محاولات لإحياء الصحافة العلمية بمصر... ونقص التدريب أهم المعوقات

بدأت بصفحات متخصصة سرعان ما قلصتها «أزمة الورق»

تعد اللغة أو تحديداً ترجمة المصطلحات العلمية أحد أهم المعوقات في هذا النوع من الصحافة
تعد اللغة أو تحديداً ترجمة المصطلحات العلمية أحد أهم المعوقات في هذا النوع من الصحافة
TT

محاولات لإحياء الصحافة العلمية بمصر... ونقص التدريب أهم المعوقات

تعد اللغة أو تحديداً ترجمة المصطلحات العلمية أحد أهم المعوقات في هذا النوع من الصحافة
تعد اللغة أو تحديداً ترجمة المصطلحات العلمية أحد أهم المعوقات في هذا النوع من الصحافة

في ظل الأزمة التي تشهدها الصحافة، عالمياً ومحلياً، قرر صناع الإعلام الاعتماد على الوسائل التكنولوجية المتعددة في صناعة القصص الصحافية، كنوع من الحل في مواجهة ما يسمى بعزوف القارئ عن وسائل الإعلام التقليدية. وبدأت في مصر محاولات لإحياء الصحافة العلمية التي تقلصت أخيراً في الصحف المطبوعة، وإن توسعت إلكترونياً.
واحتفل معهد «غوتة» الألماني في القاهرة، أخيراً، بختام مشروع «العلم حكاية»، الذي ينظمه بالتعاون مع الهيئة الألمانية للتبادل العلمي (DAAD)، وهو امتداد للمشروع التجريبي «الكتابة في المجال العلمي»، الذي انتهى عام 2017، ويهدف إلى جعل الصحافة العلمية في مصر أكثر حضوراً في المجتمع، عن طريق تعزيز العلاقة بين العلم والصحافة، وتضمن المشروع تدريب الصحافيين على الكتابة في مجال العلوم.
وقال أشرف أمين، رئيس القسم العلمي بصحيفة «الأهرام» الرسمية، لـ«الشرق الأوسط» إن «المساحة المخصصة للصحافة العلمية في الصحف اليومية المطبوعة تقلصت، في حين اتسعت المساحات المخصصة لهذا النوع من الصحافة في المواقع الإلكترونية»، مشيراً إلى أن «صحيفة الأخبار كان لديها صفحة علمية متخصصة، تحررها الزميلة هبة حسين، وكذلك كانت هناك صفحات متخصصة في (الأهرام)، لكن في ظل أزمة الصحافة الورقية الحالية، فإن أول شيء تم الاستغناء عنه هو الصفحات المتخصصة، وأولها الصفحة العلمية».
وأضاف أمين، الذي عمل محرراً علمياً في «الأهرام» على مدار العشرين عاماً الماضية، أن «تراجع الصحافة العلمية في مصر بدأ عام 2000، مع تراجع الإعلام بشكل عام في مواجهة مواقع التواصل الاجتماعي».
ورغم هذا التراجع، فإن هناك بعض المبادرات لتعزيز الصحافة العلمية في مصر، بعضها فردي وبعضها مؤسسي، مثل موقع «للعِلم»، الذي بدأ في سبتمبر (أيلول) عام 2016، وأطلقته مجلة Scientific American، وهي مجلة علمية متخصصة تأسست عام 1845، وتصدر عم عن دار نشر Nature.
وأكدت داليا عبد السلام، رئيس تحرير موقع «للعلم» - النسخة العربية من Scientific American، أهمية الصحافة العلمية «فهي الوسيلة التي من خلالها يمكن إخراج العلماء من فقاعاتهم، وربطهم بالمجتمع»، مشيرة إلى أن «العلماء يبتكرون حلولاً متنوعة لمشكلات المجتمع، ومهمة الصحافة العلمية هي الكشف عن هذه الحلول، وتبسيطها للمجتمع».
وتحدثت عبد السلام عن قصة نجاح موقع «للعلم»، وقالت: «بدأنا ببضعة آلاف زائر، واستطاع زيادة عدد الزوار بنسبة 300 في المائة، فعدد الصفحات التي يتم زيارتها حالياً يبلغ 320 ألف صفحة»، مشيرة إلى أن موقع «للعلم» يعمد إلى تقديم العلوم بطريقة مبسطة، حتى أنه يقدم بعض الموضوعات باللغة العامية.
وتعد اللغة، أو تحديداً ترجمة المصطلحات العلمية، أحد أهم المعوقات في هذا النوع من الصحافة، فهناك من يفضل استخدام المصطلح الأصلي باللغة الإنجليزية، وهناك من يطالب بتقديم مصطلحات عربية بديلة، وتبقى المشكلة في البحث عن ترجمة مناسبة لتلك المصطلحات يمكن أن تصل للجمهور بسهولة.
وقال أمين إن «المشكلة تكمن في صعوبة المصطلحات العلمية، وعدم وجود جهة تتحمل ترجمتها والبحث عن مصطلحات بديلة. حتى عندما يتطوع أحد الأطباء بترجمة مصطلح ما، فإن هذه الترجمة قد لا تصل، كما حدث عندما أطلق الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي، تسمية (الذاتوية) على مرض Autism، كبديل عن تعريف (التوحد)، ليظل الاسم الشائع هو (التوحد)، رغم خطئه».
وانتقد الدكتور حسام رفاعي، نائب رئيس جامعة حلوان لشؤون خدمة المجتمع والبيئة، وسائل الإعلام لتجاهلها تقديم المعلومة العلمية، وقال: «لدينا عزوف عن العلم في مصر، ونادراً ما نجد موضوعاً علمياً مكتوباً بشكل جذاب. وإن وجد، يكون مكتوباً بأسلوب علمي صعب فهمه على المواطن العادي»، متسائلاً: «أين ذهب باب نادي العلوم للصغار الذي كان موجوداً بجريدة الأهرام».
لكن هذا العزوف لم يمنع آية أشرف، مدير تحرير موقع «نيون» العلمي، من تأسيس موقع علمي متخصص، وقالت: «الناس يخشون العلوم، ويجدونها صعبة، لكن لو تم تقديمها بشكل مبسط، وربطت بقضايا المجتمع، يقبلون عليها»، مشيرة إلى أن «موقع (نيون) الذي أسسته استطاع أن يجذب عدداً جيداً من القراء والزوار، حيث يوجد نحو 21 ألف متابع على صفحتنا على (فيسبوك)».
ويعتبر الموقع أحد تجارب ريادة الأعمال في مجال الصحافة العلمية. ووفقاً لآية، فإنه «نظراً لضعف ميزانية الموقع، فإنهم لا يقومون بأي إعلانات، ويكتفون بالزيارات الطبيعية النابعة من تفاعل القراء مع الموضوعات العلمية المنشورة»، مشيرة إلى أن «التفاعل يزيد عند تقديم الموضوعات بشكل كوميدي، أو بطريق الأسئلة التفاعلية»، مؤكدة «أهمية الصحافي العلمي، كجسر بين العالم والمجتمع».
واعتبر أمين ما يحدث من مبادرات في مجال الصحافة العلمية «نوعاً من التطور الناتج عن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات التي اهتمت بالمادة العلمية، في الوقت الذي تجاهلت فيه وسائل الإعلام التقليدية هذا النوع من الصحافة»، مشيراً إلى أن «العالم يتجه الآن نحو مزيد من التخصص في هذا المجال».
وقال إنه «رغم هذه المبادرات، فإنها قصيرة المدى، ولا توجد خطة مؤسسية طويلة المدى ترسم مستقبل الصحافة العلمية»، مشيراً إلى أنه «في ظل أزمة الصحافة بشكل عام، فإن أول شيء يتم إلغاؤه أو تقليصه هي الصفحات المتخصصة، ومن بينها العلمية، لأن القائمين على صناعة الإعلام يحددون أولويات النشر تبعاً لاهتماماتهم الشخصية، والعلوم ليست جزءاً من هذه الاهتمامات».
وتحظى الموضوعات العلمية المرتبطة بالصحة والأمراض بالاهتمام الأكبر من جانب وسائل الإعلام، بدافع أنها قضايا جماهيرية، فالمواطن دائماً ما يبحث عن علاج لمرضه أو مستشفى جيد، في حين يتراجع الاهتمام بقضايا أخرى، وإن حظيت التكنولوجيا أخيراً ببعض الاهتمام، باعتبارها عنصراً جاذباً للإعلانات.
وقال أمين إن «الشائع لدى القائمين على الإعلام أن الموضوعات الصحية هي الأهم، لكن التجربة أثبتت أخيراً عدم صحة هذه الفرضية»، مشيراً إلى أن «موضوعات الفضاء تحظى بمقروئية عالية على المواقع الإلكترونية».
وتعد مشكلة التدريب أحد المعوقات الرئيسية في هذا النوع من الصحافة، فكليات الإعلام في مصر تدرس أساسيات الصحافة بشكل عام، دون التطرق لتخصص بعينه، ويرى البعض ضرورة أن يكون الصحافي العلمي دارساً للعلوم، في حين يكتفي آخرون بتدريب الصحافي على الكتابة في العلوم. وقال رفاعي: «يجب تدريب الصحافيين على الكتابة العلمية حتى يستطيعون إنتاج موضوعات دقيقة، منتقداً غياب هذا النوع من المواد عن كليات الإعلام في مصر».
ولذلك بدأ معهد «جوتة» الألماني مبادرة لتدريب الصحافيين العلميين في مصر، واستعان بالدكتور هولجر ورمر، أستاذ الصحافة العلمية بكلية الإعلام جامعة دورتموند الألمانية، الذي أكد وجود كثير من أوجه الشبه بين الصحافة والعلوم، وقال إن «الصحافة الاستقصائية يجب أن تكون أكثر علمية، لتقدم قيمة مضافة أكبر مما تقدمه محركات البحث الإلكترونية. وفي المقابل، يجب أن يطور العلماء أدوات تواصلهم مع المجتمع عن طريق تبسيط العلوم»، مشيراً إلى أن «قضية التمويل تظل قضية محورية للصحافة والعلوم في وقت واحد».
وقال أمين إن «أشهر صحافي علمي في مصر كان الراحل صلاح جلال، وكان خريج كلية العلوم، لكن هذا لم يمنع صحافيين آخرين من التخصص في الكتابة العلمية، المهم أن يكون الصحافي قادراً على التفكير النقدي، ويقرأ كثيراً في مجالات العلوم، ويتدرب على الكتابة فيها».
ويعتبر صلاح جلال رائد ومؤسس الصحافة العلمية والبيئية في مصر، وكان له عمود يومي في الأهرام، بعنوان «علوم»، وهو الصحافي المصري الوحيد الذي تابع إطلاق سفينة الفضاء «أبوللو» عام 1969، وتولى منصب نقيب الصحافيين المصريين لدورتين، وتوفي في فبراير (شباط) 1991.
ولأن المستقبل للإعلام المتخصص، ولأن العلوم أحد أهم الأدوات لتحقيق نهضة حقيقية، فإن وسائل الإعلام المصري بدأت تدرك أهمية الصحافة المتخصصة بشكل عام، والعلمية بشكل خاص. وعلى الأقل، لا يخلو موقع إلكتروني من قسم علوم وتكنولوجيا، وتنشر بعض الصحف اليومية المستقلة موضوعات علمية في صدر صفحتها الأولى، لكن القضية تحتاج لمزيد من الاهتمام لدعم وتدريب الصحافيين العلميين، ومواجهة عائق اللغة.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.