللفظي، ففيه أيضاً تستخدم الشائعات كمطية لتحقيق رغبات أصحابها، فعندما تطلق إشاعات حول عمليات إرهابية قادمة، أو استهداف تجمعات بعينها، فإن الهدف الأكبر وهو نزع ثقة المواطن يتحقق من تلقاء ذاته، ومن دون الحاجة إلى عمليات حقيقية بالفعل، ذلك أن المواطن يهزم نفسيا وقبل أن يدلف إلى أي مواجهة حقيقية.
ولأن ترويج الشائعات يتصل اتصالاً وثيقاً بالأنساق الدينية والإيمانية، بوصفه نوعاً من أنواع الكذب الذي تحرمه الأديان السماوية، وترفضه بالقدر نفسه الشرائع الوضعية، لذا رأينا المؤسسات الدينية تأخذ بزمام أمورها لتدين هذا التوجه غير الخلاق. في هذا الصدد كان مرصد الإفتاء في مصر يدين لجوء الجماعات الإرهابية لنشر الشائعات والأكاذيب، ويوضح أن هناك نوعين من تلك الشائعات الخطيرة على الوطن والمواطنين:
النوع الأول: هو الشائعات الاستراتيجية، التي تستهدف ترك أثر دائم أو طويل المدى على نطاق واسع، ويستهدف هذا النوع من الشائعات جميع فئات المجتمع بلا استثناء.
النوع الثاني: هو الشائعات التكتيكية، والتي تستهدف فئة بعينها أو مجتمعاً بذاته لتحقيق هدف سريع وفوري، والوصول إلى نتائج قوية وفورية لضرب الجبهة الداخلية ونشر الفتنة بين أفراد المجتمع.
ولأن الظاهرة ليست محلية فقط بل عالمية أي ظاهرة الشائعات، لذا استمعنا إلى البابا فرنسيس بابا الفاتيكان متحدثاً عن الصحافة القائمة على الشائعات والتي تشكل شكلاً من أشكال الإرهاب، وقد جاء حديثه أمام زعماء الرابطة الوطنية للصحافيين، حين أكد على ضرورة بذل الجهد الإضافي سعياً وراء الحقيقة، خاصة في عصر تستمر فيه التغطية الإخبارية على مدار الساعة، ومضيفاً أن نشر الشائعات هو مثال للإرهاب ومثال يوضح كيف يمكنك أن تقتل إنسان بلسانك.

في كيفية التصدي لحروب الشائعات
ولعل تناول تلك الظاهرة الإرهابية من دون محاولة تقديم اجتهادات متواضعة لمجابهتها يضحى عملاً غير مكتمل، ولهذا فإن السؤال كيف لنا أن نتصدى لهذا النوع من حروب الإرهاب؟
الشاهد أن الأمر ليس باليسير، وبخاصة في زمن تسافر بل تطير فيه الأفكار بأجنحة عابرة للسدود والحدود، لكن تبقى هناك اجتهادات كثيرة بعضها تقوم به الحكومات، والبعض الآخر يقع عبئه على كاهل المواطنين أنفسهم.
أما ما يخص الحكومات فإنه يتعين على أجهزة الدول ووزاراتها المعنية الرد السريع على كل شائعة يتم الترويج لها، رداً شافياً وافياً، أميناً صادقاً، لا يترك مجالاً للشكوك أن تتسرب، مما يعزز الثقة بين المواطنين، وبين أجهزة الدولة، وأن تكون وسائل الإعلام الحكومية من الصدق والمصارحة، بحيث لا يلجأ المواطن إلى مصادر أخرى بديلة وعادة ما تكون مغرضة للحصول على المعلومات والحقائق الإخبارية التي تتصل بحال الوطن والمواطنين.
أما فيما يخص إشكالية وسائط التواصل الاجتماعي والكثير منها، إن لم يكن أغلبها، يأتينا من خارج الحدود المحلية والإقليمية، فإنه لا بأس ولو بشكل مؤقت فرض نوعاً من أنواع الرقابة على تلك المواقع، وحظر ما يعرض الأمن القومي من جرائها للخطر، وفي هذا الطريق مضت وتمضي دول كبرى مثل الصين بنوع خاص، والتي أدركت حكوماتها المتعاقبة أن الولايات المتحدة تسعى لتفكيكها من الداخل عبر ترويج الشائعات ونشر الفتن المعنوية، إن جاز التعبير.
والثابت أنه لا توجد هنا مشكلة ما بين الحريات الشخصية وأمن المجتمعات، فطالما كان الفرد غير مخالف لقوانين البلاد، فهو آمن، أما الذين يتوجب أن تنتقص حرياتهم الشخصية فهم أولئك القائمون على التخطيط لنشر الشائعات وهدم كيانات الدول. أما الجزء الآخر، فيتصل بالمواطنين أنفسهم، فالمعروف أن الحاضنات الشعبية العربية والشرقية عامة، تميل إلى ترديد الأحاديث وتكرارها من دون تنقيح أو مساءلة وكأنها مسلمات حقيقية، وعليه فإن البعض من دون وعي يشارك في إذكاء جذوة الشائعات، بالتمام والكمال كمثل أولئك الذين يتعاطون مع وسائط التواصل الاجتماعي وعبر آلية «الشير أو المشاركة».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.