واشنطن تضاعف عقوباتها على روسيا... وموسكو تتوعد بالرد

بولتون رهن رفع العقوبات بتغيير روسيا سلوكها

TT

واشنطن تضاعف عقوباتها على روسيا... وموسكو تتوعد بالرد

تصاعدت أزمة العقوبات بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا مجدداً، وذلك بعد جملة من المخالفات التي انتهكتها موسكو بحق قوانين الأمم المتحدة، وكان آخرها نقل المنتجات النفطية المكررة عبر شركات شحن وست سفن روسية إلى كوريا الشمالية، ما استدعى تشديد العقوبات الأميركية على موسكو، والمطالبة بزيادة العقوبات عليها في الأمم المتحدة. وأكد جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي للرئيس دونالد ترمب أمس الجمعة، أن العقوبات الأميركية ضد روسيا ستظل قائمة حتى تغير موسكو سلوكها، إذ تعد هذه العقوبات الثالثة التي تفرضها أميركا خلال فترة الرئيس ترمب على روسيا، وكان أبرزها عقوبات اقتصادية بسبب تدخل روسيا المزعوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. والتي نفت موسكو هذه الادعاءات.
وقال بولتون في مؤتمر صحافي عقده مع الرئيس الأوكراني في كييف، إن العقوبات الأميركية على روسيا ستظل سارية حتى يتم التغيير المطلوب في السلوك الروسي، مشيراً إلى أن كييف أحرزت تقدما في جهودها للانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، لكن لا يزال أمامها الكثير من العمل.
ونصح بولتون أوكرانيا بالعمل والوفاء بالمتطلبات اللازمة للمساهمة في حلف الناتو، وتكون عضواً فيه، إذ يعتمد الكثير على من الاختبارات العسكرية والسياسية، «حتى تكون أوكرانيا عضواً في الناتو»، مضيفاً: «أود أن أقول إنه يتم إحراز تقدم ولكن ما زال هناك المزيد لإنجازه».
وشدد على حل الأزمة في أوكرانيا وأنه سيكون من الخطر ترك الوضع كما كان في القرم وشرق أوكرانيا، حيث دعمت موسكو الانفصاليين في صراعهم مع كييف، منوهاً إلى أنه أبلغ بوروشنكو بأن موسكو لا يجب أن تتدخل في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية العام المقبل، مضيفاً: «اتفقت أنا والرئيس بوروشنكو على أننا سننظر في الخطوات التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة وأوكرانيا للنظر في التدخل الانتخابي هنا». وفيما يخص نقل المنتجات النفطية من روسيا إلى كوريا الشمالية، حددت وزارة الخزانة الأميركية شركات الشحن الروسية كشركات شحن مقرها فلاديفوستوك، وهي بريموري ماريتام (بريموري)، وشركة جودزون للشحن ش.م.م (جودزون)، كما سميت ست سفن تحمل العلم الروسي أخرى هي بيلا، بوغاتير، نبتون، بارتيزان، وباتريوت وسيفاستوبول.
وفي بيان صحافي قالت وزارة الخزانة الأميركية، إنها تحظر عمليات النقل من سفينة إلى سفينة ترفع العلم الكوري الشمالي، سواء كانت تلك السفن الناقلة من روسيا أو أي مكان آخر، ومن أي سلع يتم توريدها أو بيعها أو نقلها إلى أو من (كوريا الشمالية) بموجب قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن كوريا الشمالية، مؤكداً أن أي مخالفة لتلك الشروط فإنها ستكون قابلة للعقوبات، بموجب قانون الولايات المتحدة، و«ستبقى هذه النتائج المترتبة على انتهاك العقوبات سارية حتى نتمكن من تحقيق نزع السلاح النووي نهائيا من كوريا الشمالية». وأوضح بيان الخزانة الأميركية أن السفينة الروسية باتريوت أجرت تبادل عمليتي نقل نفط من سفينة إلى سفينة في أوائل عام 2018 بما يصل 1500 طن، إلى سفينة تشونج ريم 2. و2000 طن سلمتها السفينة الكورية الشمالية إلى تشون ما سان التي ترفع علم كوريا الشمالية، وقالت إن المشتري هو بنك تايسونج، وهو كيان كوري شمالي تابع لمكتب حزب العمال الكوري 39. الذي اعتبرته واشنطن منخرطاً في أنشطة اقتصادية غير مشروعة لقيادة كوريا الشمالية، والذي يواجه عقوبات من الأمم المتحدة وأميركا معاً.
بدورها، توعّدت روسيا بالرد على الاتهامات التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية على موسكو، وفرض العقوبات التي أعلنت عنها أخيراً، مؤكدة أنه لا أساس لتلك الاتهامات وهي غير صحيحة، وستعمل على اتخاذ إجراءات انتقامية.
وأكد سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي في بيان نشر على موقع وزارة الخارجية الروسية، أن العقوبات وكذلك الخطوات الأميركية الأخرى بشأن القرصنة المزعومة، والتي لا أساس لها على حد قوله، ستجبر موسكو على الرد، معتبراً أن تلك العقوبات الأخيرة تم تقديمها تحت «التظاهر الزائف»، وأن الولايات المتحدة تصرفت دون أدلة على أساس اتهامات لا أساس لها.
وفي سياق آخر، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية على لسان المتحدثة الرسمية هيذر ناورت في مؤتمر صحافي أول من أمس في الوزارة، أن مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي تحدث مع سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي في وقت سابق أول من أمس، إذ ناقش الطرفان أوضاع السجين السياسي الأوكراني أوليغ سينتسوف، الذي أضرب عن الطعام لأكثر من ثلاثة أشهر في سجن روسي الآن.
وأشارت ناورت إلى أن بومبيو أكد في المكالمة مع لافروف على ضرورة الإفراج فوراً عن سينتسوف وجميع السجناء السياسيين الأوكرانيين، والتعبير عن المخاوف الأميركية بشأن صحة سينتسوف، كما ناقش الطرفان التحديات المستمرة في سوريا والمخاوف الأميركية الجدية المتعلقة بالنشاط العسكري المحتمل في إدلب. وأضافت: «كما طلب الوزير بومبيو من وزير الخارجية لافروف دعم الجهود المبذولة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وكذلك الجهود الرامية إلى محاسبة النظام السوري على استخدامه للأسلحة الكيميائية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟