القاهرة تتبنى شعار الطعام «من المنزل إلى المنزل»

سيدات يقدمن أكل البيت للعموم بواسطة تطبيقات عصرية

القاهرة تتبنى شعار الطعام «من المنزل إلى المنزل»
TT

القاهرة تتبنى شعار الطعام «من المنزل إلى المنزل»

القاهرة تتبنى شعار الطعام «من المنزل إلى المنزل»

تمضي السيدة منى في مطبخها أكثر من عشر ساعات يومياً، تطهو لزبائنها توليفة متنوعة من الأكلات والأطباق الشهية دون ملل، تتنوع ما بين المحاشي، والممبار، والحمام، والرقاق، والبشاميل، كله بحسب الطلب، وتحرص على الانتهاء منها سريعاً كي يتم إرسال الطلبيات بسرعة ملحوظة.
و«ماما منى» كما يُطلق عليها جيرانها ومعارفها، واحدة من بين مصريات كُثر، امتهن الطهي في منازلهن لتقديمه إلى زبائنهن في أحياء ومناطق عدة بالقاهرة والجيزة، في ظاهرة لاقت رواجاً واسعاً بين شرائح مجتمعية عدة، باتت تعرف بـالأكل من «المنزل إلى المنزل».
وعلى الرغم من دخولها العقد الخمسين، ولديها انشغالات، ومهام أسرية، إلاّ أن «ماما مني» وجدت في نفسها طاقة إيجابية للمضي قدما في تنفيذ هذه الفكرة، فمن ناحية تدرّ دخلاً إضافياً، وأخرى تعبر فيها عن موهبتها في الطهي، تقول في حديث إلى «الشرق الأوسط»: «في البداية كنت أطبخ للمعارف والأصدقاء، ثم توسعت قليلاً، فكنت أبيع الطعام حسب الطلب للموظفين، ولأصحاب المحال المجاورة لمنزلي... الآن أصبح الطلب متزايدا، فلجأت إلى إنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) لاستقبال طلبات الزبائن الجدد، يتابعها قرابة 10 آلاف شخص، بعدها تعاقدت مع موقع (اطلب) لتوصيل الطلبات، بالإضافة إلى خدمة (Uber Eats) حتى أصبح لدي تطبيق خاص باسمي، وأستقبل عن طريقه شرائح جديدة من الزبائن».
تبدأ «ماما منى» يومها من السابعة صباحاً، حيث تبدأ في إعداد ما تحتاجه للطهي، من لحوم وخضراوات، قبل أن تتفحص هاتفها لاستقبال طلبات الزبائن والعمل عليها والاتصال بخدمتي «أوبر» و«اطلب» لتوصيلها في موعد أقصاه 45 دقيقة، بحسب المسافة بين منزلها ومنزل الزبون.
نطاق عمل الطباخة المصرية «ماما منى» يشمل الهرم والدقي والمهندسين والعجوزة وحدائق الأهرام ووسط البلد، وتشتهر بتقديم الوجبات المصرية، مثل المحاشي، والممبار، والحمام، والرقاق، والبشاميل، وغيرها، وبعد زيادة حجم الإقبال عليها باتت تستعين بشيف مصرية، وبات أبناؤها يشعرون أنهم يعيشون داخل مطعم كبير، حسبما تحكي، حتى أنهم قد يضطرون إلى تأخير مواعيد وجباتهم لمساعدتها في تحضير الطلبات.
زبائن منى لم يقتصروا على الرجال فقط، بل إن عدداً من السيدات كن يطلبن وجباتها في العزائم وغيرها، خاصة أطباق المحاشي التي تتطلب وقتاً كبيراً لدى ربة الأسرة لتقديمها أطعمة صحية ومضمونة وذات جودة كبيرة، تحمل رائحة المنزل، بعيدا عن الوجبات السريعة أو أكلات المطاعم.
تضيف «ماما منى»: «تعليقات الشكر من زبائني والتقديران المعنوي والمادي، شجعوني على استكمال التجربة، وحتى هذه اللحظة أحرص على تجديد أكلاتي وزيادة جودتها للحصول على تقييمات جيدة من عملائي، خاصة أنها أكثر توفيرا من وجبات المطاعم».
هذه الظاهرة التي لاقت رواجاً في العاصمة القاهرة، تضم أخريات، مثل آية محمد، الشابة ذات الـ28 ربيعاً، الحاصلة على بكالوريوس نظم معلومات، والتي بدأت منذ 4 سنوات تقدم أطعمة ذات طابع شعبي من منزلها في منطقة البحر الأعظم في الجيرة، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «اعتقد زبائني أن والدتي هي من تعد وجباتهم، خاصة أنها مصنوعة بوصفات الجدات، لكن بعدما عرفوا أنني أطبخها بدأت تتوالى الطلبات علي بكثرة».
وعلى الرغم من صغر سنها، كانت آية مؤسسة صفحة «دلع كرشك أكل بيتي»، التي يتابعها 14 ألفا من المهتمين بالطعام، مهتمة بتوصيل الوجبات بنفسها إلى الزبائن عن طريق المترو أو عبر خدمات استدعاء السيارات بواسطة تطبيقات الهاتف، وكانت تقطع مسافات كبيرة إلى منازل الزبائن في مناطق التجمع الخامس ومدينة نصر بـ(شرق القاهرة)، وعين شمس والمعادي، لذا تستقبل طلبات الزبائن قبل يوم من إعدادها على الأقل، خاصة أنها تعد جميع وجباتها بالمنتجات الطازجة بعيدا عن اللحوم المجمدة وغيرها.
وتستكمل آية: «الأكل بالنسبة لي هواية أكثر من عمل، خاصة أنني لا أضطر إلى الابتعاد عن المنزل كثيراً إلا في أثناء توصيل الطلبات، كما لمست تفضيل الجمهور الأطعمة الصحية التي تحمل رائحة أكلات زمان، لما لها من مذاقات خاصة».
ومع انتشار ظاهرة صناعة الطعام في المنازل وبيعه للزبائن حسب الطلب، دخل سوريون يقيمون في القاهرة على الخط، وبدأ البعض منهم في الترويج لنفسه من منزله في ضاحية المعادي، من بين هؤلاء آمنة ناظم، تقول إنها واجهت صعوبات كثيرة في بداية مشروعها، خاصة مع وجود زوجها في سوريا، حيث كانت تضطر إلى استقبال طلبات الوجبات وتحضيرها ثم تسليمها بنفسها إلى الزبائن، ما كان يمثل لها إرهاقاً كبيراً، لذا فكرت في إنشاء صفحة على موقع «فيسبوك» تحت اسم «الأكل السوري على أصوله» لجذب زبائن جدد، فضلاً عن التعاقد مع عدد من السائقين «الدليفري» لتوصيل الطلبات في أسرع وقت، كوسيلة أكثر توفيراً من خدمات «أوبر» وغيرها.
تقدم آمنة - التي بلغ عدد معجبي صفحتها على «فيسبوك» ما يقارب 350 ألف شخص - الكثير من الأطعمة الشهية والمختلفة حرصاً على تنويع شريحة زبائنها، إلا أنها تتميز بتقديم الكوسة باللبن، والكبيبة الشامي، والسمبوسك، وفطائر الجبن والزعتر، والأوزي السوري، والبط بالبرتقال، والكنافة النابلسية الشهيرة، فضلاً عن الشركسية، والحمام المحشي، والرقاق، والبرياني، والمندي، والبفتيك، والمسقعة، بوصفات شهية تحمل رائحة المطبخين السوري والمصري.
ترى آمنة أن مشروعها، بخلاف أنه وسيلة ترويج للمطبخ السوري في الشارع المصري، يوفر أيضا الوقت على الموظفات وصاحبات الأعمال اللاتي يعانين من أجندة يومية مزدحمة، خاصة أنها تعد أيضا وجبات للعزائم والمناسبات الكبيرة كأعياد الميلاد وغيرها، كما تقدم عروضا خاصة للموظفات على أطعمة تغطي احتياجات المنزل لمدة أسبوع بالكامل.
آمنة تقول إنها أصبحت مشهورة ولها زبائن كثر، وباتت توزع الطعام في معظم مناطق القاهرة والجيزة، لدرجة أنها تستعين بـ6 طباخات، وتسعي الآن إلى تجديد قائمة طعامها لمواكبة الطلبات الجديدة.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
TT

المؤثرة «ماما الطبّاخة» نموذج للمرأة العربية العصامية

تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)
تقول إن مهنتها صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء (ماما طباّخة)

تلتصق بالأرض كجذور شجرة منتصبة تصارع العواصف بصلابة بانتظار الربيع. زينب الهواري تمثل نموذجاً للمرأة العربية المتمكنّة. فهي تطهو وتزرع وتحصد المواسم، كما تربّي طفلتها الوحيدة المقيمة معها في إحدى البلدات النائية في شمال لبنان. غادرت زينب بلدها مصر وتوجّهت إلى لبنان، ملتحقة بجذور زوجها الذي رحل وتركها وحيدة مع ابنتها جومانا. تركت كل شيء خلفها بدءاً من عملها في وزارة الثقافة هناك، وصولاً إلى عائلتها التي تحب. «كنت أرغب في بداية جديدة لحياتي. لم أفكّر سوى بابنتي وكيف أستطيع إعالتها وحيدة. أرض لبنان جذبتني وصارت مصدر رزقي. هنا كافحت وجاهدت، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي رحت أنشر ما أقوم به. توسّع جمهوري ليطول الشرق والغرب. اليوم تنتظرني آلاف النساء كي يتعلمّن مني وصفة طعام لذيذة. وكذلك يكتسبن من منشوراتي الإلكترونية كيفية تحضير المونة من موسم لآخر».

"ماما الطبّاخة" تزرع وتسعد بحصاد موسم الخرشوف (ماما طباّخة)

تروي زينب لـ«الشرق الأوسط» قصة حياتها المليئة بمواقف صعبة. «كانت ابنة أختي التي رحلت في زمن (كورونا) هي ملهمتي. قبلها كنت أجهل كيف أتدبّر أمري. فتحت لي حساباً إلكترونياً، ونصحتني بأن أزود المشاهدين بوصفات طعام. وانطلقت في مشواري الجديد. لعلّ جارتي أولغا هي التي لعبت الدور الأكبر في تقدمي وتطوري. علّمتني طبخات لبنانية أصيلة. كما عرّفتني على أنواع المونة اللبنانية اللذيذة. كل ما أقوم به أصنعه من مكونات طبيعية بعيداً عن أي مواد كيمائية. أزرع وأحصد وأطهو على الحطب. أعيش بسلام في قرية نائية مع ابنتي. هنا اكتشفت معنى الحياة الهانئة والحقيقية».

تحب تحضير الطعام كي تسعد الناس حولها (ماما طباّخة)

قصتها مع الطبخ بدأت منذ كانت في الـ13 من عمرها. «كانت والدتي تعمل فأقوم بمهام المطبخ كاملة. صحيح أنني درست الفنون الجميلة، ولكن موهبة الطهي أسرتني. في لبنان بدأت من الصفر عملت في مطعم وتابعت دورات مع شيف عالمي. اكتسبت الخبرة وتعلّمت أصول المطبخ الإيطالي والصيني. ولكنني عشقت المطبخ اللبناني وتخصصت به».

تصف حياتها بالبسيطة وبأنها تعيش ع «البركة» كما يقولون في القرى اللبنانية. وعن منشوراتها تقول: «أحضّر الطبق مباشرة أمام مشاهديّ. وكذلك أي نوع مونة يرغبون في تعلّم كيفية تحضيرها. أمضي وقتي بين الأرض والحصاد والطبخ. أجد سعادتي هنا وبقربي ابنتي التي صارت اليوم تفضّل الاعتناء بالدجاج وقطف المحصول على أن تنتقل إلى بيروت. إنها ذكية وتحقق النجاح في دراستها. أتمنى أن تصل إلى كل ما تحلم به عندما تكبر. فكل ما أقوم به هو من أجل عينيها».

مع ابنتها جومانا التي تساعدها في تحضير منشوراتها الإلكترونية (ماما طباّخة)

وعن سرّ أطباقها اللذيذة ووصفاتها التي وصلت الشرق والغرب تقول: «أحب عملي، والنجاح هو نتيجة هذا الحبّ. لطالما كنت أبحث عما يسرّ من هم حولي. ومع الطبق اللذيذ والشهي كنت أدخل الفرح لمن يحيط بي. اليوم كبرت دائرة معارفي من الجمهور الإلكتروني، وتوسّعت حلقة الفرح التي أنثرها. وأسعد عندما يرسلون إلي نجاحهم في وصفة قلّدونني فيها. برأيي أن لكل ربّة منزل أسلوبها وطريقتها في تحضير الطعام. وأنصح النساء بأن تحضّرن الطعام لعائلتهن بحبّ. وتكتشفن مدى نجاحهن وما يتميّزن به».

لقبها «ماما الطبّاخة» لم يأتِ عن عبث. وتخبر «الشرق الأوسط» قصّتها: «كانت جومانا لا تزال طفلة صغيرة عندما كان أطفال الحي يدعونها لتناول الطعام معهم. ترفض الأمر وتقول لهم: سأنتظر مجيء والدتي فماما طباخة وأحب أن آكل من يديها. وهكذا صار لقب (ماما الطباخة) يرافقني كاسم محبب لقلبي».

ببساطة تخبرك زينب كيف تزرع وتحصد الباذنجان لتحوّله إلى مكدوس بالجوز وزيت الزيتون. وكذلك صارت لديها خبرة في التعرّف إلى الزعتر اللذيذ الذي لا تدخله مواد مصطنعة. حتى صلصة البيتزا تحضّرها بإتقان، أمام كاميرا جهازها المحمول، وتعطي متابعيها النصائح اللازمة حول كيفية التفريق بين زيت زيتون مغشوش وعكسه.

تحلم زينب بافتتاح مطعم خاص بها ولكنها تستدرك: «لا أملك المبلغ المالي المطلوب، إمكانياتي المادية بالكاد تكفيني لأعيل ابنتي وأنفّذ منشوراتي الإلكترونية. فشراء المكونات وزرع المحصول وحصاده والاعتناء بالأرض عمليات مكلفة مادياً. والأهم هو تفرّغي الكامل لعملي ولابنتي. فأنا لا أحب المشاركة في صبحيات النساء وتضييع الوقت. وعندما أخلد إلى النوم حلم واحد يراودني هو سعادة ابنتي».

مؤخراً صارت «ماما الطبّاخة» كما تعرّف عن نفسها على صفحة «تيك توك»، تصدّر المونة اللبنانية إلى الخارج: «زبائني يتوزعون على مختلف بقاع الأرض. بينهم من هو موجود في الإمارات العربية والسعودية ومصر، وغيرهم يقيمون في أستراليا وأوروبا وأميركا وبلجيكا وأوكرانيا. أتأثر إلى حدّ البكاء عندما ألمس هذا النجاح الذي حققته وحدي. واليوم صرت عنواناً يقصده كل من يرغب في الحصول على منتجاتي. وأحياناً سيدة واحدة تأخذ على عاتقها حمل كل طلبات جاراتها في بلاد الاغتراب. إنه أمر يعزيني ويحفزّني على القيام بالأفضل».

لا تنقل أو تنسخ زينب الهواري وصفات طعام من موقع إلكتروني أو من سيدة التقتها بالصدفة. «أتكّل على نفسي وأستمر في المحاولات إلى أن أنجح بالطبق الذي أحضّره. لا أتفلسف في وصفاتي، فهي بسيطة وسريعة التحضير. أدرك أن مهنتي صعبة وتصلح للرجال أكثر من النساء. ولكنني استطعت أن أتحدّى نفسي وأقوم بكل شيء بحب وشغف».