رحلة بدأت من وراء الميكروفون

رحلة بدأت من وراء الميكروفون
TT

رحلة بدأت من وراء الميكروفون

رحلة بدأت من وراء الميكروفون

بدأ شغفي بالإذاعة في سن المراهقة. كنت أعود من المدرسة وأوّل ما أقوم به هو الاستماع إلى إذاعات «إف إم» التي تبث الأغاني الغربية، وكان عددها محدوداً. سذاجتي حينها جعلتني أصمم على ولوج هذا العالم. كنت في السادسة عشرة من عمري. قدّمت امتحان دخول لإذاعة Magic 102 متسلّحاً بلغة فرنسية متمكّنة، وقد تمّ قبولي رغم أنّ صوتي لم يكن قد اكتمل أو نضج كما يجب.
انطلقت أقدّم برنامجاً باللغة هذه، مرتين في الأسبوع وعلى الهواء. تآلفت مع الميكروفون وتصادقت مع العالم الخارجي، حيث كنت أتوجّه إلى الشباب من خلال الموسيقى التي كانت حينها تعانق أحلامهم، أغنيات تحمل توقيع مايكل جاكسون، ومادونا، وبرينس وغيرهم من الفنانين الذين كانوا في بداياتهم. استمررت في الإذاعة بضع سنوات وأنا أتابع دراستي.
استمع إليَّ يوماً مدير عام تلفزيون لبنان آنذاك الراحل ألفريد بركات، وطلب رؤيتي، لألتحق بعدها بالعمل التلفزيوني بخلفية أكاديمية مغايرة، فأنا لست خريج كلية إعلام.
الهندسة الكيماوية وإدارة الأعمال هندستا تفكيري ومنطقي، وكذلك إرادتي، فبدأت هواية تقديم برنامج أسبوعي باللغة الفرنسية لمدة ثلاث سنوات قبل الانتقال إلى البرامج الحوارية.
في منتصف تسعينات القرن الماضي، أصبح التلفزيون جزءاً مهماً في حياتي. عملت على تطوير لغتي العربية من حيث اللفظ ومخارج الحروف والنطق. والتهمت الكتب المختلفة وأضحيت قارئاً «نهماً» للإصدارات العربية بعد أن كانت رفوف مكتبتي مكدّسة بالمنشورات الفرنسية والإنجليزية.
عالم الحوار خطير ويجب عليك أن تفرغ جعبة الضيف بإجابات وتفاصيل ترضي حشرية المشاهد كي يتسمّر أمام الشاشة ويتابعك حتى النهاية. لم أشأ أن تكون إطلالتي في «التوك شو» تقليدية وعادية، بل صممت على التميّز. لكن شروط العمل كانت محدودة والأفق كذلك، لا ميزانية والمحطات اللبنانية أرضية، غير أن طموحي كان أكبر مني. لم أشأ أن أتقوقع في إطار ضيّق، بل عملت على تحقيق أحلامي الكبيرة. كانت العوائق كثيرة والحروب الداخلية «حدّث ولا حرج» في مؤسسات إعلامية غلبت فيها الإدارة العائلية والمصالح الخاصة على الموضوعية في العمل والنجاح الجماعي. كنّا شباباً في بداية الطريق وكانت الحماسة تقودنا. عملت وجابهت وواجهت إلى أن أسّست شركتي الخاصة وتوّسعت خريطة إنتاجاتي.
الأحداث التي شهدها العالم في العقدين الأخيرين، والتي شوّهت صورة العالم العربي، دفعتني إلى البحث عن سبل لنقل صورة إيجابية عنّا في سائر أنحاء العالم، ودحض تلك الصورة السلبية التي أُلصقت بنا. فعمدت إلى إطلاق مؤسسة «تكريم» عام 2010 التي تدعم وتسوّق قصص نجاح هؤلاء الذين يشكّلون قدوة في مجالات الخدمات الإنسانية، والفنون، والثقافة، والعلوم، والبيئة، والتعليم والأعمال.
استغرق إعداد الفكرة خمس سنوات. مما لا شكّ فيه أن الثقة التي بنيتها مع كبار الأسماء جعلتهم يلتحقون بأسرة «تكريم» التي كرمت كثيراً على مرّ السنوات. نتيجة ذلك، تشكّلت المجالس المختلفة من أسماء كبيرة أمثال الملكة نور الحسين، والصناعي كارلوس غصن، والدكتور الأخضر الإبراهيمي، والشيخ صالح التركي، والشيخة مي الخليفة، والدكتورة حنان العشراوي، وآخرين.
أؤمن بأهمية التعليم لذا أخصّص حيّزاً كبيراً من وقتي للعمل مع المؤسسات الأكاديمية والمنّظمات غير الحكومية. أدير اليوم ندوات وورش عمل اقتصادية وثقافية وإعلامية، عالمياً وعربياً.
حاولت أن أبرز الوجوه قاطبة، التقيت زعماء العالم، وناقشت الروائيين الكبار، وجالست الحائزين على جوائز نوبل. وأعتقد أنّ كل تلك الإضافات شحنتني بالمعرفة وجعلت مني من أنا اليوم.
لقد اتخذت قراراً بالبقاء في بلدي، وربما تخلّيت عن بعض الفرص في سبيل التغيير الإيجابي في عالمنا العربي. أنا أؤمن بالواقع الاجتماعي، ولقد جعلت منه محور حياتي المهنية. ولو عاد بي الزمن إلى الوراء، لا أعتقد أنني كنت سأغيّر شيئاً. وعلى الرغم من كل العوائق، كنت وما زلت أرى الضوء والأمل في مكان ما.

- إعلامي لبناني


مقالات ذات صلة

تونس: نقابة الصحافيين تندد بمحاكمة 3 إعلاميين في يوم واحد

شمال افريقيا من تظاهرة سابقة نظمها إعلاميون احتجاجاً على ما عدوه «تضييقاً على الحريات» (أ.ف.ب)

تونس: نقابة الصحافيين تندد بمحاكمة 3 إعلاميين في يوم واحد

نددت نقابة الصحافيين التونسيين، الجمعة، بمحاكمة 3 صحافيين في يوم واحد، بحادثة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

«الشرق الأوسط» (تونس)
إعلام الدليل يحدد متطلبات ومسؤوليات ومهام جميع المهن الإعلامية (واس)

السعودية: تطوير حوكمة الإعلام بدليل شامل للمهن

أطلقت «هيئة تنظيم الإعلام» السعودية «دليل المهن الإعلامية» الذي تهدف من خلاله إلى تطوير حوكمة القطاع، والارتقاء به لمستويات جديدة من الجودة والمهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».